من جديد اطلعت أخت متابعة لما أكتب عثرت على مقالة لي بعنوان الحرب جريمة وجنون لرجل اسمه (صبحي درويش) رصع اسمه تحتها على أنها مما جرى به قلمه وأفرزتها عبقريته، وأنا أعرف عمق هذه الكلمات وساعات الكدح المعرفي فيها، حتى استوت الكلمة على ساقها ونضجت، فوجب التنبيه والتحذير ولا يحب الجهر بالقول من السوء إلا من ظلم وسرق فكيف بفكره؟
فتعجبت وسـألت الأخت بعد أن شمت رائحتي في المقالة، فقالت عفوا المقالة مقالتك، ولكن الاسم لغيرك فمن أخذ ممن؟
ولحسن الحظ أنها أرسلت مع مقالتي المسروقة عنوان الدعي فأرسلت له هذه الرسالة عسى ان يتوب ويراجع نفسه.
وفي الحديث الرجل يسرق بيضة والرجل يسرق جملا، فمن بدأ بسرقة بيضة وصل إلى جمل وبنك.
أي أنه لا يستبعد في التاريخ أن يأتي هذا الدعي وينسب كل إنتاجي المعرفي له وتحت اسمه، طالما كان الأمر لا يتطلب أكثر من جرة ماوس، بانسخ يا سمسم!! مثل جن نبي سليمان!! فينسخ كل كدح عمري في دقائق معدودة!!
وهو سهر الليالي، وتعب الأيام، وكدح متواصل لعشرات السنوات، ومراجعة آلاف الأصول.
ومنه فإن هذا الصنف من الحرامية، وجب كشفهم والتشهير بهم، والتحذير منهم، لأنهم مثل المنافقين في الدرك الأسفل من النار.
ولذا فقد أجبت الأخت على رسالتها بقولي موجها للدعي صبحي درويش:quot; لقد خيبت أملي فيك يا صبحي فقد آثرت الطريق السريع ولكن كما جاء في الإنجيل كم هو الطريق الواسع الرحب المفضي إلى الهلاك وكثيرون هم الذين يسلكونه، وكم هو الطريق ضيق ومضني الذي يفضي إلى الراحة الأبدية وقليلون هم الذين يطرقونه.
يا صبحي لقد نقلت لي أخت فاضلة مقالتي التي سرقت عنوان واحدة وركبته على قسم من مقالة سابقة، حتى لا تنكشف خدعتك. لقد خيبت أملي فيك يا صبحي، ولقد تكرر ذلك في الكثير مما نشرت، وأنت تمارس السرقة الأدبية وهي أخلاق اللصوص الجبناء.
لقد شهر بك (هاشم صالح) من قبل فقمت أنت بالرد عليه من كلماتي، وكان الأحرى بك أن تتوب إلى الله، وتتعب على نفسك بالكدح المعرفي، وفيك الإمكانية لذلك، ولكن النفس تسول إلى درجة القتل فطوعت له نفسه قتل أخيه فقتله.
تب إلى الله يا صبحي قبل فوات الأوان، وأمرك مكشوف، وأنت من الخاسرين.
وهذه الأخت نقلت لي المقالة، واحتارت فيمن نقل عمن من؟
وأنا حينما استشهد أذكر مصادر ذلك، ولو ذكرت لاكتسبت قوة ومصداقية ولكنك آثرت الطريق السهل المريح الذي يفضي إلى الهلاك، مع كل الحب والحرص عليك يا صديقي صبحي، الذي خانني كما فعل يهوذا فقم بالانتحار كما فعل.
والانتحار هنا ثقافي، وليس شنقا بالحبل، أو جرعا للسيانيد، أو طلقة في الجمجمة، كما قضي على الزعبي وكنعان من الرفاق الثوريين.
والإنسان رصيده من سمعته، وموت الروح أشد من البيولوجيا، والفتنة أشد من القتل.
وفي الواقع فاللصوص أنواع فمنهم من خطف الخطفة فأتبعه شهاب ثاقب. ومنهم من سرق كتابات غيره فرصع بها أعماله الأدبية.
وأفظعها سرقة كتاب كامل ونسبتها لشخصه الكريم، كما حصل مع كتاب (الخالدون مائة أعظمهم محمد ص) فوضع كاتب عربي اسمه تحت العنوان، والكتاب ليس له، بل لعالم فلك مريكي اسمه (مايكل هاردت)، وبذلك أسأنا للنبي الذي نريد رفع شأنه، فوضعنا اسمنا ونحن من أتباعه بين اللصوص الكاذبين.
وأحسن الأمريكي هاردت، وهو ليس من أتباع المصطفى ص فكان من الصادقين، ويا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين، حينما رفع مقام النبي ص؛ فاعتبره رأس القائمة، لأنه كان ناجحا في كل شيء، ما وضع يده على عقدة إلا انحلت، ولا أزمة إلا انفكت،ولا عويصا أو مغلقا أو شائكاً؛ ألا استسلم له وأناب، وأدلى بأسراره، وباح بمكنونات تعقيداته، عليه أفضل الصلاة والتسليم، وهذا يقول لك عن الفرق بين الناجح والفاشل، فالناجح يفكر في الحل، والفاشل يفكر في المشكلة، والناجح لا تنضب أفكاره، والفاشل لا تنضب أعذاره. الناجح يرى حلا لكل مشكلة. والفاشل يرى مشكلة في كل حل. الناجح يقول الحل صعب ولكنه ممكن، والفاشل يقول لايوجد حل. الناجح لديه أحلام يحققها، والفاشل له أضغاث أحلام يبددها. الناجح يقول عامل الناس كما تحب أن يعاملوك، والفاشل يقول اخدع الناس قبل أن يخدعوك. الناجح يرى في العمل الأمل، والفاشل يرى في العمل الألم. الناجح ينظر للمستقبل للتحقيق، والفاشل ينظر للماضي المستحيل. الناجح يختار ما يقول، والفاشل يقول بدون اختيار. الناجح يناقش بحجة ولطف، والفاشل يناقش بدون حجة وسلطان مبين وبلغة فظة. الناجح يولي اهتمامه للكبائر وجليل الأعمال، والفاشل يتخبط بين الحفر. وباختصار الناجح يصنع الأحداث، والفاشل تصنعه الأحداث، فهذا كله كان في المصطفى ص وأكثر، عكس ما يحصل مع العرب الفاشلين المحبطين هذه الأيام، الذين إذا رأوا في السماء برقا ورعدا، جعلوا أصابعهم في آذانهم من الصواعق حذر الموت، كما حصل مع بطولات نصر الله في حرب الفرس والرومان على أرض لبنان في صيف 2006م.
والمؤمن قد يزني ولكن لا يكذب، لأن الكذب ينبوع كل الشرور، فإن انصلح انصلحت بقية الأخلاق، وإن فسد كان مفتاح الفساد لكل الشرور. ومن الرفاق من سرق مال الشعب، فخرجت الجماهير العمياء، تهتف له بالروح بالدم نفديك يا أبو الجماجم.
وفي الألف الثانية قبل الميلاد، لم يكن ينقص رعمسيس الثاني أصناماً لتعظيم ألوهيته؛ فقد بنى كفاية من الحجارة والنصب، ولكنه عمد إلى ما بنى من قبله من الفراعنة، فشطب أسماءهم وكتب اسمه عليها، حتى جاء علماء الآثار فاكتشفوا التزوير.
وهناك من الكتَّاب ما لا ينقصهم شهرة، ولكن الجشع كبير سواء في ملء البطن بالطعام، أو الخزائن بالأموال، أو الأعمال الفكرية بالاعتداء على عمل الآخرين، وسرقة أفكارهم، ونسبتها إليهم، كما فعل صاحبنا الكاتب العربي الذي أشرنا إليه، أو صديق صبحي درويش، ولو كتب أنه المترجم، أو المنقح، أو أي شيء، ونسب الكتاب للأمريكي (مايكل هاردت) ووضعه في الغلاف الخارجي؛ لكان أبر وأتقى، ولكن أموراً من هذا النوع تمشي كما يقول ابن خلدون للغفلة على الناقد، والصعوبة على المتعقب، حتى يأتي خبير بالكتب مثلي فيكتشف السرقة، شاهداً على العقم العربي، في زمن التيه، ويبقى الرجل يلمع متنكرا وهو في ثياب اللصوص.
والرجل كان فنانا في السرقة، فحتى لا يضبط متلبسا بالجريمة، فقد تكلم عن المؤلف في زاوية مجهولة، لا يلتفت إليها احد، في الوقت الذي لمع اسمه على الغلاف تحت العنوان مباشرة، فلا يخيل للمرء إلا أنه المؤلف، وهو ما حصل معي حتى كشفت التزوير.
ويحصل مع من يقرأ أفكاري فيكتشف فورا النكهة والطعم، كما حصل مع قارئة كريمة راسلتني عن مقالتي عن الحرب جنون وجريمة حينما رصع لص فكري اسمه تحت المقالة.
ونحن لو أحصينا ما كتبنا، لما خرجت عن مجموعة من الأفكار، أخذت من أناس شتى، فإذا أرجعناها إلى أصحابها، كما فعل إبراهيم مع الطير لم يبق لنا من أعمالنا إلا عشر معشار ما كتبنا.
ولكن ينطبق علينا كما قال اسحق نيوتن يوما ـ وتراني استشهد به ـ مثل الطفل الذي يعتلي ظهر عملاق فيرى مالا يرى العملاق.
وعبقريات لآينشتاين أو ابن خلدون أو جيمس واتسون لم تولد ضربة واحدة في الفيزياء وعلم الاجتماع والبيولوجيا. بل سبقتها أعمال أخرى والذي تميز به الثلاثة هو التوليفة الجديدة، فولد (نوع) جديد من (كم) سابق، على (قانون)quot; أن التراكم الكمي يقود إلى تغيير نوعيquot;.
وكل الجمال والقوة هو توثيق ما نقول بأقوال غيرنا، فيخرج كلامنا ليس بدعة من القول بل إضافة له.
وقبل فترة كتبت عن فلم صلاح الدين الذي عرضته السينما بعنوان مملكة السماء، فرأيت مقالة في موقع إلكتروني، أرسلها لي صديق من باريس، فإذا بالكاتب العربي ينقل فقرات كاملة من كلامي بدون الإشارة بكلمة واحدة إلي.
ومنهم من سرق فصولا كاملة من بعض كتبي ونسبها لنفسه، فهذا ليس جديدا في عالم السرقة، وهو يحصل في الغابة العربية، لأننا الكتاب في حالة استباحة كاملة.
وفي ألمانيا اشتريت يوما كتابا في الجراحة، فكان المؤلف لا يذكر شيء إلا وقد وضع عدة أرقام فوق الجملة، فلم أفهم حتى عرفت أن كل جملة لها أكثر من مرجع، فعرفت معنى العمل العلمي ومشقته.
والنبي ص كان في غاية التواضع حينما قال مثلي ومثل الأنبياء من قبلي كمثل بيت اكتمل إلا في موضع لبنة منه، فأنا خاتم النبيين وأنا هذه اللبنة. وعندما أهداني زميل الكتاب المذكور عن الرجال العظام المائة في التاريخ البشري، لفت نظري حسن الأداء وجودة الإخراج وحسن النظم؛ فهو يضع مواصفات خاصة لطريقة انتخابه للرجال، ليضع الرسول محمد ص رقم واحد. وخبرتي عن الكتَّاب العرب عموما أنهم غير مبدعين، فتعجبت من هذا الإنجاز، حتى اكتشفت أنه من عمل رجل فلكي أمريكي هو (مايكل هاردت)، ولكنه أنجز عملاً ثقافيا فذا.
ومن أعجب ما كتب كاتبنا العربي في سطور مخفية في الداخل تلتبس على القاريء العادي، أنه ما أضاف على الكتاب شيئا، وأنه إن أهدي هذا الكتاب نسخة منه لمؤلفه الأمريكي فلسوف يفرح به.
وبالطبع فإن الأمريكي سوف يستاء جدا، وقد يفكر في مقاضاته في المحكمة أنه استولى على كتابه قبل موته. ولكن أرباح الكتاب في أمريكا هائلة، والقراء مثل رذاذ المطر ورمال عالج، مقابل سبعين مليون أمي في غابة العروبة.
وكتاب (قصة الفلسفة) لــ (ويل ديورانت) كانت بيضة الذهب، فأصبح الرجل من أرباح الكتاب مليونيرا.
ونحن كتاب الوطن العربي فقراء مفلسون، لذا تخصصت في الطب حتى لا أقع في قبضة دار نشر وناشر.
و(ديورانت) لما اكتفى ماليا اعتزل وتفرغ في ريف كاليفورنيا لمدة خمسين عاما مع زوجته لإنتاج كتابه قصة الحضارة.
وهذا أحد أسباب عقم العقل العربي فلا تفرغ ولا تمويل.
ورواية (السجينة) لمليكة أوفقير سرق مرتين قبل أن يولد، بعملية استنساخ لصوصية على يد طائفة من اللصوص السوريين.
وفوجئت أنا بالذات بكتابي (النقد الذاتي للحركات الإسلامية) يباع في الأسواق منذ عشرين سنة، ولا علم لي به، ولم يتصل أحد بي فيقول عفوا لك من حقوق التأليف كذا.
وهو ليس أول ما يسرق. وكتابي (الطب محراب الإيمان) سرق بالجملة والمفرق، وفي يوم اطلعت على كتاب قد حمل فصولا كاملة منه بدون ذكر كلمة له. وكان في مصلحته أن يذكر، ولكن بسبب عرينا الثقافي فنحن نعيش في غابة العربان مثل الغربان، فلا نعرف حقوقا وواجبات.
إنه عمل مخجل لأتباع الرسول، وعمل مشرف لمن أنجز العمل فأرجع الفضل إلى أهله.