ما أسهل المكلمات والجلسات الحنجورية في بر مصر المحروسة، وما أكثر المؤتمرات والندوات التي تنعقد في ربوعها، والتي غالبا ما تنتهي بجملة من التوصيات والمقترحات والنصائح quot; منتهية الصلاحية quot;، ليس لأن أوانها قد فات ومر أو لأنها صعبة التطبيق والتحقيق، وإنما لأنك ستجدها فقط ( كورق دشت ) عند بائعي السميط والجبنة واللب والفول السوداني والترمس علي كورنيش النيل.
ونادرة هي المؤتمرات الرسمية أوالأهلية التي وجدت مزاجا عاما وحالة من التوافق المجتمعي في السنوات العشر الأخيرة، أو قدر من الأتفاق حول مضمونها وأهدافها ونتائجها، مثلما حدث مع المؤتمر الأول لحركة quot; مواطنون ضد التمييز quot; الذي عقد في الفترة من 11 و12 إبريل الماضي.
وبعيدا عن الصخب الإعلامي الذي واكب المؤتمر وأعقبه بفعل الأحداث المؤسفة التي جرت وقائعها في نقابة الصحفيين quot; قلعة الحرياتquot;، فإنه ولأول مرة تستشعر الحكومة المصرية الذكية، انه يصعب الالتفاف حول مطالب المؤنمر وتوصياته، أو تفريغه من مضمونه، أو علي الأقل غض الطرف عن تداعياته ونتائجه، ذلك أن هذه المجموعة البسيطة من رجال ونساء مصر الشرفاء، نجحت في خلق حالة من الوعي العام بحقوق المواطنة وواجباتها في المجتمع المصري، لانها أستطاعت وبتلقائية أن تلامس العصب العاري للأزمة التي باتت تنهش هذا المجتمع حتي النخاع.
قبل أيام تقدمت الأستاذة منى ذو الفقار المحامية وعضو المجلس القومي للحقوق الإنسان في مصر، بمشروع قانون جديد يتيح للمواطن الذى يتعرض لأى اضطهاد أو تمييز فى الوظائف أو فى أى شىء بسبب العرق أو الدين أو الجنس، اللجوء إلى القضاء والحصول على أحكام بالغرامة والسجن على من يمارس هذا التمييز.
المشروع، كما جاء في موقع اليوم السابع، يستند إلي المادة الأولى فى الدستور المصري والتى تؤكد مبدأ المواطنة، والمادة الثامنة التى ألزمت الدولة بضمان تحقيقه لجميع المواطنين، والمادة 40 التي أقرت مبدأ المساواة أمام القانون فى الحقوق والواجبات، هذا بالإضافة إلى أحكام المحكمة الدستورية التى أقرت المعانى نفسها.
كما يتضمن المشروع وضع قواعد تشريعية مفصلة تحدد التزامات كل مؤسسات الدولة العامة والخاصة فيما يتعلق باحترام مبادئ تكافؤ الفرص وحظر التمييز بين المواطنين، ووضع العقوبات المناسبة لمخالفتها، وذلك على وجه الخصوص فى مجالات العمل والتوظف وتولى الوظائف العامة والترقى والتدريب والتأهيل والتعليم، وغير ذلك من المجالات.
ويقترح وجود ما يسمى بالمفوض العام، الذي يرأس لجنة مراقبة تنفيذ القانون، وتسمي لجنة تكافؤ الفرص ومكافحة التمييز، وتتكون من 11 إلى 15 عضواً متفرغين ومفوضين، ويشترط فى الأعضاء استيفاء شروط معينة، من بينها الاستقلال والحيادية والسمعة الحسنة والخبرة فى مجال حقوق الإنسان، وأن يتم تعيينهم بقرار من رئيس الجمهورية، على أن يتم ترشيح ربع المفوضين بمعرفة مجلس الشعب وربع المفوضين بمعرفة مجلس الشورى وربع المفوضين بمعرفة المجلس الأعلى للقضاء وربع المفوضين بمعرفة المجلس القومى لحقوق الإنسان، وأن يتم تعيين المفوض العام بقرار من رئيس الجمهورية. ويكون للجنة حق تعيين واحد أو أكثر من أعضائها المفوضين كمفوضين للتحقيق فى الشكاوى والمخالفات التى ترتكب ضد القانون، وفى إصدار الإخطارات بحدوث المخالفات للمؤسسات العامة والخاصة محل التحقيقات.
كما ينص المشروع على العقوبـــات من خلال الغرامات مع مراعاة أن تكون مبالغها كبيرة نسبياً بحيث لا تقل عن 20.000 جنيه ولا تزيد على 250.000 مع الالتزام بدفع المخالفة، بالإضافة إلى النص عن عقوبة المسئول على مخالفة القانون فى الشخصيات الاعتبارية بالحبس فى بعض المخالفات الجسيمة، وإعلان ونشر تقارير المخالفات على نفقة المخالف، والتعويض عن الأضرار التى لحقت بالضحايا.
وتشرح د. منى ذو الفقار الدوافع وراء مشروع القانون وهى ndash; حسب اليوم السابع أيضا - وجود مساحة شاسعة بين النصوص الواردة فى الدستور والواقع، ناهيك عن القصور فى تطبيق القوانين، مما ترتب عليه تراجع فى احترام سيادة القانون وزيادة كبيرة فى ظواهر العنف والبلطجة والتطرف بوجه عام، والعنف الطائفى أو الدينى بوجه خاص، وساد شعور عام بالإحباط والظلم، خاصة بين الشباب الذين قبلوا للأسف الشديد مخاطر الموت غرقاً هروباً من الإحباط واليأس.
وهذا هو لب القصيد، من وجهة نظري، والبداية الجادة والعملية لمجابهة quot; أزمة المواطنة quot; في مصر، ومنطقة الشرق الأوسط بوجه عام، التي ظلت تنكر وجود هذه الأقليات وهذا التمييز أصلا بزعم أن هذه الأقليات من نسيج واحد ولحمة واحدة مع الأغلبية في الوطن، مؤكدة، مرارا وتكرارا، علي أن الدستور ينص ويقرر مساواة جميع المواطنين أمام القانون، بصرف النظر عن اللون أو الدين أو الجنس.
بيد أن هناك فارق كبير بين النص والواقع، كما يؤكد دائما العلامة القانوني د. سليم نجيب، فقد يتضمن الدستور، وهو أسمى القوانين وأعلاها شأنا نصوصا عن المساواة والحرية واحترام حقوق كل الأفراد، ثم يكشف لنا الواقع والتطبيق عن انتهاك هذه النصوص الدستورية وبالتالي يتأكد الانفصال بين الواقع ونصوص القانون، بينما نجاح نصوص القانون تقاس دائما بمدى أثرها وتعبيرها عن الواقع، فكيف يمكن لهذه النصوص أن تحقق الإنصاف والمساواة في ظل انتهاك شبه يومي في الواقع المعاش، حيث الفصل بين النص والواقع.
لقد كشفت التقاريرالمتتابعة للحريات الدينية وحقوق الإنسان،عن الفجوة الرهيبة بين النصوص والممارسات في معظم دول المنطقة، مؤكدة علي ان إلغاء كافة أشكال التمييز مسألة جوهرية quot; لأنها تدعم منظومة الحريات الأساسية الأخرى، التي تشكل الدين الجديد لحقوق الإنسان، فهي تتصل اتصالاً عضوياً بحرية الرأي والتعبير، وحرية الاجتماع، وحق الأختلاف، وحق الخطأ أيضا quot;.
أستاذ الفلسفة جامعة عين شمس
[email protected]