جاءني من خلدون السوري خبر اعتقال رياض سيف والعشرات ليقدموا إلى محاكم ثورية أمام قضاة من رجال المخابرات في ملابس سود مثل دراكولا الليلي بأحكام جاهزة من رجالات الحزب ومفتي الجمهورية وآيات من القرآن ونصوص من مختارات الحزب القائد.
يمتاز النظام الشمولي بثلاث صفات:
ـ أولا: أن كل الأمة منظمة ضمن تنظيمه. وفي مجال مرسوم بالنانومتر. ومحصي بدقة تفوق الانترنيت. وفوهات للتعبير رسمها رجال الحزب ووعاظ السلاطين وفقهاء الأجرة، ضمن ما يرى ويسمع ويشم ويحس ولو كان دبيب نملة أو طنين نحلة. تحت رحمة ديناصورات الأجهزة الأمنية.
ـ (ثانياً): أن كل معارضة وأي معارضة هي خيانة وهرطقة وحرام وعيب وخارج تقليد البلد. وكل الحرية للشعب ولا حرية لأعداء الشعب.
ولكن من هم أعداء الشعب؟؟؟... إنها كلمة ملغومة يمكن أن تتحول ضد كل الشعب في أي لحظة.
وسبب هذا الخوف الهائل عند النظام الشمولي أن المعارضة تعني عمل (العقل) و(الاستقلالية)، وأنها نوع من الدعاية الخفية أن هناك ثغرة في الأوضاع قصر فيها النظام الشمولي، ولذا اعترضت المعارضة وأبدت الرأي. ولكن هذا يمثل خللاً خطيراً بقدسية وإلوهية النظام الشمولي لأنه نظام لا يقترب منه الخطأ، أو يعتريه النقص، أو يمازجه الهرم، أو يصيبه المرض، ولا تأخذه سنة ولا نوم. ومتى مرضت الآلهة أو اعتراها الضعف والنقص أو ارتكبت الخطأ؟
وهذا ينعكس بشكل واضح في رأس النظام الطاغية، والرهط المفسدون من حوله، والنخبة التي تمثل الحلقة الثالثة في تركيبة الديكتاتورية؛ فالزعيم ملهم ومقدس. كلماته وحي. وشعره خالد. وخطبه معلقات. وأقواله مأثورات تعلق في لوحات مضاءة لتثقيف مواطن غبي جاهل.
ولذا ارتفعت صوره في كل ساحة. ووضعت تماثيله في كل ركن. وحفظت أساطيره في الإذاعة والتلفزيون كخزان للطاقة والاستلهام العبقري، من رحم أمة عقيم. فلم تنجب ولن تنجب سواه إلى يوم الدين.
ـ ويمتاز (ثالثاً): أن أي تنظيم يجب أن يعرف فوراً ويسحق من ساعته، لأن النظام يعلم علم اليقين كما قال ذلك أحد مجرميهم في مقابلة لمراسلة من مجلة در شبيجل الألمانية (سوزان كليبله) أنه كان يوقع على إعدام 150 شخصا فقط في دمشق أسبوعيا؟!.
وهم ثوريون يعرفون كيف وصلوا للسلطة وأفضل الحلول هي البتر، وأن خلية سرطانية واحدة كافية لتدمير بدن عظيم مكون من 70 مليون مليون خلية.
ولذا فمن يفكر بأن يقوم بإنشاء تنظيم تحت مظلة نظام شمولي يكون واحداً من ثلاثة: إما مغفل مسكين. أو أفاّك أثيم. أو عميل للسلطة تظاهر بالتقوى، كما فعل القرد الناسك الذي التهم جبنة القطين المتخاصمين.
إن الأنظمة الشمولية سرطان خبيث والسرطان لا يرحم. وهو يعرف المخاضة التي خاضها حتى حظي بالعرش. ومن ينازعه العرش يجب أن ينزع منه الروح. كما كان يقول ماوتسي دونغ عندما كان يصفي بقايا الكومنتانغ إلى درجة القرابة سبعة ولو كان شيوعياً.
إنها مسألة حياة وموت.
ولكن المشكلة في الجدل الإنساني أن الحياة أقوى من الموت؛ فهذه مشكلة لا حل لها عند الطغاة. وغير مكتوبة في القاموس الحزبي؛ لأنها تستمد قوتها من الحي الذي لا يموت.
بل إن الموت موظف في خدمة الحياة.
فالموت يكنس الجبارين، ويخرج من رحم الأرض نسلاً أكثر وعيا واقرب رحما.
وتبارك الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملاً.
والجدل الإنساني ثانيا محير؛ فهو يتمرد على كل القيود، ويجد متعة في المغامرة، ومن يخوض غمار هذه المقحمة هم الشباب بالدرجة الأولى.
فما آمن لموسى إلا (ذرية) من قومه على خوف من فرعون وملئه أن يفتنهم وإن فرعون لعال في الأرض وإنه لمن المسرفين.
والجدل الإنساني ثالثاً يشق طريقه مثل الماء؛ فيتصدع الحجر، وإن من الحجارة لما يتشقق من خشية الله، وما الله بغافل عما تعلمون.
إن النظام الشمولي يخلق بيديه من يقتله، وينهي وجوده من حيث لا يشعر. كما حصل بين موسى وفرعون ليكون لهم عدوا وحزنا..
إن فرعون وهامان وجنودهما كانوا خاطئين..
فالكون مبني بالعدل والحق، ويمضي إلى غاية محددة، ومصير مرسوم.
وقل جاء الحق وما يبدي الباطل وما يعيد.
ولكن من هو الحق ومن هو الباطل؟
ومن هنا يتمرد الشباب ويهديهم فكرهم إلى تشكيل نشاطات لا يستطيع النظام الشمولي أن يدمرها.
ولكن كيف؟

أية اعادة نشر من دون ذكر المصدر ايلاف تسبب ملاحقه قانونيه