تتصاعد الدعوات من هنا وهناك بالدعوة إلى الوحدة الإسلامية، أي التقريب بين المذاهب الاسلامية وفي المقدمة بين المذهب السني والمذهب الجعفري باعتبارهما قطبي الرحى في تشكيلة الا مة المسلمة، وهناك إتفاق واضح إن التقريب لا يعني التذويب ولا يعني ا لسجال حول أحقية هذا المذهب أو ذاك، بل الجمع بين الجهود الخيرة لكلا الطرفين من أجل تعميق الايمان باوليات هذا الدين، والدفاع عن مقدساته الجوهرية، والذب عن حرم الوطن الإسلامي الكبير، ومواجهة مشاكل التخلف الفكري والاقتصادي والسياسي والتربوي الذي راح ينخر بجسد هذه الامة بلا رحمة وبلا هوادة، وتأجيل المختلف عليه والالتقاء على المتفق عليه، والوقوف بحزم بوجه المحاولات الشريرة الهادفة إلى تمييع الضمير المسلم والشرف المسلم، وغيرها من المهمات التي تلامس مصير الاسلام والمسلمين في آن واحد.
هذه الوحدة أو هذا التقارب أو التفاهم ينبغي أن تضطلع به الطائفة السنية قبل الشيعية، لأسباب موضوعية تكاد أن تكون قريبة من الحس، منها، ليس لإعتبارات تتصل بهذا المذهب صح وذاك خطا، بل لان الثقل البشري المسلم سني، ولان السنة هم أهل الحكم في العالم الاسلامي، وفيما الجعفرية يقرون بالمذاهب جميعها، نرى أن السنة بعض السنة يكفرون الشيعة ويخرجوهم من الملّة.
أتحدث هنا بشكل عام، غير ملتفت إلى وجود تكفيريين هنا وتكفيريين هناك، واضعا في الاعتبار إن كل من شهد أن لا إله إلاّ الله وإن محمدا رسول الله هو مسلم، له ما للمسلمين وعليه ما عليهم، وهو ما أجمعت عليه الامة بلا فاصل.
ان الثقل البشري والتاريخي والسياسي على صعيد التاريخ الاسلامي والجغرافية الاسلامية يكاد أن يكون (سنيا)، وهذا يجعل مسؤولية السنة كبيرة في تحقيق هذه المطلب الذي أصبح في صلب الحاجات الملحة بالنسبة لجميع المسلمين.
الشيعة تعرضوا لاضطها د تاريخي متصل، وهم متهمون بانتمائهم للاسلام من قبل بعض السنة للاسف الشديد، كما أنهم متهمون بالتقية والسرية والعنوصية، وعليه، يكون إضطلاع الشيعة بهذه المهمة تتخللها عثرات أو صعوبات، قد لا تتوفر فيما تولى السنة المهمة الكبيرة.
هناك ممكنات ينبغي أن يضعها السنة في الاعتبار فيما إذا أضطلعوا بهذه الرسالة الرائعة، هي أن التشيع فرق كما أ ن السنة وغير السنة فرق، وليس من شك أن وجود شيعة باسم أو عنوان (الشيعة التفضيلية) يمكن أن يكون مدخلا واسعا للسنة فيما تحركوا على هذا الطريق اللاحب، وهم شيعة يرجحون عليا على غيره، ولكن لا تبرأون من سيرة الشيخين، والشيعة اليوم تصرح بكل وضوح أنهم لا يكفرون صحابيا، ولكن ربما بنتقدون بعض الممارسات، وهذا لا يخل بقدسية الصحابة ولا بشرفهم، ولا بمزلتهم، بل هو منهج قد نراه حتى عند بعض السنة في التعامل مع التاريخ.
إن السنة إذا تجرأوا فعلا على حمل هذه الرسالة ينبغي ان ينطلقوا من ثقة كاملة بأن في الجعفرية ملاييين على نهج التوحد الاسلامي، وإن التجربة أثبتت انهم فرسان مضحين على طريق المصير الاسلامي الحرج، ولعل ما يقوم به حزب الله، وما تقدمه إيران (أحيانا) للقضية الاسلامية دليل صارخ على ذلك، بل حتى بعض الجعفرية في العراق حيث تحولوا إلى رأس رمح في مواجهة الأمريكان والانكليز.
إن قضية التقارب بين الفرق الاسلامية أ و المذاهب الاسلامية يحتاج إلى آلية قوية، تتمتع بوجود تاريخي متمكن، وكثافة بشرية تسندها، وهذا متوفر لدى الاخوة السنة أكثر مما هو متوفر لدى الجعفرية.
لقد طرح الجعفرية مشروع التقريب بين المذاهب الاسلامية قبل عقود من السنين، ومن المعلوم أن الراحل جمال عبد الناصر قدم دعمه للمشرو ع، وقد أثمر الى حد ما، ولكن في تصوري لانه بتصميم وتوجيه أو لانه بإجتراح جعفري لاقى ضعفا وتلكؤا وشحبة في التجاوب.
إن كتب السنة الرجالية كثيرا ما تصف ا حد الرواة بأنه (شيعي) وتزكيه وتأخذ براويته، فيما تعرج على بعض الرواة بالقول (شيعي رافضي)، أو (شيعي محترق)، ومن هنا كان جميلا جدا أن نقرا في الايام الاخيرة أو نسمع من بعض علماء السنة الكرام، أنهم لا يعارضون التشيع ولكنهم يعارضون الرفض، حيث هناك شيعة يسميهم بعض العلماء بـ (الشيعة التفضيلية)، وهم الشيعة الذين يرجحون عليا على غيره ولكن من دون التبري من أعمال الشيخين الجليلين عمر وابي بكر، حيث ذكر ذلك شيخ الشريعة الاصفهاني في رسالته لاحد علماء السنة الكبار في الهند.
إن الاصرار على أن الشيعة أهل تقية ومكر وغنوص وسريانية وجوانية مظلمة يعكر كل مشروع وحدوي أو مشروع تضامني أو مشروع تفاهمي بين الطرقين، وبالتالي، فإن السنة وهم يزمعون على مثل هذا المشروع الإنساني الكريم ينبغي أن يطرحوا هذه الاوهام جانبا، وينطلقون بثقة تجاه الاخوة الشيعة، وذلك بمقدار ما يجب على الشيعة أ ن يتعاملوا بمثل هذا المنهجية مع الاخوة السنة.
إن التلاحم الذي نرا ه بين بعض السنة وبعض الشيعة في العراق وفي لبنان وفي الكويت لدرا الفتنة، والوقوف معا ضد محاولات الاعداء لنشر الفرقة، وتسميم الجو الوطني في البلدان الاسلامية يمكن أن يكون نقطة إنطلاق حية في هذا المجال.
لقد كانت هناك أشبه بالوحدة الاسلامية بين الشيعة والسنة في بداية النكبة الفلسطلينية، ويتذكر علماء مصر والاردن موقف علماء الجعفرية في ايران والعراق، والى حد هذه اللحظة يتحدث بعض علماء الاردن بمواقف نواب صفوي الرائعة في مجال تحشيد الكتل المسلمة ضد الاحتلال الصهويني لفلسطين، وبالتالي، لم يعدم تاريخ فرص ذهبية تبرهن على أ ن أصل مشروع التقارب ليس مستحيلا.
إن المسلمين السنة فيما إذا طرحوا مشروعا من هذا النوع، وتحركت أجندتهم عليه، سوف يخلقون تاريخا جديدا، ويستحقون فعلا قيادة العالم الاسلامي كله، ويدشنون زمنا سنيا متالقا، ولا أشك أنهم سوف ينجحون، لانهم كما قلت ضمير الأكثرية المسلمة في العالم، ولانهم أصحاب كلمة قوية في الشارع السني، وربما يكون ذلك حافزا للحكومات الاسلامية لدعم المحاولة أصلا.
الوضع الذي يمر به المسلمون حرج للغاية، وقد تحولت الطائفية للاسف الشديد أحدى وحدات التحليل السياسي بدل لدولة أو بموازاة الدولة، ولابد من مشروع تجمعي، توحدي، تقاربي إذا صح التعبير، والسنة هم لها اكثر من الشيعة، والاسباب التي ذكرت أعتقدها كافية في تعليل تصوري هذا، والله من وراء القصد.