1من 2

ركز السيد رئيس الوزراء العراقي الدكتور نوري المالكي في خطابه الاخير في العاصمة السويدية على ثلاث نقاط جوهرية وهو يستعرض إنجازات حكومته.
النقطة الأولى حول الوضع الامنية، مختصرا ذلك في تراجع حدة العنف بنسبة 80 بالمائة عما كانت عليه في سنة 2006، والنقطة الثانية مشروع المصالحة الوطنية، والنقطة الثالثة أن القوات المسلحة العراقية بلغت في زمنه حد التكافؤ مع حاجات العراق الامنية.

يبدو لي ان السيد رئيس الوزراء متاثر في صياغة خطابه السياسي باخر نموذج فكري تم صياغته حول (المخ السياسي)، والذي يدعو إلى تمرير الكلام أو الخطاب وكأن مضمونه لا يحتاج إلى نقاش! هكذا يقول (دروي واستن) عالم الاعصاب الامريكي وصاحب أروع نظرية عن المخ السياسي، وانا متاكد أن السيد رئيس الوزراء أو أحد مستشاريه قد قراه بإمعان وتدبر!
أحمد الله أن السيد رئيس الوزراء لم يقل (حل الامن) في العراق، واكتفى بما يفيد تراجع العنف ! لست أدري ربما تمعن جيدا بالمصطلح فاستعمله الان بدقة، وهو الطلب الذي طالما تقدمنا به للسيد المالكي في أعداد خطابه السياسي، وكنت قد نبهت عشرات المرات في نقدي لخطابه على هذه النقطة الحساسة!
وعلى اي حال، فإن تراجع العنف في العراق حقيقة لا ينكرها احد، ولكن هل هو إنجاز حكومة المالكي بالدقة؟
في البصرة أم في مدينة الثورة؟
كانت الطائرات الامركية هي التي أنقذت رأس السيد رئيس الوزراء من نهاية محتمة، فقد حاصرت قوات جيش المهدي مقر إقامته، فما كان من السيد رئيس الوزراء إلا الاستنجاد بالطائرات الامريكية والبريطانية لتخليصه من مصير مأساوي، فأين هي القوات العراقية التي كان الواجب أن تؤدي مثل هذا الواجب؟
السيد المالكي يبدو لي قرا كتاب عالم الاعصاب الامريكي في المخ السياسي ولكن كما يبدو لي أيضا، أنه لم يحسن التطبيق! مع العلم وكما يقول عارفوه إنه كان رجل تنفيذ في حزبه قبل أن يكون رجل تنظير!
ونعود لعملية البصرة...
لا يخامرني شك أن أي مواطن عراقي شريف فرح أي فرح في هذا التراجع الكبير لظاهرة العنف في البصرة الحبيبة، ولكن هل هو سلام ستراتيجي؟
لا بطبيعة الحال!
خاصة وإن سلام أي محافظة في ا لعراق مرتبط بسلام كل محافظلت العراق، فليس في مقدور الجيش العراقي الحالي ألمحافظة على أمن كل العراق كما هو معروف...
إذن أين نضع استخدام الامريكان لطائراتهم العملاقة في ضرب جيش المهدي، وأين نضع القوات الامريكية الخاصة التي شاركت أخيرا في المعركة؟
الامريكان شياطين!
يدعون السيد رئيس الوزراء يدخل في المعركة، الجيش العراقي أقصد، وفيما تصل أزمة الجيش العراقي الذورة في المعركة يدخل الامريكان آخيرا؟
ما هو السبب؟
ليقولوا للاخر، أنك دوننا دون المستوى!
لقد صرح السفير الأمريكي بعظمة لسانه، أنهم أنقذوا راس المالكي، لقد صرح بذلك في نهاية العمليات، فهو إذن خبيث، يعرف متى يضرب طلقته المميتة! لقد جاء تصريحه بعد تصريح للسيد المالكي جسد ذورة نشوته بما تحقق في البصرة.
مرة أخر ى يبدو لي أن السيد المالكي أو أحد مستشارية متاثر بنظرية العالم الامريكي واستن حول المخ السياسي، وما يدرينا، فلعله احد مستشاريه قدم له ترجمة وافية بالنظرية، أو احد الامريكان، والسيد المالكي صديق امريكا، فهو يستأهل مثل هذه الهدية، ولكن للاسف الشديد أساء تطبيقها!
لقد تم أخماد التمرد أو العصيان أو الخروج على القانون في مدينة الثورة ، ولكن مهلا، إذ استخدمت حكومة المالكي(!) قوة هائلة ، طائرات ومدافع هاون وحصار وعمليات قصف مذهلة، ودامت العملية اكثر من اسبوعين، فإن هذا يعني بلا شك أن الجهة التي كانت محل الهجوم قوية وشرسة ومتمكنة ومتجذرة في المدينة، ولست معنيا بهذه النقطة الان، ولكن ألذي أريد قوله هنا، إن العنف الهائل لاخماد عنف مضاد يخلق أمنا سطحيا!
السيد رئيس الوزراء العراقي لم يميز بين الامن الظاهري والامن الحقيقي، وظني أنه يعرف كثيرا عن معنى الامن القومي الذي يؤكد أن هناك قوة قاهرة حتما، ولكن ليس شرطا أن القوة القاهرة خارجيا قادرة على خلق طاعة داخلية ! أي ليست القوة القاهرة خارجيا قادرة بالضرورة على تجيير الداخل لصالحها، لصالح اهدافها، لصالح مرادها.
هل أملك دليلا على ذلك؟
نعم، إذ دخل الجيش العراقي بصلح وليس بفتح!
لم يكن الجيش العراقي فاتحا، أبدا، لقد دخل وفق مبادي صلح، وإن انكر السيد المالكي هذا الصلح، مدعيا إنه جهود فردية تشجع عليها الحكومة وليس عملا يمت بصلة إلى الحكومة بشكل جوهري، ولكن السيد المالكي هنا أيضا لا يجيد تطبق مبادي نظرية المخ السياسي لصاحبنا الامريكي، على فرض أنه قراها أو قراها أحد مستشاريه، فإن تحليل العملية ينتهي بأن الجيش دخل في ظل توافق مع الجهة المستهدفة ولم يدخل فاتحا.