المحكمة الدستورية العليا تؤيد منع النقاب فى أماكن العمل، وتؤكد على أن إرتداءه خارج البيت ليس حرية شخصية.
v وزير الصحة يخشى منع الممرضات الملثمات برغم الحكم ويفضل المستشفيات الطالبانية.
v لابد أن نجيب على هذا السؤال هل نحن دولة مدنية أم دينية؟.
v هل من المعقول أن ندقق فى هوية السيارات ولانعرف هوية السيدات.
v النقاب يلغى الرقابة الإجتماعية ويهدر القصاص وينفى التواصل.
v النقاب ليس فريضة شرعية وإلغاؤه فريضة أمنية.
v الغزالى يتساءل إذا كان النقاب فريضة فعن ماذا يغض المؤمنون أبصارهم، أيغضونها عن القفا؟!
[ هل نحن فى دولة مدنية أم فى دولة دينية على النمط الطالبانى الوهابى؟، هل ذهبت جهود لطفى السيد وطه حسين ومحمد عبده وقاسم أمين وسعد زغلول والنحاس وغيرهم من مفكرى وزعماء الأمة فى تأسيس الدولة المدنية سدى؟، دائماً مايتبادر إلى ذهنى هذا السؤال كلما أطلت مشكلة ما برأسها وخاف المسئولون من الإقتراب منها بعداً عن وجع الدماغ والصداع الذى سيثيره بعض المتأسلمين، ومن ضمن هذه المشاكل التى يرتعب المسئولون عند مناقشتها مشكلة إرتداء النقاب فى أماكن العمل والدراسة والتى أثير حولها النقاش وإحتدم أخيراً فى قضية نقاب الممرضات وطالبة الجامعة الأمريكية التى نالت حكماً إدارياً ضد الجامعة التى منعتها من دخول المكتبة، وظهرت تصريحات وزير الصحة الأخيرة متراخية مرتعشة متراجعة عن قراره السابق بتحديد زى الممرضات، طالبة للسلامة وراحة الدماغ ولتذهب البديهيات الطبية إلى الجحيم، ولتتحول المستشفيات إلى بيوت أشباح، تحت دعوى أن النقاب هو الأخلاق وهو الدين، وأن دستورنا ينص على أن مبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسى للتشريع والنقاب مبدأ من مبادئ الإسلام، والسؤال الذى يجب طرحه، هل النقاب مبدأ وفريضة إسلامية حقاً؟.
[ لن أطيل فى الإجابة على هذا السؤال الذى يعرف الجميع إجابته، ويكفى قراءة عشرات الأدلة التى ساقها الشيخ الغزالى فى كتابه عن السنة النبوية بين أهل الفقه وأهل الحديث ومنها:
1- إذا كانت الوجوه مغطاة فمم يغض المؤمنون أبصارهم؟، أيغضونها عن القفا والظهر، فالغض يكون عن الوجوه بداهة.
2- والحديث القائلquot; إذا رأى أحدكم إمرأة فأعجبته فليأت أهله 000quot;الى آخر الحديث فهنا فيه رؤية، وحكى القاضى عياض عن علماء عصره -كما روى الشوكانى -أن المرأة لايلزمها ستر وجهها وهى تسير فى الطريق.
3- وأيضاً الأمر بكشف الوجه عند الحج أو فى الصلاة، والتى يعتمد عليها مؤيدو النقاب فى أنه يجب ستر الوجه فيما عدا ذلك، ويرد الغزالى بسؤال مفحم وهو هل إذا أمر الله الحجاج بتعرية رؤوسهم فى الإحرام كان ذلك يفيد أن الرؤوس تغطى وجوباً فى غير الإحرام؟!!!!بالطبع لا.
4- فى أحد خطب الأعياد التى أمر فيها النبى النساء بالتصدق تم ذكر أن إمرأة سفعاء الخدين سألته -الخد الأسفع هو الجامع بين الحمرة والسمرة -فمن أين عرفت أنها سفعاء الخدين إذا كانت منقبة؟!.
5- وعن سهل بن سعد رضى الله عنه أن إمرأة جاءت إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم -فقالت:يارسول الله جئت لأهب لك نفسى، فنظر إليها رسول الله فصعد النظر إليها وصوبه 0000إلى آخر الحديثquot;، والسؤال فيم صعد النبى النظر وصوبه إن كانت المرأة منقبة.
6- جاءت إمرأة إلى النبى -صلعم-يقال لها أم خلاد وهى متنقبة تسأل عن إبنها الذى قتل فى إحدى الغزوات فقال لها بعض أصحاب النبى:جئت تسألين عن إبنك وأنت متنقبة؟، ويدل إستغرابهم على أنها كانت عادة وليست عبادة.
وليس العلماء المعاصرون فقط هم الذين أدانوا النقاب وأثبتوا أنه ليس من صحيح الدين ولكن معظم الفقهاء القدامى إتفقوا معهم فى ذلك الرأى مثل القرطبى وهو مالكى والخازن وهو شافعى وبن كثير وهو سلفى وحتى إبن قدامه وهو حنبلى، كل هؤلاء لم يقروا بفرض النقاب، دعنا نقول على الأقل فيه إختلاف علي النقاب، إذن هذا الإختلاف يشجعنا على أن ننقل مناقشة مسألة النقاب من الجانب الدينى إلى الجانب المدنى دون أن يتهمنا أحد بالكفر، والمناقشة على أرضية الدولة المدنية تجعلنا نتساءل: لماذا لم نمنع النقاب فى أماكن العمل مثل دولة خليجية لها أصول قبلية وبدوية مثل أبو ظبى التى منعته تماماً فى أماكن العمل برغم أن النقاب عندهم كان عرفاً إجتماعياً قديماً؟، لماذا نصر وندقق فى معرفة هوية السيارات فى المرور ومنع تركيب الزجاج الفيميه ونرفض أن يعرف المجتمع هوية السيدات؟!!، هل السيارات أهم من السيدات؟، هل كل هذه الجرائم التى نقرأ عنها يومياً فى الجرائد والتى تختبئ خلف النقاب لم تحرك ساكناً عند أى مسئول ليصدر قراراً بتنظيم العمل ومنع إختباء السيدات خلف اللثام الأسود فى الشركات والمؤسسات والوزارات....الخ؟، وإذا رفعتم شعار حق المرأة وحريتها الشخصية فى تغطية وجهها فأين حق الآخرين فى معرفة من معهم فى الأسانسير والمكتب والطرقة؟، وإذا كان النقاب مختلف عليه كفريضة شرعية فأعتقد أنه ليس مختلفاً على أن منعه فريضة أمنية !، وإلا فليسأل كل منا نفسه لماذا تدخل العصابات ملثمة لسرقة البنوك، أليس اللثام وإخفاء الوجه أكبر مضلل للعدالة؟، وإذا قلتم أن النقاب حق أليس القصاص حق أعلى، والكل يعرف جيداً أنه لو طعنت منقبة أو رجل متخفى تحت النقاب إنساناً فى الشارع وإختفى لن يتعرف عليه أى مواطن لأنه ببساطة ليست له هوية محددة أستطيع أن أصفها للبوليس، هل سأقول لضابط الشرطة أنا شفت حاجه لابسه إسود فى إسود مافيش فيها أى علامة مميزه!، وبذلك ضاع حق القصاص من هذه الملثمة أو هذا المبرقع !، وإذا قال لى مدافع عن النقاب أنه يحافظ على الأخلاق سأقول له آسف جداً فهو على العكس من الممكن أن يكون ستاراً لأعمال منافية للآداب مثل الحادثة الشهيرة بين زوجة الصيدلى فى الغربية وصديقتها الرجل المنقب الذى ظل سنيناً طويلة يزور غرفة نومها تحت سمع وبصر الزوج الذى لم يستطع أن يطالب العشيق بكشف وجهه، لأنه منقبة وعيب وحرام كشف الوجه، وهل عندما أرى بنت جارى وهى فى وضع أخلاقى معيب فى حديقة أو على الكورنيش مكشوفة الوجه أليس هذا محرضاً لى على إبلاغ جارى لتأديبها مثلاً حتى لاتكرر هذه الفعلة؟، وأليس هذا أفضل من أن أكون جالساً فى نفس الحديقة وبجانبى نفس البنت وهى منقبة وكأنها متنكرة، ألا يمنحها هذا إطمئناناً وأماناً ويبعدها عن أى رقابة إجتماعية؟، من الأكثر أخلاقاً إذن ياسادة، الذى ينادى برقابة إجتماعية مكشوفة الهوية أم الذى ينادى بمجتمع سرى ملثم مكبوت الطوية !!.
[ المدهش فى هذه القضية التى يرتعش البعض عند مناقشتها، أن هؤلاء المسئولين المرتعشين لديهم فى القانون مايساندهم وهو حكم المحكمة الدستورية العليا بحق هذا المسئول ولى الأمر بأن يمنع إرتداء النقاب فى أماكن العمل مراعاة للظروف الأمنية أو المهنية التى يراها مناسبة، فالمرأة حرة فى بيتها تلبس نقاباً أو غراباً براحتها، لكن عندما تخرج إلى العمل فلابد أن تلتزم بمقتضيات هذا العمل، فلاينفع أن تتحول مستشفى تنتظر ملائكة الرحمة إلى وكر للغربان ويتحول المريض إلى فريسة ترتعد ولاتعرف من يعطيه الحقنة أو يركب له المحلول، ويتساءل كيف نميز ممرضاتنا المنقبات؟، هل نمنحهن أرقاماً مثل السيارات تكتب على ظهورهن؟!، كوميديا سوداء لم ينقذنى منها إلا إعتزازى وإحترامى لذكرى المستشار الجرئ المستنير عوض المر وحكمه الواضح الذى لالبس فيه والذى أتعجب من عدم تنفيذه والإعتداد به من بعض المحاكم التى خرجت عنه ورفضت منح ولى الأمر المسئول حرية منع النقاب فى مكان سلطته، وهذا يفتح باب مناقشة أخرى كبيرة ليس هنا مجالها وهى هل من المباح أن يغلب القاضى رأيه الشخصى وقناعته الإجتماعية على نصوص القانون وحكم محكمة دستورية عليا؟، توجهت بسؤالى عن مدى حجية حكم المحكمة الدستورية إلى المستشارة تهانى الجبالى نائب رئيس المحكمة الدستورية العليا فأجابت:
v حكم المحكمة الدستورية العليا له حجية مطلقة فى مواجهة الكافة وبالنسبة للدولة بسلطاتها المختلفة (تشريعية وتنفيذية وقضائية) بإعتباره القول الفصل فى المسألة المقضى فيها، وهى حجية تحول بذاتها دون المجادلة فيه أو إعادة طرحه عليها من جديد لمراجعته.
v معنى الحجية المطلقة تقتضى إلزام القضاء العادى وقضاء مجلس الدولة بعدم إصدار أحكام تخالف مقتضيات هذا الحكم بدعوى أن النقاب حرية شخصية.
v أسباب الحكم وحيثياته مكلة للمنطوق وتحوز ذات الحجية.
v جوهر الحكم (برفض الدعوى) هو حسم أحقية القيادات التنفيذية أو العامة فى فرض زى معين وعدم الإعتداد بكون النقاب حق شخصى.
[ قراءة الحكم وحيثياته مدرسة فى حق الإجتهاد وحرية التفكير وإستنارة العقل، وكنت كلما قرأت عبارة فى هذا الحكم تساءلت كيف دخلت مصر هذا النفق المعتم الظلامى ولديها مثل هذه العقول المستنيرة؟، وأدعو كل مثقف وقاضى ومهموم بهذا الوطن أن يقرأ حيثيات ومنطوق هذا الحكم الذى صدر فى 18 مايو 1996 والذى رفض دعوى ولى أمر طالبة منتقبة بمدرسة إيزيس الثانوية بالأسكندرية ضد وزير التربية والتعليم وقتها د.حسين كامل بهاء الدين، والتى كانت قد منعت من دخول المدرسة تنفيذاً لقرار وزير التعليم رقم 113 لسنة 1994 الخاص بزى الطلبة والطالبات فى المدارس والذى يحظر النقاب، وحيثيات الرفض بها عبارات وجمل لابد من تدارسها والتأمل فيها لأهميتها فى حسم اللغط والجدل الدائر حول تفسيرات البعض للمادة الثانية من الدستور الخاصة بمبادئ الشريعة الإسلامية كمصدر تشريع، وإقحام الأعراف الإجتماعية والأزياء والطعام وكل ماهو خلافى يخضع للتطور، ومحاولة تحنيطه ونسج فزاعة قانونية لكل من تسول له نفسه بمناقشة أمر فقهى مختلف عليه ليس ثبوتى القطعية والدلالة، ونقتبس هنا بعض العبارات من حكم الدستورية العليا برئاسة السيد المستشار عوض المر وعضوية السادة المستشارين: محمد ولى الدين جلال ونهاد عبد الحميد خلاف وفاروق غنيم وعبد الرحمن نصير وعبد المجيد فياض ومحمد على سيف الدين:
bull; شريعة الله لاتمنح أقوال أحد من الفقهاء فى شان من شئونها قدسية تحول دون مراجعتها وإعادة النظر فيها بل وإبدالها بغيرها، فالآراء الإجتهادية فى المسائل المختلف عليها ليس لها فى ذاتها قوة متعدية لغير القائلين بها، ولايجوز بالتالى إعتبارها شرعاً ثابتاً متقرراً لايجوز أن ينقض، وإلا كان ذلك نهياً عن التأمل والتبصر فى دين الله تعالى، وإنكاراً لحقيقة أن الخطأ محتمل فى كل إجتهاد بل إن من الصحابة من تردد فى الفتيا تهيباً، ومن ثم صح القول بأن إجتهاد أحد من الفقهاء ليس بأحق الإتباع من إجتهاد غيره، وربما كان أضعف الآراء سنداً أكثرها ملاءمة للأوضاع المتغيرة ولو كان مخالفاً لآراء إستقر عليها العمل زمناً.
bull; ليس متصوراً أن تموج الحياة بكل مظاهرها من حولها، وأن يطلب منها على وجه الإقتضاء أن تكون شبحاً مكسواً بالسواد أو بغيره بل يتعين أن يكون لباسها شرعاً قرين تقواها، وبما لايعطل حركتها فى الحياة.
bull; لادليل من النصوص القرآنية ولا من سنتنا الحميدة على أن لباس المرأة يتعين شرعاً أن يكون إحتجاباً كاملاً، متخذاً نقاباً محيطاً بها منسدلاً عليها لايظهر منها إلا عينيها ومحجريهما، فإن إلزامها إخفاء وجهها وكفيها وقدميها عند البعض لايكون تأويلاً مقبولاً، ولا معلوماً من الدين بالضرورة.
bull; كشفها لوجهها أعون على إتصالها بأخلاط من الناس يعرفونها ويفرضون نوعاً من الرقابة على سلوكها، وهو كذلك أكفل لحيائها وغضها من بصرها وأصون لنفسيتها وأدعى لرفع الحرج عنها.
bull; لايناقض القرار المطعون فيه (قرار منع إرتداء النقاب فى المدارس) نص المادة الثانية من الدستور، ذلك أن لولى ألأمر فى المسائل الخلافية حق الإجتهاد بماييسر على الناس شئونهم، ويعكس مايكون صحيحاً من عاداتهم وأعرافهم، وبما لايعطل المقاصد الكلية لشريعتهم التى لاينافيها أن ينظم ولى الأمر فى دائرة بذاتها لباس الفتاة.
bull; القرار المطعون فيه لاينال من حرية العقيدة ولايقوض أسسها أو يعطل شعائر ممارستها ولايناهض جوهر الدين فى الأصول الكلية التى يقوم عليها، بل يعتبر إجتهاداً مقبولاً شرعياً لايتوخى غير تنظيم رداء للفتاة...يدخل فى دائرة تنظيم المباح ولايعد إفتئاتاً على حرية العقيدة..
bull; القول بأن القرار المطعون فيه يخل بالحرية الشخصية مردود عليه بأنه حتى ولو جاز القول بأن مظهر الشخص من خلال الأزياء التى يرتديها يبلور إرادة الإختيار التى تمثل نطاقاً للحرية الفردية يرعى مقوماتها ويكفل جوهر خصائصها، إلا إن إرادة الإختيار هذه ينبغى قصر عملها على مايكون لصيقاً بالشخصية، مرتبطاً بذاتية الإنسان فى دائرة تبرز معها ملامح حياته وقراراته الشخصية فى أدق توجهاتها، وأنبل مقاصدها، كالحق فى إختيار الزوج وتكوين الأسرة، وأن يتخذ الشخص ولداً، ولايجوز بالتالى بسطها إلى تنظيم محدد ينحصر فى دائرة بذاتها، يكون الصالح العام ماثلاً فيها ضبطاً لشئون هؤلاء الذين يقعون فى محيطها، ويندرج تحتهم طلبة المراحل الإبتدائية والإعدادية والثانوية وطالباتها، وهو مايعنى أن الحرية الشخصية لاينافيها أن يفرض المشرع فى دائرة بذاتها قيوداً على الأزياء التى يرتديها بعض الأشخاص فى موقعهم من هذه الدائرة لتكون لها ذاتيتها، فلا تختلط أرديتهم بغيرها، بل ينسلخون فى مظهرهم عمن سواهم ليكون زيهم موحداً متجانساً ولائقاً، دالاً عليهم ومعرفاً بهم، وميسراً صوراً من التعامل معهم..
[ حكم واضح وحيثيات غاية فى المنطق وحجج مفحمة من أعلى هيئة قضائية مصرية، وبعد كل هذا نجد وزير الصحة مازالت يده مرتعشة من قرار منع نقاب الممرضات !، والسؤال الذى أود طرحه على الوزير هل مستشفياتنا مصرية أم أفغانية؟، هل نحن نعمل ونعيش فى بلد له قوانينه المدنية أم له قوانينه الطالبانية؟، أسئلة إجاباتها ستحدد علامات وملامح المستقبل، أشك أن يكون هناك أساساً مستقبل إذا سيطر هذا التيار الظلامى على تفكيرنا..