يا إلهي الكبير
يا إلهي السميع البصير
حين تخلع في غرفة النوم أثوابها
أتراك ستغمض عينيك..
أم تستدير؟.
هذه ليست أسطورة، إنما حقيقة وقعت ما بين الثمانينيات والتسعينيات في كلية الآداب بجامعة بغداد. وهي لمحة بسيطة من السيرة الجنسية لابن الرئيس؛ السيرة الصاخبة بالتهتك والرعب والطيش والاعتداء على الناس، التي تحتاج إلى تدوين حقيقي لتكون شاهداً على إجرام هذه الأسرة التي حكمت العراق. والنص الشعري الذي افتتحتُ به هو جزء من قصيدة عن تلك الفتاة الكردية الجميلة (ب.ع.ك) للشاعر حسن عبد راضي كتبه في 1987 متغزلاً بجمالها.
كانت تلك الفتاة أسطورة في جمالها، طول ممتلئ ومتناسق، شعر طويل ينزل من على أكتافها بانسيابية ولمعان باهر يخلب الأنظار، وأناقة بنت نعمة تتبدى لك في تلك التشكيلة من الملابس الراقية التي ترتديها، مفضلة الأسود في أغلب الأحيان. كانت ترفل بالأكسسوارت الثمينة، ممتلئة بالبهجة والحيوية والشباب، تحيط بها كوكبة من شلّة الجمال والنعمة، وهي تقود الكوكبة كأنها الملكة، تُحْدِثُ جَلَبةً في كل ممرات كلية الآداب وأروقتها إبّانَ تلك المرحلة التي كانت تكسو البلاد بالسواد القاتم من أقصى شماله إلى أقصى جنوبه، خلال الحرب مع إيران ومن ثم غزو الكويت وعاصفة الصحراء والحصار المشؤوم.
في ذلك الوقت، كانت نجومية عدي صدام تزداد لمعاناً يوم بعد، افتتحه بقتل أحد حاشية أبيه: كامل حنا ججو نجل الطباخ الخاص لصدام، ووقعت الحادثة كما هو معروف في أثناء إقامة حفلة على شرف سيدة مصر الأولى سوزان مبارك، أقامتها سيدة العراق الأولى آنذاك ساجدة خير الله. وارتكب عدي جرمه المشهود انتقاماً لسمعة أمه بعد أن تزوج صدام (سميرة الشاهبندر) بوساطة طباخه الخاص. أغضب الحادث صدام حسين كثيراً، مما جعله يلقي بنجله البكر في السجن لأيام معدودات، وبعد أن استمع إلى قصيدة من عبد الرزاق عبد الواحد يستعطفه على عديّ أفرج عنه في خضم فترة حدوث مشاكل في العائلة الحاكمة ابتدأت بذلك الزواج المشؤوم، وقتل كامل حنا، وسجن عديّ، ثم اغتيال عدنان خير الله من قبل صدام، ثم الحجر الجبري على خاله خير الله طلفاح، وشلل الأخير وانهياره ثم موته، وتحجيم حركة ساجدة زوجة صدام الأولى التي تحملت معه حياته القاسية الأولى ثم غدر بها وبأخيها وبأبيها.
كان الأكراد في الثمانينيات، قد تعرضوا إلى ضربات موجعة من قبل النظام، أو لنقل وقعوا ضحية ما بين مطرقة النظام العراقي القوي الباطش صاحب القوة العسكرية والاستخباراتية المتنامية، ومطرقة النظام الإيراني الذي كان يريد أن ينصب لصدام فخاً يؤلّب عليه المشاكل داخلياً وخارجياً، لكن النتيجة أن سُحِق بالأنفال وغيرها شعب يريد أن يتلمس طريق التحرر من قبضة دكتاتور مستبدّ.
رعب الأنفال وحلبجة، أصاب الأكراد بالذهول، وغرس في نفوسهم هلعاً كبيراً من بطش النظام، فبعد المقاومة الشرسة التي أبدوها، وصلت إشارة إلى أجهزة الأمن والاستخبارات لإباحة كل ممارسة مع الأكراد لانتزاع اعتراف معين، أو للتنكيل بهم بغية إخضاعهم بالقوة. واستناداً إلى هذه الإشارة، كانت كلية الآداب التابعة لجامعة بغداد في الباب المعظم تموج بالعديد من رجال الأمن والاستخبارات والبعثيين وأصدقاء عديّ وأقارب الرئيس، المسميات تختلف والجوهر واحد، أناس مجرمون يعملون ما يحلو لهم بذريعة أن الضحايا معارضون للنظام. وكان الأكراد من بين القوميات والطوائف المغضوب عليها، فقد خصص النظام خمسين مقعداً بشكل إجباري للطالبات الكرديات في كل سنة بقسم اللغة العربية، شريطة أن يكنّ من ذوات المعدل الضعيف، وكان يمارس عليهن ضغطاً أمنياً لاستدراجهن إما للعمل مخبرات، أو استغلالهن جنسياً، فكان الصف الذي يحتوي على عدد من الطالبات الكرديات عرضة لاستدعاء إحداهن بشكل يومي تقريباً، للتحقيق معهنّ وانتزاع المعلومات بالترهيب حول ما كان يدور في غرف الأقسام الداخلية من أحاديث لها علاقة بالنظام أو معلومات عن طالبات أو طلاب أُعدِم ذووهم. كانت هذه إحدى وسائل الاستخبارات العراقية لمعرفة ما يجري في كل بيت، أو في كل مدينة، بغية تحقيق طوق أمني لا يمكن اختراقه.
وكان الاتحاد الوطني لطلبة وشباب العراق، السيء السمعة، يمارس عملاً تجسسياً على الطلاب بدلاً من الاهتمام بمشاكلهم، أو الوقوف معهم في محنهم وأزماتهم. ففي إحدى المرات، لاحق هذا الاتحاد طالبة كردية من السليمانية تدعى بيان، وشدّد الخناق عليها لأغراض دنيئة، ثم وشى بها إلى الاستخبارات التي قبضت عليها بتهمة تبديل العملة القديمة أو ما يسمى الدينار السويسري، احتجزت 15 يوماً في تلك الدائرة الرهيبة، اعتدي عليها وانتهك عرضها وأجبرت على تناول المخدرات بعد أن رفضت الإدلاء بمعلومات كاذبة، فخرجت في حالة من الذهول والشرود.
في وسط هذه الانتهاكات، كان عديّ ينشر أخطبوطاً من القوّادين أو السماسرة ممن يلاحقون الطالبات والفتيات في كل مكان بغية إمتاع (الأستاذ) وقد كنت شاهداً على حادثة جرت لطالبة كردية من كلية الإدارة والاقتصاد في منطقة الميدان صحبة شاب ترتبط معه بعلاقة حب، عندما كان أحد هؤلاء السماسرة (يحمل هوية خاصة بتوقيع عدي) يغصب هذه الطالبة على الصعود في السيارة، الطالبة تبكي وتستجير وحبيبها يتوسل مذهولاً، والناس اجتمعوا وتكاثروا يطلبون عفوه عن الطالبة وهو يصر إصراراً قوياً على إرغامها على الصعود، وعندما أحاط الناس به من كل جانب شهرَ هوية الأستاذ، فتفرق الناس لولا شجاعة عسكري برتبة عقيد من سامراء ادّعى أنه من أقارب عزة الدوري، اشتبك مع السمسار وأنقذ الفتاة الكردية التي هربت مرعوبة مع حبيبها في سيارة تاكسي من نوع سوبر كراون.
أحياناً لا يكتفي عدي بما يقوم به قوادوه وسماسرته، فينزل إلى الشوارع بنفسه ليلاحق الفتيات كما حدث في شارع 14 رمضان لفتاة جميلة من أم سورية وأب عراقي تسكن في حي القادسية ببغداد جوار منزلنا، إذ طلب منها بينما كانت تسير مع والدتها أن تصعد في سيارته فاحتضنتها أمها وهربت بها راكضة بين السيارات وحركة السير المزدحمة، لتعودا إلى المنزل في حالة من الهلع المريع.
في كلية الآداب، كان جمال تلك (الكردية الجميلة/ ب.ع.ك) حديث الطلاب والأساتذة والموظفين والزائرين، فكان أن سمع بها سماسرة عدي، فأخذوا ينسجون خيوط العلاقة والهدايا في البداية، ثم الدعوة إلى تناول الطعام خارج الكلية، ثم فبركة طريقة للقاء الأستاذ، ثم الاغتصاب وتصوير تلك الطالبة وهي تجبر على ممارسة الجنس، وتعاطي المخدرات، ليكون ورقة تهديد دائمية.
لم يكتفوا بهذا، إنما أرغموا إحدى صديقات تلك الكردية على لعب الدور نفسه، وتصوير مشاهد الجنس، فانتشرت الصور بين الطلاب والطالبات، وانزلقت الطالبتان إلى تعاطي المخدرات بشكل دائم. وتعثر دوامهن، فكنّ يوماً في الكلية وثلاثة لدى الأستاذ، إذ تنتظرهن المارسيدس الشبح السوداء أمام باب الكلية، من القسم إلى السيارة إلى حضن الأستاذ في اللجنة الأولمبية التي كانت مكاناً للدعارة ارتضاه الرئيس لابنه بغية إشغاله باللهو بعيداً عن كرسي الرئاسة، إذ كان يخشى تهور ابنه المحسوب على صف زوجته الأولى ساجدة وأخيها المغتال عدنان خير الله طلفاح، ولم يأمن صدام جانب ابنه ولا زوجته فحجر على الأولى واتبع طريقة في ترويض عدي عبر استغلال غرائزه الحيوانية، وإطلاق يده في شؤون الرياضة والإعلام والثقافة العراقية فعاث بها فساداً مروعاً.
كانت الحالة النفسية للطالبتين تسوء يوماً بعد آخر، وسمعتهن أصبحت حديث الجميع في كلية الآداب، وكان من عادة الاستاذ استبدال الضحية بعد أن يشبع منها، فتمّ طردهنّ بعد أن خسرن الدراسة والسمعة. الكردية الجميلة اختارت طريق الانتحار، لتدفن ذلك الكنز الجسدي في تراب الجريمة التي اقترفها الأستاذ يوم كان جهازه الذكري نشطاً قبل أن يعاقبه ثلة من العراقيين في عملية اغتياله المشهورة في حي المنصور، فتشلّ تلك الطلقات عهر ذلك الجهاز إلى الأبد. أما صديقة الكردية، التي لا تقلّ عنها جمالاً، فاختارت ترك الجامعة، والانزواء في كآبة أبدية، وإدمان على تناول المخدرات.

[email protected]