لم يكن مطروحا عندي الكتابة في هذا الموضوع لولا صدور تقرير البنك الدولي في الرابع من فبراير الحالي بعنوانquot;الطريق غير المسلوك: إصلاح التعليم في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقياquot;، وهو عبارة عن دراسة تحليلية اقتصادية شاملة عن أثر الاستثمارات في قطاع التعليم على المنطقة، فضلا عن التغيرات السكانية والعولمة وهجرة العمالة ودور أسواق العملquot;. وهذا التقرير المنشور باللغتين الإنجليزية والعربية في أربعة وعشرين صفحة من المهم دراسته لوضع ألآليات الخاصة لمعالجة الخلل الذي توصل إليه التقرير، خاصة أن البنى التعليمية السائدة في أية دولة هي التي تقود خط التنمية السياسية والاجتماعية، و ما إن كانت ستوصل لتنمية بشرية أو تخلف عن كافة مناحي التطور في ظل العولمة التي ما عادت تسمح لأية دولة أو مجتمع أن يعيش منعزلا بعيدا عن تأثيرات الجوار القريب والبعيد، وكما يقول التقرير فإنquot;التعليم هو المصدر الرئيسي لخلق المعرفة، فإن هذه المهمة واضحة جلية، ولذا فمن اللازم تغيير أنظمة التعليم حتى يمكنها توفير المهارات والخبرات الجديدة اللازمة للتفوق في بيئة أكثر تنافسيةquot;.

مثال الأردن

استنادا للنتائج التي توصل إليها التقرير بعد دراسة أوضاع 14 دولة عربية وشرق أوسطية، ف (إن أفضل البلدان أداء هي الأردن والكويت، وأدنى البلدان أداء هي (جيبوتي واليمن والعراق والمغرب)، أما المتوسطة فهي (تونس ولبنان وإيران ومصر والضفة الغربية و قطاع غزة والجزائر). والنقطة الملفتة للنظر فيما يخص الأردن كونه احتل المرتبة الأولى على مستوى دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فهي توصل التقرير إلى أنه (لا يرتبط النجاح في تحقيق الأهداف التعليمية دائما بمستوى دخل الفرد. من المؤكد أنّ أداء الكويت كان أفضل من أداء جيبوتي أو الجمهورية اليمنية، غير أن أداء الجزائر والمملكة العربية السعودية اللتين تتمتعان بمتوسط دخل عال نسبيا، كان أدنى من أداء الأردن وتونس اللتين لديهما متوسط أدنى لدخل الفرد، ولذلك فلا الصراع ولا نقص الموارد يمتلكان عنق الزجاجة مطلقا أمام إحراز تقدم في تنفيذ إصلاحات التعليم)، وهذا ما يمكن أن يقودنا لدراسة الحالة التي يمكن تسميتها (الاستثمار في البشر).

من المعروف أن سكان الأردن حسب إحصاء عام 2005 حوالي خمسة ملايين و سبعمائة ألف نسمة، في مساحة تبلغ حوالي 92 ألف كيلو متر مربع تشكل الجبال والتلال والصحراء نسبة كبيرة منها، وتفتقر البلاد للثروات المعدنية والنفطية، ولا تشكل الثروة الزراعية نسبة كبيرة من مردودات الدخل القومي للبلاد، مما جعل الاستثمار في ميادين أخرى هي الأساس الذي يعتمد عليه الأردن، ومن هذه الميادين ما يمكن تسميته بالاستثمار في الإنسان، خاصة في ظل الانعكاسات السلبية للظروف السياسية في منطقة الشرق الأوسط ومجاورة الأردن لأسخن بقعتين متوترين: العراق في الشرق والمناطق الفلسطينية في الغرب، والارتفاع غير المسبوق لأسعار النفط في الأسواق العالمية، مما شكّل ضغوطا هائلة على الموازنة العامة للدولة. ومن مظاهر الاستثمار في الإنسان التي تتميز بها التجربة الأردنية وهي من نتائج أن أصبحت الأردن في المرتبة الأولى من حيث مستوى التعليم كما ورد في تقرير البنك الدولي المشار إليه.

الجامعات ومستواها

إن شحّ الموارد الطبيعية لم يؤثر على مستوى التعليم الذي جعل الأردن يتفوق على غالبية الدول العربية الأكثر منه دخلا والمتوسطة كذلك، ومن مظاهر ذلك الجامعات الأردنية، فقد أنشئت أول جامعة عام 1962 وهي (الجامعة الأردنية) الحكومية، واليوم في عام 2008 وحسب بياناتquot;إتحاد الجامعات العربيةquot;ففي الأردن عشرون جامعة منها تسع جامعات حكومية وإحدى عشرة جامعة خاصة، يبلغ عد أعضاء التدريس فيها مجتمعة 6214 من كافة الرتب الجامعية، وعدد الطلاب فيها من مختلف الجنسيات 199379 طالبا وطالبة، غالبية الطلاب غير الأردنيين من دول الخليج العربي و من الفلسطينيين في دولة إسرائيل (الخط الأخضر كما يطلق عليهم) حيث نسبة منهم يدرسون بمنح حكومية أردنية، وطلاب الضفة الغربية حيث تراعي الجهات المسؤولة أوضاعهم الاقتصادية كما حدث قبل أسابيع قليلة حيث أعلن وزير التعليم العالي الأردني أن الحكومة قررت تأجيل دفع الرسوم الجامعية للطلبة الفلسطينيين في الجامعات الأردنية الحكومية والخاصة، نظرا للظروف الصعبة السائدة في المناطق الفلسطينية. ومن الطلبة الأجانب غير العرب من يرتاد مركز اللغات في الجامعة الأردنية لدراسة اللغة العربية في دورات مركزة لغير الناطقين بها في شهور الصيف خاصة. ولمجاراة القفزة العالمية في مجال تقنية المعلومات هناك ثلاثة جامعات أردنية اكتسبت شهرة عربية وعالمية في هذا الميدان وهي جامعة العلوم والتكنولوجيا، وجامعة البلقاء التطبيقية، وجامعة الأميرة سمية للتكنولوجيا (خاصة).

مستوى استعمال الكومبيوتر وخدمات الإنترنت

هذا المستوى التعليمي أدى إلى تميز أردني في استعمال الكومبيوتر وخدمات الانترنت، فحسب تقارير الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان لعام 2004 اعتمادا على دراسة عالمية (أن مستخدمي الإنترنت في الأردن يبلغ 19 لكل ألف شخص في عام 2003، وحتى عام 2001 كانت كثافة الحاسبات في الأردن تصل إلى 3.28 حاسب لكل مائة نسمة وهو ما يعني أن الأردن كانت تحتل المرتبة الخامسة بعد الإمارات والكويت والسعودية وعُمان) وتعتبر المرتبة الخامسة متقدمة للغاية قياسا بثروة البلدان الأربعة السابقة ودخل الفرد فيها. وحسب إحصائيات موقع النادي العربي لتقنية المعلومات والإعلام فقد بلغ عدد مستخدمي الإنترنت في الأردن نحو نصف مليون عام 2004 وهي نسبة تعدّ متقدمة جدا، وقد دخل في العام نفسه شارع الجامعة في مدينة إربد شمال الأردن موسوعة جينس بالنسبة لعدد مقاهي الإنترنت المتوفرة في الشارع، ولتشجيع الاستثمار في مجال تقنية المعلومات وافقت الحكومة الأردنية على قرارات جديدة منها السماح لمن تجاوز سن الثالثة عشرة الدخول لمقاهي الانترنت دون موافقة الأهل، كما خفضت الشروط الواجب توفرها في مراكز الانترنت ومساحتها، ويخلص تقرير الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان إلى نتيجة مفادهاquot;ويبقى الأردن ورغم بعض التخبط الذي يعانيه قطاع الاتصالات، ضمن الدول المبشرة في العالم العربي، ليأتي كاستثناء ومثال يمكن لدول أخرى الإقتداء به)، وquot;في إطار التطور التكنولوجي تسعى الأردن لتجاوز النقص أو الضعف لديها وذلك من خلال الشبكة التعليمية التي تهدف إلى ربط ما يزيد على مليون ونصف طالب بحلول عام 2006 بشبكة معلومات وبحث واسع، وهو ما يعني زيادة نسبة عدد مستخدمي الانترنت وزيادة القادرين على استخدام الكومبيوتر إلى 210 مستخدم لكل ألف شخص)، وتبلغ نسبة التصدير من التكنولوجيا المتطورة ما يعادل 8% من إجمالي صادراتها الصناعية، حسب دراسة رشاد مصطفى عوض لواقع المعلوماتية في الدول العربية في المجلة العربية للعلوم والمعلومات، العدد الأول بتاريخ 1 يونيو 2003 ص 15.

الخدمات الصحية

ومن المظاهر المميزة للاستثمار في الإنسان الخدمات الصحية في الأردن حيث هي من أفضل الخدمات والمقاييس في المنطقة العربية، وكمثال فالأردن الأول الذي تُجرى فيها عمليات القلب المفتوح وزراعة القلب، وتبلغ نسبة الأطباء إلى السكان 16.1 طبيب لكل ألف نسمة، وهي متقدمة في ذلك على بريطانيا التي النسبة فيها 15.1 لكل ألف نسمة، واكتسبت المستشفيات والخدمات الصحية الأردنية سمعة عربية وعالمية عالية المستوى، ويوجد حاليا في الأردن حوالي 47 مستشفى وحوالي خمسة قيد الإنشاء، واكتسبت من بينها (المدينة الطبية الملكية) سمعة ذائعة الصيت في مستوى تقنياتها وتخصصية الأطباء العاملين فيها، مما جعلها مقصد طالبي العلاج من الشخصيات الخليجية الغنية القادرة على الذهاب لأية عاصمة أوربية، وممن عولج فيها الشهور القليلة الماضية الرئيس العراقي السيد جلال الطالباني.

العقبة بوابة الأردن الاستثمارية

تأسست منطقة العقبة الاقتصادية في عام 2001، وكان من ضمن أهدافها عام التأسيس أن تستقطب ستة مليارات من الدولارات خلال عشرين عاما أي حتى عام 2020، وبرئاسة المهندس نادر الذهبي رئيس مجلس مفوضي سلطة منطقة العقبة الاقتصادية الخاصة، تمكنت المنطقة أن تستقطب حتى عام 2007 أي بعد ستة أعوام من تأسيسها مبلغ سبعة مليارات من الدولارات كاستثمارات في مجالات مختلفة، وحسب تصريحات سابقة للمهندس الذهبي لمجلة أريبيان بيزنسquot;فإن المنطقة تقوم بعملية مراجعة ودراسة لوضع هدف رقمي جديد للسنوات الخمس القادمة لاستقطاب استثمارات جديدة تصل إلى ستة مليارات دولار عدا تلك التي تم استقطابها في السابقquot;، وهو يشخّص الظروف التي قاد فيها المنطقة قائلا:quot;في ضوء التسارع المضطرد في استقطاب الاستثمارات إلى المنطقة نواجه تحديا كبيرا لتطوير البنية التحتية التي كان مخططا لتنفيذها خلال عشرين عاما لاستقطاب ستة مليارات دولار، أما ألآن ومع وصول حجم الاستثمارات خلال ست سنوات إلى سبعة مليارات، أصبح من الضروري جدا أن يتم إنجاز وتأهيل هذه البنية خلال فترة زمنية قياسية أقصر وتوفير المال اللازم لها أيضا، لذا فإننا نحاول جاهدين العمل مع جميع الجهات والمؤسسات التي تنفذ عمليات تطوير التسهيلات والخدمات من كهرباء وماء وطرق، لكي يتسارع تنفيذ هذه المشاريع ويتم إنجازها بالتوازي مع الاستثمارات القائمة والمستقبلية الأخرى في المنطقةquot;.

نجاحات ذهبية

لذلك جاء تصنيف الأردن ضمن أول 20 دولة من أصل 141 في مؤشر أداء تدفق الاستثمار الأجنبي المباشر في تقرير الاستثمار العالمي لعام 2006، وهذا النجاح هو الذي قاد المهندس نادر الذهبي من رئاسة منطقة العقبة الاستثمارية إلى رئاسة الوزراء في الأردن منذ 22 نوفمبر من عام 2007 بناءا على التكليف الملكي الأردني، والمؤمل أردنيا أن ينقل أداءه المتميز في منطقة العقبة لرئاسة الوزراء خاصة في عام 2008 الذي يعتبره كثيرون عام التحديات بالنسبة للاقتصاد الأردني لأسباب عديدة منها التوتر السائد في المنطقة والارتفاع الجنوني لأسعار النفط عالميا خاصة أن ألأردن يعتمد على الاستيراد في كل ما يحتاجه من النفط. وهو من الأشخاص المعروفين بمهنيتهم العالية منذ بدأ حياته العملية عام 1964 مكلفا في سلاح الجو الملكي، وتدرج إلى أن أصبح مساعد القائد العام للشؤون اللوجستية، وحصل عام 1982 على ماجستير في هندسة الطيران من جامعة كرانفيلد البريطانية، ثم ماجستير في الإدارة العامة من جامعة أوبرن الأمريكية، وترأس عام 1994 مجلس إدارة شركة الخطوط الجوية الملكية الأردنية حتى عام 2001، ثم تعين وزيرا للنقل حتى عام 2003، قبل أن يترأس مجلس مفوضي منطقة العقبة الاقتصادية، ومنها لرئاسة الوزراء.

ليست دعاية بل اهتمام بإنسانية الإنسان،

الذي يمكنه أن يحقق إنجازات غير متوقعة إن أُعطي الاهتمام اللازم عبر الدراسات التي تحدد احتياجاته وقدراته ضمن قدرات البلد، وكيفية استغلال هذه القدرات للقفز على الشح في الموارد الاقتصادية، خاصة في ظل غياب التنسيق العربي في المجال الاقتصادي وغيره من المجالات، فمن يصدق أن الدول الأوربية الغنية دفعت مئات المليارات من الدولارات للدول ألأوربية الأقل دخلا كي تؤهلها لدخول الوحدة الأوربية، بينما في عالمنا العربي هناك من يعاير بعض الدول العربية بأنها فقيرة وفيها نقص للمياه والغذاء مثلا. وما ينبغي معرفته أن الاستقرار الاقتصادي يعني في النتيجة بنسبة عالية الاستقرار الأمني خاصة في الدول التي تشهد توترات مزمنة كالمناطق الفلسطينية والعراق وهذا يؤثر على الأردن الواقع بينهما، وكمثال ميداني ما زالت صوره في الأذهان من كان يتصور تهديم الحواجز والجدران والمعابر وتدفق سبعمائة ألف فلسطيني عبر الحدود المصرية خلال يومين فقط؟ لو كانت هذه الجموع مؤَمنة بالحد الأدنى من اقتصاديات الحياة، هل كان من الممكن اللجوء لهذا الأسلوب؟. بدليل أنه في السنوات الماضية رغم الاشتباك اليومي مع جيش الاحتلال، لم تلجأ هذه الجموع لهذا الأسلوب، ولكن عندما يجتمع الموت والقتل مع الجوع والعطش والظلام، ونتيجة فقدان أي أمل في حياة كريمة بحدها الأدنى، لا بد من اللجوء لهذا الأسلوب وحسب ظروف كل دولة لجموعها أساليبها الخاصة، لهذا لا بد من الوعي أن الاستثمار في الإنسان يعني الاستقرار الأمني والاجتماعي، وقد عبّر الشاعر العربي منذ مئات السنين عن ذلك عندما قال:

أعلل النفس بالآمال أرقبها ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل

وقد أثبتت العديد من الدراسات أن نسبة من العنف والإرهاب الذي يسود العديد من بلدان العالم من أسبابه أيضا فقدان الأمل في حياة حرة كريمة، مما يجعل لا فرق بين الموت وهذه الحياة الذليلة، فيلجأ للموت بدليل أن الدول الغنية إن عرفت إرهابا من بعض مواطنيها فغالبا يعود لتعبئة تربوية دينية معينة تعده أيضا بحياة أفضل من حياته رغم أنها حياة مريحة قياسا بدول أخرى.

مثال الأردن ومشكلة اللاجئين والعمالة الوافدة

وبدون شك فإن ما يزيد وضع الأردن الاقتصادي صعوبة رغم كل هذا الاستثمار الناجح في ميدان الإنسان، هو نسبة اللاجئين العراقيين الذين لا يقلون عن سبعمائة ألف مواطن، وهذه نسبة عالية جدا من مجموع الشعب الأردني، وكذلك العمالة الوافدة خاصة من مصر حيث تقدرهم أغلب الإحصائيات بما لا يقل عن مائة و عشرين ألفا. ولا أحد يستطيع أن يلوم المواطن العراقي الذي يهرب من الموت الذي يعمّ بلاده، ومن حقه أن يلجأ إلى أية دولة يستطيع دخولها بما فيها ألأردن، وفي الوقت نفسه لا بد من تقديم الدعم الكافي للدول المضيفة خاصة الأردن وسوريا التي تستقبل أيضا ما لا يقل عن مليون وربع مواطن عراقي، والغريب أن الكثيرين يتطلعون لدعم دولتين كالأردن وسورية من الدول الأوربية أو ألأمم المتحدة، متناسين أن هذه مسؤولية الحكومة العراقية أولا وأخيرا، فهي التي لم تؤمن الأمن لمواطنيها مما دفعهم للجوء للدول المجاورة، في الوقت نفسه فإن الفساد المستشري في كافة مؤسسات الحكومة العراقية، وسرقات بعض وزرائها يكفي لإعاشة ملايين من المواطنين العراقيين في الخارج الذين هربوا بحياتهم من موت يومي لا يوفر أحدا. ورغم ذلك تتعثر المحادثات العراقية ألأردنية حول الديون ألأردنية على العراق، ولا ينتظم وصول النفط العراقي للأردن بأسعار مخفضة تبلغ حوالي 18 دولارا أقل من السعر العالمي، وهو نسبة بسيطة للغاية في ظل الضغوط التي يتحملها الاقتصاد الأردني من واقع وجود سبعمائة ألف لاجىء عراقي دون أي اهتمام بهم من الحكومات العراقية المتعاقبة، وتتجاهل الحكومات العراقية مسألة كم يكلف السبعمائة ألف لاجىء عراقي البنية التحتية والاقتصاد العراقي لو بقوا في مدنهم وقراهم العراقية، فلماذا لا توجه هذه التكلفة التي تقدر بمئات الملايين شهريا لدعم حياتهم في الأردن وسوريا؟ السبب في ذلك أن الحكومات العراقية المتعاقبة منذ سقوط النظام السابق غير مهتمة إلا بالمحاصصة الطائفية في الحكم، وبالتالي فشعار غالبية الوزراء هو خدمة الطائفة ومحاربة الطائفة، وبالتالي فالشعار الذي يسعى غالبيتهم لتنفيذه هو (أسرق ما تستطيع بأسرع ما تستطيع، فأيامك في الوزارة معدودة). أما بالنسبة للعمالة المصرية فأغلبها يعمل في قطاع البناء والزراعة وهي غالبا ميادين يستنكف العمال الأردنيون عن العمل فيها، وهذه مشكلة تربوية في الأساس تحتاج لتوعية خاصة ليس من السهل نجاحها في وقت سريع، ورغم ذلك هناك مباحثات أردنية مصرية لتنظيم تنقل العمالة بين البلدين، وهذا من شأنه أن يضع حلولا لمشكلة البطالة التي يعاني منها سوق العمل الأردني في ظل العاملين السابقين، لأنه ليست صحيحة الفكرة الشائعة أن كل مئات ألاف العراقيين في الأردن وسورية هم من أصحاب الملايين الذين يستثمرون ملايينهم بما يفيد الاقتصاد الأردني والسوري، لأن تقديرنا للظروف التي ألجأتهم للهجرة ومطالبتنا خاصة حكومة العراق بمساعدتهم، لا يمنع التأكيد على أنهم أثروا في فرص العمل المتاحة في البلدين.


كخلاصة مستقبلية،

تخلص هذه الدراسة إلى أن التجربة الأردنية في ميدان الاستثمار في الإنسان تستطيع أن تكون مثالا وتعطي المزيد من النتائج في المستقبل، كما هو مرجو من رئيس الوزراء الجديد المهندس نادر الذهبي بعد نجاحه المثير في تجربة منطقة العقبة الاستثمارية، لذلك أوردت وكالة التصنيف الائتماني الأمريكي (موديز) وهي وكالة عالمية متخصصة في تقييم أداء الاقتصاد والشركات الوطنية في مختلف دول العالم، وكما ذكر المحلل الاقتصادي الأردني الدكتور فهد الفانك في جريدة الرأي الأردنية يوم العاشر من فبراير الحالي، أن (أهم إيجابية في نظر الوكالة هي السياسات التقدمية للحكومة الأردنية واستمرار عملية الإصلاح المباشر بدفع مباشر من الملك عبد الله شخصيا، هذه السياسة التي سمحت بتحقيق نسب نمو جيدة في الناتج المحلي الإجمالي، وأدت إلى تدفق الاستثمارات الأجنبية).

وكم هو مهم في هذا الميدان التنسيق العربي للاستثمار في البلاد العربية بدلا من البلدان الأجنبية التي ما زالت تستقطب الغالبية العظمى من الاستثمارات العربية، فإذا تأكد للمستثمر العربي أنه يجني نفس الفوائد والأرباح من الاستثمار في دولة عربية، فلماذا الهروب بالمليارات لدول أجنبية؟.....فهل نثبت فعلا أننا أمة عربية واحدة؟ و نعرف أن الأمن الاقتصادي يؤدي إلى أمن بشري وهو ما يعني الاستقرار والنمو في كافة مناحي حياة الإنسان العربي.
[email protected]

أية إعادة نشر من دون ذكر المصدر إيلاف تسبب ملاحقة قانونية