quot; رب ضارة نافعة quot;. هذا المثل العربي أفضل ما ينطبق على الوضع اللبناني الذي أعقب الانقلاب العسكري الإلهي لحزب الله في بداية مايو 2008 (شقيق النصر الإلهي في تموز 2006)، لأن أزمة داخلية لبنانية تراوح مكانها منذ عام ونصف تقريبا، وفراغ رئاسي منذ شهور طويلة، وتأزم لم تشهده لبنان سابقا بين معسكري (الموالاة) و (المعارضة)، ينتهي كل ذلك بواسطة الوصفة (القطرية) خلال خمسة أيام فقط، يجعلنا كمحبين للبنان أن نرفع أيدينا شكرا لله ولدولة quot; قطر quot; ولكافة الفرقاء اللبنانيين من موالاة ومعارضة وما بينها،ويجعلنا فعلا نقول بموضوعية أنّ (الضارّة) التي تمثلت في الانقلاب العسكري (الإلهي) الذي نفذه حزب الله بطريقة (شيطانية) بامتياز، أوصلت إلى (النافعة) التي تمثلت في هذه المصالحة الوطنية اللبنانية التي لولاها، لوقعت البلاد حتما في أتون حرب أهلية، كانت بدايات شررها تلوح في الأفق القريب، ليس دفاعا عن مصالح لبنانية بقدر ما هو امتثال لأجندات خارجية، وجدت في وسطاء لبنانيين عملاء بامتياز، يشغلون العالم مرة عن المحكمة الدولية لملاحقة قتلة رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري، ويبعدون الأنظار عن الملف النووي الإيراني مرة أخرى، أي لخدمة أطراف إقليمية وجدت في لبنان متنفسها الوحيد، دون أن يكون للبنانيين (ناقة أو جملا) في هذه المعمعة التي وقودها، فقط حوالي ثمانين قتيلا في (الانقلاب العسكري الإلهي) الأخير، وتدمير مصالح وطنية واقتصادية بسبب اعتصامات منذ عام ونصف في الوسط التجاري، وخيم لم يبق سوى رفع العلمين السوري واللبناني عليها كي تكتمل دلالتها الحقيقية.
حقيقة الانقلاب
هل يمكن معالجة أمر الانقلاب العسكري الذي نفّذه حزب الله في الأسبوع الأول من مايو 2008، بموضوعية بعيدا عن الانحيازات السياسية والطائفية كما طغى على غالبية ما كتب عن هذا الانقلاب في الأيام الماضية التي أعقبت حدوثه؟. في البداية هناك بعض الحقائق لا بد من التذكير بها لأنها ذات صلة بالموضوع، خاصة في ظروف الأقطار العربية فيما أعقب ما سمّي quot;زمن الاستقلالquot; ويقصد به مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية التي شهدت استقلالا ولو شكليا للعديد من الأقطار العربية حسب مسطرة ومقص سايكس بيكو.
أولا: ما هو دور الحزب السياسي؟
في كافة الأعراف السياسية المعمول بها في الدول الديمقراطية، فدور الحزب هو النشاط السياسي والتنظيمي من خلال القوانين التي تحكم العملية الديمقراطية في بلاده، والهدف هو الوصول لمراكز اتخاذ القرار أي السلطة والحكم، وذلك عبر البرلمان من خلال الانتخابات أي إرادة الشعب، لأن الحزب الذي يحصل على الغالبية البرلمانية هو من يشكل الحكومة، ويصبح صاحب اتخاذ القرار، مرجعيته البرلمان الذي يعطيه الثقة أو يسحبها منه، كونه هو المرجعية النهائية المتفق عليها. فهل راعى حزب الله هذه البديهيات؟.
ثانيا: ما هو الانقلاب العسكري؟
هو قيام مجموعة عسكرية تابعة للجيش النظامي أو لحزب مرخص أو غير مرخص (أي ميليشيا)، بالقفز على كل الأطر الدستورية والقانونية، للسيطرة على بلد أو دولة ما، وهذه هي خلفية كافة الانقلابات العسكرية التي شهدتها بلدان مثل مصر وسورية والعراق وتونس والجزائر والسودان والصومال وغيرها. وفي الحالة اللبنانية لا توجد ضوابط معينة لإشهار حزب أو إلغاء آخر كما هو في البلدان الديمقراطية الأوربية، أو حتى في حالات عربية كالأردن بعد الانفتاح الديمقراطي عام 1988، وما أعقبه من قانون لتنظيم الحياة الحزبية. لذلك فكافة الأحزاب اللبنانية لا شرعية دستورية وقانونية لها، رغم خوضها الانتخابات البرلمانية و تمثيلها في وزارات الحكومة بنسب طائفية تعتمد على نسب الفوز في البرلمان. لذلك كان الصراع داميا حتى بين أحزاب تمثل أو تدّعي تمثيل طائفة واحدة، كما حصل في الصراع الدامي بين حركة أمل والطلائع التي انفصلت عنها وشكّلت ما عرف بحزب الله، معلنا هذا الحزب بشكل رسمي في نظامه الداخلي عام 1985 أن (هدفه المستقبلي إعلان دولة إسلامية في لبنان مرجعيتها الفقهية في مدينة قم الإيرانية)، ومنذ ذلك التاريخ لم يعدّل الحزب هذا الهدف أو يلغيه، مما يعني أن الحزب رغم كل ما يثيره من ضجيج حول مقاومة الاحتلال الإسرائيلي هو مجرد أداة إيرانية لا علاقة لها بلبنان ومستقبل لبنان.
والمهم هو تذكر الصفحات المشينة والمعيبة في تاريخ حركة أمل وطلائع هذا الحزب الإلهي التي كانت قيادات فاعلة في الحركة أثناء حربهم ضد المخيمات الفلسطينية عام 1985 وما أعقبها، حيث قتلوا بدم بارد ما لا يقل عن 3000 فلسطيني، بمباركة من الولي الفقيه في طهران، حيث لم يصدر آنذاك أية إدانة إيرانية لهذه الحرب أو أية محاولة لوقفها. وبعد إعلان حزب الله رسميا، كان يستعمل إطلاق الرصاص عبر الحدود في الجنوب اللبناني حسب توقيته مع تلك الأجندات السورية والإيرانية، فسنوات طويلة هدوء كامل، وفجأة رصاص غزير أو حرب واسعة لا علاقة للبنان وشعبها بتلك الحرب، كما حصل في حرب تموز 2006، التي أكلت أحرقت الأخضر واليابس في لبنان، التي بدأها حزب الله دون أن يستشير حكومة لبنان أو شعبها، وبعد الدمار والموت يعترف السيد حسن نصر الله ولي الفقيه الإيراني أنه لو كان يعلم أن رد إسرائيل سيكون بهذه الشراسة لما بدأ الحرب !. هل هناك مسخرة أكثر من ذلك ؟. لذلك فلا يمكن لعاقل أو مجنون أن يعتبر تحركات هذه الحزب لبنانية أو لمصلحة لبنان، بدليل انقلابه العسكري الأخير الذي سيطر فيه على بيروت الغربية، وأحرق مؤسسات إعلامية، وأغلق أغلبها بما فيها صحف ومجلات رؤساء تحريرها مواطنون شيعة، كما حصل مع مجلة الشراع التي يرئس تحريرها الكاتب اللبناني المعروف حسن صبرا، الذي في غالبية كتاباته يضع المصلحة اللبنانية كهدف منتقدا ممارسات حزب الله التي تقفز على هذه المصالح خدمة لمصالح سورية وإيرانية.
راحت السكرة وجاءت الفكرة
سيطر حزب الله عدة أيام على بيروت الغربية عبر سلاحه الذي ارتد للداخل، ردا على قرارين هما من شأن أية حكومة في أي بلد. فهل من المعقول أن يتم هذا الانقلاب العسكري، لمجرد قرار حكومي بنقل ضابط أمن المطار، والتحقيق في شبكة اتصالات غير نظامية أقامها الحزب في العديد من المناطق اللبنانية، وقد ثبت أن شركات إيرانية هي التي أقامتها وكلفت حكومة طهران عشرات الملايين من الدولارات. وقد كان قرارا حكيما وشجاعا و مسؤولا من أحزاب الموالاة (تيار المستقبل)، أنها لم تتصدى لسلاح الحزب بالمثل، لأنه مهما كان سلاح تيار المستقبل ضعيفا بالمقارنة مع الخصم الإلهي، إلا أن مجرد إطلاق رصاصات قليلة، كان يعني الدخول الفعلي في الحرب الأهلية، ولكن القرار الشجاع بعدم المواجهة العسكرية المماثلة، هو الذي وضع حزب الله أمام سؤال مصيري، وهو: وماذا بعد السيطرة على بيروت الغربية؟.
أدرك الحزب بعد أن سالت دماء حوالي ثمانين مواطنا لبنانيا، أنه داخل التركيبة اللبنانية لا يمكن لحزب مهما كانت قوته، أن يسيطر على لبنان ويلغي بقية الطوائف والأحزاب، بدليل أن الحزب لم يجرؤ على إطلاق رصاصة واحدة في كافة المناطق المسيحية وغالبية مناطق السنّة حيث كان التصدي له قويا كما في شمال لبنان. وربما يكون الحزب قد أدرك أن مصلحته أن يبدأ التأقلم كحزب لبناني، خاصة أن الحليف البعثي السوري لا يمكن أن يكون حارسا أمينا للحزب، بعد الاعتراف العلني بالمفاوضات السورية الإسرائيلية التي إن أدت إلى نتائج مرضية للطرف السوري، سيكون حزب الله في لبنان أول ضحاياها، كما كان اغتيال عماد مغنية في دمشق مقدمة لها دلالات، و إلا لماذا لم يعلن النظام السوري عن قتلة عماد مغنية، مما أصبح مؤكدا أن قتله كان رسالة سورية مبكرة لإسرائيل عما يمكن أن يفعله إن وافقت إسرائيل على المطلب السوري المشروع وهو الانسحاب من جولانها المحتل منذ عام 1967، وبهذا لا تقدم دولة إسرائيل أية تنازلات، فالجولان أراض سورية محتلة،ويجب الانسحاب منها أساسا بدون أية شروط.
الرعاية العربية والدولية
لذلك فهو ذو دلالة كبيرة، هذا الاحتفاء العربي والدولي باتفاق المصالحة اللبنانية وجلسة يوم الأحد لانتخاب العماد ميشيل سليمان رئيسا للبنان،، بدءا من حضور أمير دولة قطر راعية المصالحة، وحضور وزراء خارجية أوربيين وعربا من سورية والمملكة السعودية وأيضا من إيران. إن حضور وزيري الخارجية السوري والسعودي أمر مهم، لأن تشابك المصالح السعودية والسورية في ملفات عديدة، من المهم التفاهم عليها كي لا تنعكس آثارها السلبية على الداخل اللبناني، وربما يكون ذات فائدة للبنان والعرب عموما، السعي لإذابة الجليد في العلاقات السورية والسعودية والمصرية، عبر الانفتاح على النظام السوري بتجاوز بعض الملفات ودعمه سياسيا واقتصاديا، تسهيلا لخروجه عن طاعة ولي الفقيه الإيراني، لأنه ليس من مصلحة أحد سوى إيران استمرار القطيعة السورية السعودية، وأعتقد أن النظام السوري لديه الاستعداد للبعد عن الطرف الإيراني بقدر تقاربه مع الأطراف العربية خاصة السعودية والمصرية، بدليل تجرؤه على الاعتراف بالمفاوضات السورية الإسرائيلية في تركيا، وما يشاع من أنباء عن تذمر إيراني حاد، وصل إلى حد الهجوم العلني على النظام السوري في بعض المحافل الإيرانية بحضور رئيس وزرائها أحمدي نجاد.
هل تكون خطوة سعودية أم وساطة قطرية؟
هذه الخطوة المطلوبة تجاه النظام السوري إما أن تكون بمبادرة سعودية شجاعة، ليس مستبعدا على القيادة السعودية اتخاذها، أو ربما تبادر لها الحكومة القطرية، بعد نجاح وصفتها السحرية في المشكلة اللبنانية، وهي خطوة ضرورية ومستعجلة، لأن تفاصيل المصالحة اللبنانية فيها من الثغرات في بعض التفاصيل، ما يترك الباب مفتوحا لبعض الأطراف كسورية وإيران تحريك رجالها في المعارضة للعودة للتأزيم، خاصة إعطاء المعارضة الثلث المعطل في مجلس الوزراء اللبناني، مما يعني أن المعارضة قادرة على تعطيل أي قرار للحكومة اللبنانية، وهذا سيقود لشلل كامل في الأداء الحكومي، لن تنفع معه نزاهة الرئيس الجديد العماد ميشيل سليمان، وتأكيده على أنه سيرعى استمرار المصالحة من خلال كونه رئيسا للبنان ولكل اللبنانيين.....لذلك نقول بعد الترحم على ضحايا الانقلاب العسكري الإلهي وما نتج بعده (رب ضارة نافعة) و (اللهم نجّنا مما هو آت).
[email protected]