فى 19 يناير 2008 أصدر البرلمان الأوروبى قراراً بخصوص حقوق الإنسان فى مصر وافق على القرار 52 عضواً من جملة 57 عضو كانوا حاضرين الجلسة، وتناول القرار أوضاع حقوق الإنسان فى مصر حيث أن مصر ترتبط مع الإتحاد الأوروبى بإتفاقيات أقتصادية وسياسية تتعلق فى موادها بحق الطرفين فى إبداء ملاحظات على حقوق الإنسان والاوضاع السياسية وإلتزام كلا من الطرفين بمراعاة الإتفاقيات الدولية الخاصة بالحقوق والحريات.
ومنذ إعلان برشلونة عام 1995 مروراً بالاورمتوسطية إلى إتفاقية الشراكة المصرية الأوروبية إلى إتفاقية خطة العمل المصرية الأوروبية إلى اللقاءات الاوروبية المصرية المشتركة عبر اللجان والوفود والملاحظات المتبادلة وإنتهاء بقرار البرلمان الاوروبى هناك عدد من الملاحظات الجديرة بالتسجيل:
أولا: أن مصر تنظر للجانب الحقوقى بإستخفاف شديد وتنظر إليه على أنه ضرورة بروتوكولية عند توقيع الإتفاقيات وفى نيتها عدم الإلتزام بهذا الجانب وإنما هو فقط وسيلة لتمرير الإتفاقيات الأقتصادية وخاصة مايتعلق فيها بجانب المعونة التى حصلت مصر بموجبها على أكثر من مليار يورو من الإتحاد الأوروبى فى السنوات العشر الماضية بإلاضافة إلى رصد 558 مليون يورو للسنوات الاربعة القادمة، علاوة على كون أمريكا والإتحاد الأوروبى أكبر شريكين لمصر فى التجارة الدولية.
ثانياً: أتسم الرد المصرى على الإتحاد الاوروبى بما يمكن وصفه بالردح والتحريض وإبراز نظرية المؤامرة، فبالنسبة للغة التى ردت بها وزارة الخارجية المصرية وفق ماصرح به وزير الخارجية المصرى أحمد أبو الغيط من أن quot;القرار يكشف جهلاً معيبا من تلك المؤسسة بوضع مصر أو كيفية التعامل معها وكذلك بالتطورات والإصلاحات السياسية والإقتصادية التى تشهدها مصر خلال الأعوام السابقة quot;. وأكد أبو الغيط quot;أن مصر لاتحتاج إلى تلقى دروس من أى طرف وبالذات إذا أتصف هذا الطرف بقدر عال من العنجهية المشوبه بالجهلquot;!!. وعلى غرار هذه اللغة أتسمت ردود باقى المسئولين المصريين الذين أدلوا بدلوهم فى الموضوع بما في ذلك ما جاء في خطاب الرئيس مبارك في عيد الشرطة بقوله quot;اقول لمن يتصورون انفسهم اوصياء علي اوضاع حقوق الانسان في العالم اين كنتم حين ضربت الفوضي شعوبا عديدة؟ اين انتم مما بتعرض له الشعب الفلسطيني؟quot;. أما من ناحيه التحريض، فقد جاء ت لغته تحمل تهديداً واضحاً لأوروبا بأننا على إستعداد لفتح ملف الجاليات المسلمة فى أوروبا وتحريضها عليكم، ولمصر خبرة سابقة فى هذا الموضوع، فقد أنطلقت الحملة التخريبية على الرسوم الدنماركية برعاية الدبلوماسية المصرية وتحت إشراف وزارة الخارجية المصرية التى تبنى وزير خارجيتها أحمد أبو الغيط وقتها التصعيد الذى أنتهى بأعمال تخريب واسعة طالت كثيرمن المصالح الغربية فى عدد من الدول، فقد حضرت وقتها خصيصاً سفيرة مصر فى الدنمارك ومعها أحد المشايخ المقيمين هناك وهم الذين فجروا موضوع الرسوم الدنماركية برعاية كاملة من الخارجية المصرية رغم أن هذه الرسوم كان قد مر على نشرها عدة شهور علاوة على نشرها فى العديد من الصحف العربية. وبناء علي هذه الخبرة السابقة أخرجت الخارجية المصرية ورقة التحريض هذه بعد قرار الإتحاد الاوروبى الأخير وأعلن أحمد أبو الغيط quot; أذا كانت هناك كتل حزبية فى البرلمان الأوروبى تعتبر نفسها راعياً دولياً لحقوق الانسان فى العالم، فالأجدر بها أن تركز جهدها على ملاحقة الحكومات فى دولها لمراعاة حقوق الأقليات العرقية والدينية والمهاجرين فى القارة الأوروبية بالشكل الذى يتواءم مع ما تتشدق به فى تعاملاتها مع العالم الخارجى quot; وشن المتحدث بأسم الخارجية حسام زكى هجوما شديداً على quot; التردى الذى تشهده حالة حقوق الأقليات الدينية والعرقية والمهاجرين فى القارة الأوروبية بشكل عام quot;، وأدان المتحدث quot; إنتشار ظاهرة كراهية الأجانب والتمييز ضد المسلمين فى مختلف أنحاء أوروبا quot;. وواصل بأن الخارجية المصرية بصدد دراسة مقترحات للتوجه بها الى البرلمان المصرى للأخذ بها رداًً على القرار الأوروبى لعرض أوضاع المسلمين المتردية فى أوروبا على إتحاد البرلمانات الإسلامية الذى سيعقد قبل نهاية الشهر الحالى.
وعلى نفس المنوال حذرت وزارة الأوقاف المصرية كماجاء فى جريدة روز اليوسف من خطورة إضطهاد الأقليات المسلمة فى بعض البلدان الأوروبية وإزدراء القرأن الكريم مؤخراً. أما من ناحية المؤامرة فقد وصف فتحى سرور المصادر التى أستقى منها الإتحاد الأوروبى معلوماته بأنها quot;مصادر مشبوهةquot;، وقال صفوت الشريف إنها quot; مصادر مطعون فى مصداقيتا ومشكوك فى أهدافها ومقصدها quot;. رغم أن هذه المصادر هى مصادر مصرية ومن منظمات حقوقية معروفة ولها مصداقيتها مثل quot;مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان quot; بل ومن إحتجاجات القضاة المصريين أنفسهم ومن مظاهرات المصريين وإحتجاجاتهم فى الشوارع على التردى فى حقوق الإنسان..... فأين تلك المصادر المشبوهة إذن؟ هل إجتماع وإجماع كل المصريين على تدهور وضع الحريات والحقوق السياسية والأقتصادية فى بلدهم هو أمر مشبوه ومشكوك فى مصداقيته؟!!.
ثالثا: من الملاحظات الجديرة بالإهتمام هو إرتياح الإخوان المسلمين لقرارالبرلمان الأوروبى وتأييدهم له فى مجلس الشعب ورفضهم لاقتراح بقطع العلاقات مع أوروبا والتى هدد بها البعض فى حموة الانفعال. وصرح حسين إبراهيم نائب الكتلة للأخوان quot; أن حقوق الإنسان أصبحت لغة عالمية مع وجود خصوصية لكل دولة quot;، وكتب المتحدث الرسمى بأسم كتلة الأخوان حمدى حسن مقالاً فى جريدة الدستور بتاريخ 20 يناير2008 ذكر فيه quot; إنتهاكات حقوق الإنسان فى مصر فاقت كل الحدود...فلماذا نغضب حين يمارس البرلمان الأوروبى صلاحياته فى الإتفاقية التى وافقت عليها الحكومة المصرية؟! quot; وذكر المتحدث بأسم الأخوان المسلمين الحكومة المصرية بنص المادة الثانية من إتفاقية الشراكة المصرية الاوروبية التى وافق عليها مجلس الشعب فى إبريل 2003 والتى تنص على quot; تقوم العلاقات بين الطرفين وكذلك جميع أحكام هذا الإتفاق على إحترام المبادىء الديموقراطية وحقوق الإنسان كما هى مبينة فى الإعلان العالمى لحقوق الإنسان والذى يرشد سياساتها الداخلية والدولية ويشكل عنصراً أساسياً فى هذا الإتفاق quot;. مصر إذن ملتزمة بالإعلان العالمى لحقوق الإنسان والاتفاقيات المكملة له أمام الاتحاد الاوروبى التى يدخل معها فى شراكة إقتصادية واسعة تشترط أحترام هذة المواثيق من قبل النظام المصرى.
رابعاً: ذكر قرار البرلمان الأوروبى فى دباجيته quot;أن هناك تدهور درامى فى وضع حقوق الإنسان فى مصر quot; وهناك عدة حوادث فى مصر أشارت اليها التقارير الدولية المحايدة فيما يتعلق بحقوق الإنسان لهى أوضح دليل على هذا التدهور فقد رصد تقرير هيومان رايتس ووتش فى تقرير من 98 صفحة بعنوان quot; هويات ممنوعة: إنتهاك الدولة لحرية المعتقد quot; إنتهاكات جسيمة لحرية العقيدة فى مصر وتدخل سافر فى أحد أهم الحريات الأساسية الواردة بالإعلان العالمى لحقوق الإنسان وكما ذكر التقرير نصياً quot; يوثق التقرير الاسلوب الانتقائى الذى تنتهجة الحكومة المصرية فى إستخدام الشريعة من أجل تبرير حرمان بعض المواطنين من حقوقهم التى يكفلها لهم القانون المصرى وقانون حقوق الإنسان بشأن حرية الإعتقاد الدينى دونما تفرقة او عقوبة quot;.
ويعلق جو ستوراك، نائب مدير قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا فى هيومن رايتس ووتش بقوله يبدو أن مسئولى وزارة الداخلية يعتقدون أن من حقهم إختيار ديانة المواطن حين لا تعجبهم الديانة التى يختارها quot; إذا كذبت سنعطيك الوثائق التى تحتاجها لكن إذا قلت الحقيقة بشأن ديانتك فسوف نجعل حياتك تعيسة لأننا سنمنعها عنكquot;.وذكرت سيدة أسمها جلسن صبحى كامل من القاهرة فى التقرير ما يلىquot; سألونى فى أمن الدولة عن سبب رغبتك فى العودة للمسيحية، وقالوا إن كان حظك سيئاً مع زوجك الأول كان يجب عليك أن تجدى رجلاً مسلماً آخر quot; وعرضوا على المساعدة والخدمات حيث قالوا quot; يمكن أن أجد رجلا مسلماً طيباً. وإن كان الأمر يتعلق بالنقود يمكن أن نساعدك فى العثور على عمل إذا كنت تريدين العودة إلى أسرتك بسبب عدم وجود بديل سنساعدك فى العثور على شقة quot; وعندما صممت على أن أبقى مسيحية قال لى quot;حسناً إذن علينا أن نفتح تحقيقاً فى تهمة التزوير quot;
وقالت سيدة أخرى من مصر الجديدة quot; حاولوا فى أمن الدولة إقناعنا نحن الاثنين بأن نكون مسلمين كنا فى غاية الإرهاق، لم نأكل أى شىء منذ أكثر من 24 ساعة وعندما فشلوا فى إقناعنا بأن نكون مسلمين أحالونا إلى التحقيق ومن الساعة الخامسة صباحاً حتى الخامسة مساءً كان يتم استجوابنا فى أمن الدولة قالوا انهم سيوجهون لنا تهماً بالتزوير quot;.
هل هناك تدخل للدولة فى حرية العقيدة أكثر من هذا بل وصل التدهور فى حقوق الإنسان إلى إلقاء المواطن ناصر جرجس أمام زوجته وأولاده فى العمرانية من الدور الرابع ليموت أمام ذهول الجميع،وتعذيب مواطنة هى فاطمة السيد بالصعق والحرق ولم ينقذها من التعذيب سوى إلقاء نفسها من شرفة قسم الشرطة لتتخلص من هذا الإنتهاك الفظيع.
إن إنتهاكات حقوق الإنسان فى مصر لاينفيها تصريح مسئول كل همه فى حياته تجميل وجه نظامه الذى يعمل معه ويستفيد منه...إن الواقع أكثر مرارة بكثير من أى كلمات.
خامسا: جاء قرارالبرلمان الأوروبى بعد عدة أسابيع من تعليق مائة مليون دولار من المعونة الأمريكية لمصر نتيجة لنفس الاسباب، وهنا يجب أبراز الاهمية للمعونة الامريكية بأنها ليست معونة مشروطة فقط بإحترام الحقوق والحفاظ على السلام مع إسرائيل وإنما هى إرشادية للدول الغربية بحجب أو تدفق المعونات على مصر. فمنذ إقرار المعونة الأمريكية لمصر بعد معاهدة السلام المصرية الاسرائيلية تدفقت المعونات والمنح والقروض على مصر من الدول الغربية والمؤسسات الإقتصادية الدولية ومؤسسات الأئتمان الدولى. وأى تاثير على هذه المعونة نتيجة للتقصير المصرى هو بدوره يلقى صداه فى كافة الاتجاهات الأخرى والتى سبق واسترشد ت بالمعونة الأمريكية فى تدفق المعونات على مصر، ولهذا لم يكن مستغرباً ذكر موضوع مسئولية الجانب المصرى عن أنفاق غزة فى قرار الكونجرس وقرار البرلمان الأوروبى، فالغرب عكس مايتصورالبعض هو دائرة مرتبطة بتفاهمات مابعد الحرب العالمية الثانية وبضرورة الحفاظ على الحضارة الغربية ودعم السلام والإستقرار فى الشرق الأوسط.
واخيرا: كل من قرار الكونجرس الأمريكى وقرار الإتحاد الأوروبى يصبان فى إتجاه واحد يقول أن هناك تدهوراً فى حقوق الإنسان داخل مصر، وهناك أزمة فى علاقات مصر مع المجتمعات الغربية نتيجة لتراجع مصر عن دورها المنوط به فى إستقرار عملية السلام.
[email protected]

اية اعادة نشر من دون ذكر المصدر ايلاف تسبب ملاحقه قانونيه