quot;الداء الذي فينا، منا وفيناquot; (عزيز علي)

هل الطائفية علبة بيبسي يسهل تصديرها لهذا الطرف أم ذاك. هل هي بضاعة قابلة للتداول بعد أن يتم تصنيعها في المعمل الفلاني؟ هل هي مصيبة أم مكون داخلي أم تمثلات خاصة، أم فرضيات ترتبط بالبيئة والمحيط الذي ينشأ فيه الإنسان؟ وهاهم الناس في العراق الراهن، يتساءلون حول هذه الطائفية التي راحت تهدر وبكل زخم في تفاصيل حياتهم، فيما هم كانوا عنها غافلين في الأمس القريب. فمن أين جاءت، وكيف جاءت؟ هل هي من نفحات فكر(بريمر) الحاكم العام لعراق ما بعد الاحتلال، وتداعيات مجلس الحكم والمحاصصة الطائفية والقراءة المنقوصة لنموذج الديمقراطية التوافقية؟ وهل يمكن تحديد طرف بعينه ليتم تحميله وزرها ووزر من عمل بها؟ هل هي ركام تاريخي وثقل لا يمكن الإفلات من تداعياته، أم ردة فعل باعتبار التقابلية، والبحث عن الحصص والمكانة والأهمية والنفوذ، باعتبار (شهوة الملك والسلطة) تلك التي تجعل من العيون لامعة متحفزة.من المسؤول عنها، الشيعة أم السنة، أو السنة أم الشيعة؟؟من دعاتها ومن هم الساعون إليها، من الفاعلون الرئيسيون فيها، الأحزاب أم المليشيات أم الجماعات المسلحة أم المفخخون أم الحوسميون أم وأم وأم ومليون ألف أم تأتي قبلها وبعد بعدها!!!!!!!!!
في الخطاب الطائفي
ما هي الطائفية؟ سؤال يحضر بكثافة حول هذا الداء الذي ينخر في العظام، فيما يتستر الجميع عليه. لا أحد في هذا العالم يصدق أنه طائفي، فيما الوقائع والممارسات، تبقى تشير وبوضوح إلى عمق حضورها في نفوس الأطراف المتقابلة. لا سيما حين تتعمق دالة الصراع، لتنشب كأنها النار التي تنتشر في الهشيم. إنها العدوى، تلك التي يتكرس حضورها في الخطاب الساعي نحو الإمساك بقياد السلطة والتوجيه والتأثير، وهي المعطى الأشد توافقا وتكيفا للتماهي مع المجمل من النقائض والتداخلات، ليتم حشدها وتدبير معالم القوة الكامنة فيها سعيا إلى إقصاء الآخر، عن طريق الإلغاء الكامل والشامل، إن كان على صعيد القتل المباشر أم على مستوى التكفير والإلغاء والقتل المعنوي.
كلما ازداد التوتر حضرت الطائفية بكل ثقلها، وقضها وقضيضها.بوصفها السلاح الأمضى والأعتى للدمار الشامل، باعتبار ما تحمله من تركيز لموجهات ثنائية (الدمج والاستبعاد) تلك التي توقف عندها مليا أنتوني غيدنز في دراساته الاجتماعية، وبالقدر الذي تتبدى فيه حدة التناقض بين الطرفين، فإن المحصلة تبقى تشير وبوضوح غير قابل للالتباس إلى كم الحشد الكامن فيها، والقدرة الواسعة على التحريض الساعي إلى الإلغاء والتهميش والإقصاء، حيث التوظيف للمجمل من الإمكانات المتاحة، والقدرة على التوغل في المختلف من القطاعات والحقول، الثقافي والاجتماعي والسياسي والتاريخي. إنها الإلحاق لمسألة المصير ودمجه في ترسيمة ثقافية ذات مدلول أحادي، يقوم على التجزوء والتشظي والتقسيم وتوسيع دالة الفروق الفردية، ومحاولة وسمها في طابع جمعي. حيث الإجابات الجاهزة، إن كانت في تطمين الغني تحت دعوى حماية مصالحه، أو الأخذ بيد الفقير نحو تحقيق حلمه في الرفاهية ونيل الأماني الضائعة، فيما يبقى الواقع يشير إلى كم الأماني الضالة، فالطائفية تبقى مجرد أداة ووسيلة بيد الموجهين الطامحين نحو تركيز سلطتهم وإتمامها، من دون التفكير ولو للحظة واحدة بالتنازل عن الجزء اليسير منها، هذا بحساب أن ثقافة الحشد الذي تهتدي به، إنما تقومها موجهات التعويض عبر ضخ جرعات المساهمة الرمزية ضمن دائرة الجماعة، إنها وهم الأمن وإسباغ الحماية على الأتباع المخلصين، المندرجين في أوهام التطهير.وهي الممارسة النابذة لأي شكل من أشكال التفاعل الاجتماعي، بل أن الحرص الأكبر فيها، إنما ينطوي على تقويض الممارسة الوطنية، وتقديم مصالح الجماعة الفرعية وتغليب خطابها وتعميمه بكل الوسائل.
الملاذ الطائفي
يتحصن الخطاب الطائفي بالمضمون، حيث التعمية في أقصاها،إنه الحث على الإمساك بتلابيب التفصيلة الجاهزة، حيث الاحتكام إلى المقولات الثابتة، والأحكام الراسخة والتوصيفات التي لا تعرف غير الإيغال في تعداد مثالب الآخر، باعتباره المعتدي والظالم والمنافق و الأفاق والكاذب والكافر.إنها الظرفية التي يتم فيها قهر التاريخ ودمجه في لجة الخطاب الفرعي، حيث التأويل الواحد الذي لا يعي من هذا العالم سوى زاوية النظر التي يتم تحديدها سلفا. إنها إرادة التفوق الساعية نحو تطمين حاجات أمن الجماعة، من خلال تعميق الرهاب من الآخر، هذا المتربص دائما بهم، وعليه فإن التحصن بالملاذ الطائفي يبقى حاضرا وجاهزا، باعتبار تعميق دالة الولاء، وترسيخ مضمون مصلحة الجماعة، تلك التي تكفل الأمن والطمأنينة وتوسيع مجال الفرص المأمولة والمشتهاة، إنها ثقافة الفرصة السانحة، تلك التي لا تتورع عن التنادي (إن اقبضوا عليها)، وليذهب كل ما دون ذلك إلى الجحيم.وما بين(قابض وقابض) تتبدى ملامح المفارقة في أقصاها، حيث الهدر القاسي والفاضح للمجمل من المقومات التي تزخر بها البلاد.و تركيز مضامين العزل والكانتونات، وجعل التناحر بمثابة الأصل الذي لا يمكن الحياد عنه، أو التنازل عن آلياته ومقوماته.
حين تغيب ثقافة الاختلاف ويتم اقصاء الوعي بالتعددية، يتبدى الصراع في أعتى صوره، ليكون المسعى والغاية القصوى وقد تكثفت في أهمية تحول الخطاب الطائفي إلى سلطة قامعة، لا تختلف بأي حال من الأحوال عن الأوضاع والأحوال التي تقوم عليها السلطة الشمولية، وبالقدر الذي تحظى فيه مكونات الخطاب الطائفي على الحشد والتحريض، فإن التحدي هنا لا يتوقف عند إنتاج القيم والمضامين الخاصة بها، بل يتخطاه، نحو التحدي السافر للسلطة السياسية ذاتها، عبر توجيه وسائلها وأدواتها للسيطرة على الذهنية الجمعية.