بعد المقابلة التلفزيونية المشتركة التي ظهر فيا النائب اللبناني ميشال عون والأمين العام لquot;حزب اللهquot; السيد حسن نصرالله في السادس من فبراير-شباط الجاري، أكتشف اللبنانيون أخيرا لماذا أختار الجنرال ميشال عون اللون البرتقالي رمزا لتياره السياسي. بعد كل الأدوار التي لعبها الجنرال في الفترة الأخيرة بكفاءة قلّ نظيرها، تبين أن الأختيار للون لم يكن من باب الصدفة المحضة. هناك تلازم عضوي بين ميشال عون والبرتقالة. هناك أساس يجمع بينهما. الأثنان يصلحان للعصر ثم للرمي في سلة المهملات. كان ميشال عون في حضرة نصرالله أشبه بالتلميذ أمام معلمه... المستعد لعصره حتى آخر نقطة. يا له من quot;جنرال برتقاليquot; لذيذ... لذيذ حتى آخر نقطة!
من في حاجة ألى التأكد من هذا الأنطباع، يستطيع مراجعة وقائع المؤتمر الصحافي الذي عقده عون أمس (الأثنين) والجلسة الأخيرة التي ضمّته بصفة كونه ممثلا للمعارضة مع الرئيس أمين الجميل والنائب سعد الحريري في رعاية الأمين العام لجامعة الدول العربية السيد عمرو موسى بعد يومين من اللقاء التلفزيوني، أي في الثامن فبراير- شباط الجاري.
من المؤتمر الصحافي الذي تضمن هجوما على الرئيس الجميل وعلى النائب سعد الحريري والزعيم الوطني وليد جنبلاط والدكتور سمير جعجع وتزلفا لحسن نصرالله وحزبه، يتبين من كلام ميشال عون الذي لا علاقة له بالحقيقة والواقع، أن الرجل شريك صغير، ولكن بالأيجار، في الأنقلاب الذي يتعرض له لبنان والذي يستهدف ألغاء الوطن الصغير وأزالته عن خريطة الشرق الأوسط. لا تفسير منطقيا آخر لتصرفات من كان يدعى أنه قاوم الأحتلال السوري للبنان، ألى أن تبين لاحقا أنه لعب دورا أساسيا في جعل لبنان كله يقع في العام 1990 تحت السيطرة السورية. أمن ذلك عندما رفض أتفاق الطائف وتسليم قصر الرئاسة ألى الرئيس الشهيد رينيه معوض مسهلا على آلة القتل السورية التخلص من الرئيس اللبناني المنتخب الذي كان ينوي تطبيق الطائف أستنادا ألى التفسيرين اللبناني والعربي للأتفاق وليس أستنادا ألى التفسير السوري.
لدى عرض شريط الأحداث في السنوات العشرين الماضية، يتبين أن ميشال عون الدور الرئيسي في التخلص من الرئيس اللبناني المنتخب رينيه معوض، تماما كما يفعل الآن مع العماد ميشال سليمان بغية منعه من الوصول ألى الرئاسة. سهل في العام 1990 دخول القوات السورية ألى قصر بعبدا ووزارة الدفاع اللبنانية للمرة الأولى منذ أستقلال الوطن الصغير بغية أخضاع لبنان. ليس مهما ما أذا كان فعل ذلك عن قصد أو غير قصد. المهم أنه فعل ذلك من منطلق جهله التام للتوازنات الداخلية والأقليمية والدولية. لم يستوعب في العامين 1989 و1990 أن أتفاق الطائف أفضل حماية للبنان، فأتجه ألى محاربته متكلا على الراحل صدّام حسين والدبابات التي أرسلها له مع مساعدات أخرى. وذهب حتى ألى أرسال مبعوثين ألى ياسر عرفات، رحمه الله، طالبا منه مساعدته ودعمه... غير مدرك للوضع الذي كان يعاني منه الزعيم التاريخي للشعب الفلسطيني في تلك المرحلة.
لا يفهم ميشال عون شيئا في السياسة والمعادلات الأقليمية. يتقن لعب دور الأداة ويتقن أيضا للأسف الشديد أثارة الغرائز لدى المسيحيين اللبنانيين من المساكين الذين لا يعرفون شيئا عن حقيقة الرجل الذي يظن أنه قائد عسكري كبير ولكنه يقبل بوجود جيشين على أرض لبنان ودولة داخل الدولة اللبنانية!
أختار ميشال عون تعطيل مؤسسات الدولة اللبنانية بصفة كونه أنقلابيا بأمتياز. لا حدود لرعونة الرجل الذي لا يريد أن يتعلم من تجارب الماضي القريب وأن يسأل نفسه كم ستكلف تصرّفاته اللبنانيين هذه المرة وما الثمن الذي سيدفعه المسيحيون مرة أخرى بعدما قبل تحويل لبنان ألى quot;ساحةquot; للمحور الأيراني- السوري يستخدمها لأبتزاز العرب والمجتمع الدولي. هل يستوعب ميشال عون معنى الخطوات التي يتخذها بما في ذلك تغطية الأعتداء على الأملاك الخاصة والعامة وسط بيروت؟ هل يستوعب معنى الأعتداء على المؤسسات وأغلاق مجلس النواب اللبناني بناء على طلب سوري كي يكون فراغ على مستوى رئاسة الجمهورية؟ هل يدرك المهرج برتبة جنرال معنى تعميم ثقافة البؤس في لبنان؟ يصعب على ميشال عون فهم معنى هذا الكلام نظرا ألى أن أيا من أزلامه، عفوا نوابه أو مساعديه، لا يتجرأ على عرضه عليه. في كل الأحوال، حتى لو قرأ الكلام، فأنه لن يفهمه... أو يستوعبه لأسباب تعود ألى قدراته العقلية المحدودة من جهة وحقده الأعمى على كل نجاح من جهة أخرى.
ما يشفع باللبنانيين أن ميشال عون لم يربح يوما معركة في حياته. خسر كل المعارك العسكرية والسياسية التي خاضها. المعارك العسكرية الوحيدة التي صمد فيها كانت تلك التي ظل بعيدا عنها. الدليل على ذلك، أن الصورة الوحيدة التي ألتقطت له في جبهة سوق الغرب، المطلة على بيروت، كانت تلك التي رافق فيها رجلا شجاعا أسمه أمين الجميل ألى أرض المعركة. أجبره أمين الجميل بصفة كونه رئيسا للجمهورية على الذهاب ألى الجبهة. لولا ذلك، لبقي quot;الجنرالquot; بعيدا عن سوق الغرب على غرار ما فعله دائما في مثل هذه الأحوال. من يريد تأكيدات أخرى على quot;شجاعةquot; عون، يستطيع العودة ألى quot;حرب التحريرquot; وألى quot;حرب الألغاءquot; في 1988 و1989 و 1990... وألى طريقة هربه من قصر بعبدا ألى منزل السفير الفرنسي حين أقترب السوريون من القصر تاركا أفراد عائلته من النساء في عهدة ضابط سوري شجاع وعميل سوري معتمد هو الراحل أيلي حبيقة!
لا حاجة ألى تعداد مآثر quot;الجنرالquot; التي عادت بالويلات على اللبنانيين عموما والمسيحيين خصوصا، ولكن ما لا يمكن تجاهله في مثل هذه ألأيام أن الرجل الذي كان أداة سورية حصل على ترقية وصار أداة عند الأدوات السورية. ظهر ذلك بوضوح عندما ظهر في البرنامج التلفزيوني مع الأمين العام لquot;حزب اللهquot; الأيراني للدفاع عن ورقة التفاهم بين الجانبين. لم تكن مشكلة ميشال عون مع نصرالله في ظهوره بالطريقة التي ظهر فيها، أي كتلميذ أمام معلمه. كانت المشكلة في أن quot;العماد عونquot;، كما يحب أن يسمي نفسه، لا يريد أن يتعلم. لا يريد أن يتعلم أنه في حضرة زعيم ديني وسياسي يمتلك أجندة خاصة به لا علاقة لها بلبنان بمقدار ما أنها مرتبطة بأستخدام لبنان في خدمة ما يبتغيه النظام في أيران لا أكثر. هل يستوعب ميشال عون المهجر مع عائلته من حارة حريك، المعقل الجديد لquot;حزب اللهquot; معنى التعاطي مع حزب همه الأول والأخير تغيير الطبيعة اللبنانية للطائفة الشيعية الكريمة من الناحية الأجتماعية وتحويلها ألى طائفة مرتبطة بالتركيبة الأيرانية؟
هل من عاقل لا يعرف أن quot;حزب اللهquot; ليس سوى أمتداد للمحور الأيراني- السوري الطامح ألى أقامة توازنات جديدة في المنطقة على حساب كل ما هو عربي فيها أنطلاقا من الوضع في العراق. كل ما في الأمر أن أيران تعتبر نفسها المنتصر الوحيد من الحرب الأميركية على العراق التي ألغت هذا البلد العربي المهم والأساسي من المعادلة الأقليمية.
من حسن الحظ أن ميشال عون لا يراهن سوى على الحصان الخاسر. في المدى الطويل لا يمكن للمحور الأيراني- السوري تغيير خريطة الشرق الأوسط لمصلحته، حتى لو كان على تفاهم بطريقة أو بأخرى مع أسرائيل. ولكن يبقى السؤال عن الثمن الذي سيدفعه اللبنانيون والمسيحيون خصوصا جراء المغامرة الجديدة لquot;الجنرال البرتقاليquot; الذي يُستخدم هذه المرة في تغطية الأنقلاب على الصيغة اللبنانية بعد ترقيته من أداة ألى أداة لدى الأدوات؟

اية اعادة نشر من دون ذكر المصدر ايلاف تسبب ملاحقه قانونيه