أعلنت كوسوفو نفسها دولة حرة مستقلة عن صربيا ورحبت الولايات المتحدة الأمريكية بهذا الإعلان وعارضت بشدة كل من صربيا وروسيا وصمت الاتحاد الأوروبي عن التعليق في حين عارضت الخارجية الاسبانية الفكرة واعتبرته أمرا مقلقا.
بينما لم نسمع صوتا للجامعة العربية حول هذا الاستقلال على الرغم من أن ذلك الإقليم يتكون من سكان مسلمين ويحسب تاريخيا على المجال الحضاري العربي الإسلامي لكونه كان تابعا للإمبراطورية العثمانية ولوجود علاقات تاريخية مع بعض العائلات العربية والتركية.
الاستقلال هندسه بطريقة سلمية الزعيم التاريخي الراحل إبراهيم روغوبا والذي لم يعش لير بأم عينيه وطنه يصبحا حرا من كل الهيمنات الأجنبية ونفذه هاشم تاتجي من قبة البرلمان بعد انخرط في تجربة محدودة من الصراع المسلح مع المليشيات الصربية أثناء موجة يقظة القوميات في أوروبا الشرقية والتي أفرزت بروز دول وكيانات جديدة لم تكن موجودة قبل سقوط المعسكر الاشتراكي وجدار برلين.
ان السؤال الذي يطرح في هذا السياق هو السبب الذي جعل أمريكا متحمسة لهذه القضية ومناصرة لاستقلال كوسوفو وهي المعروفة بمعاداتها لقضايا العرب والمسلمين وخاصة عزوه للعراق وأفغانستان والصومال واثاراتها للفتن في السودان ومحاباتها لإسرائيل على حساب الفلسطينيين وللأنظمة الشمولية على حساب الشعوب وللأحزاب الموالية للأنظمة على حساب الأحزاب المعارضة بطريقة جذرية للعولمة كما هو الشأن في لبنان ومصر وبعض بلدان الخليج.
ربما يكون سبب سخاء الديبلوماسية الأمريكية هو مواصلة الحرب التي كانت قد بدأتها في التسعينات لتأديب صربيا ذات الطموحات القومية أيام الرئيس مثير للجدل ميلوزيفتش ولتقليص الحضور الروسي في العمق الأوربي وعلى مشارف البحر الأبيض المتوسط ولتلميع صورتها في العلم الإسلامي. لكن الصرب بدءوا يحتجون ويهددون بتفجير الأوضاع لو وافقت الأمم المتحدة على هذا الاستقلال واعترفت بدولة كوسوفو المسلمة الفتية وما الاعتداء على السفارة الأمريكية في بلغراد وتهديد الصرب المنتمين الى دولة البوسنة والهرسك بالاستقلال سوى أحد فصول هذا الاحتجاج.
الجامعة العربية ليست لها أي تكتيك ولا استراتيجيا ترسم من خلالها علاقاتها بالعالم الخارجي وليس لها سلم أولويات تميز من خلالها بين البعيد والقريب والمجاور والمعني بشكل غير مباشر والمعني بشكل مباشر لأنها عجزت على حلحلة مشاكل الداخل فكيف لها أن تنتقل الى الاهتمام بمستجدات الخارج وتدلي بلوها فيه وتصدر مواقف من شأنها أن تعزز الأمن الحضاري العربي.
ان ما حدث في دمشق من اغتيال للمسؤول الأمني الكبير لحزب الله اللبناني عماد مغنية وغموض حول الجهة التي نفذت هذا الاغتيال وتورط بعض الأطراف العربية في ذلك قد يفسد مؤتمر القمة العربية المقبلة التي من المفترض أن يعقد في سوريا وقد يشوش على حلف الممانعين وينتج أزمة ثقة بين ايران وسوريا ويقوي نفوذ حلف المعدلين من العرب ويعسر امكانية الوصول الى توافق في لبنان.
العرب لم يصدروا موقف واضح من استقلال كوسوفو وينتظرون القرارات الدولية التي قد تصدر عن المنتظم الأممي وهم من أكثر الدول في العلم التي تلتزم بالقرارات الدولية رغم أن القرارات التي يصدرها هذا المنتظم بشأنهم بغية إنصافهم لا تطبق ورغم أنهم يخضعون في سياساتهم لإرادة القرار الأمريكي ويقيمون علاقات شراكة وصداقة مع إدارة البنتاغون.
نحن نعلم أن هذه الإدارة كانت سباقة ومرحبة باستقلال كوسوفو فلماذا لم يقتدي العرب بالأمريكيين ويعترفون دون مواربة بسيادة السكان المسلمين على أرضهم وحقهم في تقرير مصيرهم؟
فكيف نفسر ترحيب منظمة المؤتمر الإسلامي بهذا الاستقلال وعزوف الجامعة العربية عن ذلك؟ فهل يعني ذلك الدول الإسلامية غير العربية مثل تركيا وإيران وأندنوسيا والسنغال ونيجيريا وماليزيا وباكستان هي قد أصبحت قادرة على المناورة السياسية والضغط أكثر من الدول العربية؟
ربما يفهم صمت الجامعة العربية أنه لكي تتفادى إزعاج دولة صربيا التي ورثت تركة من العلاقات المميزة مع العرب من الاتحاد اليوغسلافي منذ أيام جوزيف تيتو مؤسس كتلة عدم الانحياز ولكي لا تحرج روسيا التي تربطها بها علاقات ممتازة ومصالح مشتركة وتدعمها بشكل جدي في التحديات التي يفرضها عليها الغرب ولكن السبب الأكثر ترجيح هو حالة التخبط التي تعيشها الدبلوماسية العربية وفقدان البوصلة والعجز عن مواكبة حركة التاريخ وغياب الرؤية الاستشرافية والتنسيق العربي العربي وتعذر ايجاد القرار الموحد.
من حق إقليم كوسوفو أن يصبح دولة وأن يستقل مثله مثل جمهورية الجبل الأسود وكرواتيا والبوسنة والهرسك ومن واجب العرب أن يدعموا هذا الاستقلال لأن ذلك يصب لا محالة في مصلحتهم الإستراتيجية ويزيد من موقعهم وقيمتهم في لعبة موازين القوى العالمية ولا ينبغي أن ينتظروا قرارات مؤيدة من المنتظم الأممي حتى يؤيدوا بل يجب أن يبادروا ويمثلوا وسيلة ضغط من أجل إصدار هذا القرار حتى ترجع الحقوق الى أصحابها ويساهمون في نشر ثقافة السلم والتعايش في المعمورة.
كما نأمل ألا يؤدي هذا الإعلان الى إشعال فتيل الحرب في منطقة البلقان التي عرفت بكونها المجال الجيوسياسي الذي عادة ما تتفجر فيه حروب الأديان وصدام الحضارات والحروب العالمية،فمتى يفهم العرب الدرس ويشرعون في تنفيذ خطة إعادة الأرضنة كما يري الفيلسوف جيل دولوز والتحليق عاليا من أجل تحقيق الأرضنة والاستثبات؟ ألا يمكن أن تكون المساهمة في حل مشاكل الخارج هي خير وسيلة لحل مشاكل الداخل؟
* كاتب فلسفي
أية اعادة نشر من دون ذكر المصدر ايلاف تسبب ملاحقه قانونيه