من مفكرة سفير عربي في اليابان
تغنى أدباء العرب بجمال الخصر، وتغزل الشعراء بصغر حجمه، وتهافتت شركات الأعلام لإبراز مفاتنه، وتنافست الفتيات لإظهار نحافته، ويقال بأن العقل السليم في الجسم السليم، فهل هناك علاقة بين نحافة الخصر وسلامة الجسم وصحته؟ وما هو الميتابولك سيندروم؟ وما علاقته بالخصر النحيل؟
المتابولك سيندروم تعبير باللغة الانجليزية للمتلازمة الأيضية، وهي مجموعة من الاضطرابات الصحية المتميزة بالبدانة المركزية وارتفاع الضغط وزيادة سكر وشحوم الدم. وتتميز البدانة المركزية باختفاء الخصر النحيف وزيادة شحوم داخل وخارج البطن. وبينت الأبحاث العلمية بأن تجمع الشحوم داخل البطن وحول الأمعاء يؤدي لزيادة إفراز كميات كبيرة من مادة السيتوكين المسئولة عن زيادة الالتهابات حول الخلية ومقاومتها لدخول الأنسولين. ومن وظائف هرمون الأنسولين هو نقل سكر الجلوكوز من الدورة الدموية لداخل الخلية لاستخدامها كمصدر للطاقة أو لتخزينها. ويترافق نقص الأنسولين بداخل الخلية، لقلة استهلاك السكر فيها، مما يؤدي لزيادة كمية السكر في الدم والإصابة بداء السكري. وتؤدي البدانة لزيادة شحوم الدم، وتزداد خطورة الإصابة بأمراض انسداد الشرايين حينما تجتمع زيادة الشحوم في الدم مع داء السكري وزيادة الضغط.
وترتبط خطورة الميتابولك سيندروم مع نسب زيادة البدانة، لذلك يجب التفرقة بين زيادة الوزن والبدانة. وتعبر زيادة الوزن عن ارتفاع الوزن عن نسبه الطبيعية، بينما تعرف البدانة بارتفاع كمية شحوم الجسم لأكثر من 20% من الوزن. وقد بينت استطلاعات الرأي بأن 65% من مواطني الولايات المتحدة يصفون أجسامهم بزيادة وزنها، بينما تنخفض هذه النسبة بين الشعب الياباني لحوالي 24%. وترتفع نسب البدانة في أمريكا لحوالي 30%، وتقدر نسبة انتشار المتابولك سندروم بين مواطنيها لحوالي 25%. وقد كانت نسب البدانة سابقا في اليابان حوالي 3%، ولكنها استمرت في الارتفاع بسبب تغير نمط الحياة بين مواطنيها. وقد بينت الإحصائيات الحكومية الأخيرة ارتفاع نسب البدانة وداء السكري والضغط وجلطات القلب والشلل الدماغي والسرطانات. وقد علق الدكتور الياباني شنبوبوتاسوي في صحيفة الغاردين البريطانية بالقول: quot;كان الشعب الياباني يعتمد في طعامه على الأغذية الغنية بالبروتينات، ولكن خلال العقود القليلة الماضية زاد الاعتماد على الأغذية الغنية بالشحوم الحيوانية وهذه أساس المشكلة. وحينما تزداد البدانة في الطفولة يكون من الصعب جدا التخلص منها في مرحلة الكهولة.quot; فقد أعتمد المجتمع الياباني لقرون طويلة على الأغذية الغنية بالبروتينات والألياف كالأسماك والخضروات والرز والفاكهة، وطبخ الشوي والسلق، وأستخدم في مواصلاته المشي والقطارات. بينما أزداد اعتماده اليوم على اللحوم والشحوم الحيوانية والحلويات المليئة بالسكر والزبده، والطبخ بالقلي، واستخدام السيارة.
وقد أدى النمط الغذائي المعاصر وزيادة استخدام السيارة في المواصلات لارتفاع متصاعد لنسب البدانة بين الشعب الياباني. فارتفعت البدانة بين الرجال فوق الأربعين من 23% في عام 1980 إلى 34% عام 2003. كما زاد عدد المرضى المصابين بداء السكري لمليونين بزيادة قدرها 53% عن ما كانت عليه قبل خمسة عشرة عاما. وأرتفع عدد المصابين بالبدانة المركزية لعشرين مليون، كما أن حوالي 50% منهم مصابين بالميتابولك سيندروم.
ويشترط أطباء اليابان لتشخيص المتابولك سيندوم تواجد عدة صفات سريريه ونتائج مختبريه. والميزة السريرة الهامة هو زيادة مقياس الخصر عن الخمس والثمانين سنتمتر في الرجال والتسعين سنتمتر في النساء. ومن الضروري أن تترافق هذه الصفة السريرة بارتفاع الضغط لأكثر من 130/85، وارتفاع نسبة سكر الدم لأكثر من 110 ملغ/ دسيليتر. وقد تترافق بارتفاع نسب شحوم الدم إلى 150ملغ/ ديسيلتر، مع نقص نسبة الهي دنستي ليبوبروتين لأقل من 40 ملغ/ دسيليتر. وقد أكدت الأبحاث اليابانية بأن خطر الإصابة بالجلطة القلبية تزداد لستة أضعاف حينما تترافق زيادة عرض الخصر مع زيادة سكر وشحوم الدم. بينما يزداد هذا الخطر لخمسة وثلاثين ضعفا إذا أضيف لذلك ارتفاع الضغط. فأرجو أن ينتبه عزيزي القارئ لهذه الملاحظة مرة ثانية لأهميتها وهي بأنه يزداد خطر الإصابة بجلطة القلب لخمسة وثلاثين ضعفا أذا اجتمعت زيادة عرض الخصر مع زيادة الضغط وارتفاع نسبة السكر والشحوم في الدم.
وقد صدر من البرلمان الياباني تشريعا إلزاميا في الشهر الماضي يهدف لخفض نسبة المتابولك سيندروم بين المواطنين. ويلزم هذا القرار سبعة وخمسين مليون مواطن تتراوح أعمارهم بين الأربعين والرابعة والسبعين للفحص للتأكد من عدم إصابتهم بالمتلبولك سيندروم. ويتوجه هولا المواطنون للمراكز الطبية ليقوم الأطباء بقياس عرض الخصر والضغط وأخذ الدم لمعرفة نسبة السكر والشحوم. وتتوقع وزارة الصحة اليابانية بأن يؤدي هذا القرار لمعرفة عدد المصابين بالمتابولك سيندروم وتوجيهم للعلاج للوقاية من مضاعفاته الخطيرة. ويقوم الأطباء بإرشاد المصابين بهذا المرض لتغير نمط حياتهم بممارسة رياضة المشي يوميا لمدة نصف ساعة، والالتزام بتغذية متوازنة في سعراتها الحرارية وغنية بالأسماك والرز والبقوليات والخضروات والفواكه والسلطات، وقليلة في الشحوم واللحوم الحمراء والسكريات. كما يقوم الأطباء المختصون بإجراء الفحوصات اللازمة لشرايين القلب والمخ حسب شدة الأعراض المرافقة، بالإضافة لعلاج ارتفاع الضغط وداء السكري وزيلدة نسب شحوم الدم.
ويتوقع الأطباء بأن يؤدي التشخيص المبكر للمتابولك سيندروم لخفض مضاعفات مرض السكري والضغط، وهبوط نسب الجلطة القلبية والشلل الدماغي، بل وحتى انخفاض نسب السرطانات، حيث تؤكد الأبحاث الجديدة علاقة السرطان بزيادة الوزن. كما سيؤدي انخفاض مضاعفات المتابولك سيندروم لهبوط التكاليف الصاروخية لتشخيصها وعلاجها بالأدوية والعمليات المعقدة. وتقدر إحصائيات الحكومة اليابانية بأن علاج الإمراض المتعلقة بالميتالك سيندروم تكلف ثلث ميزانية الرعاية الصحية اليابانية. كما تتوقع وزارة الصحة اليابانية بأن الاكتشاف المبكر للمتابولك سيندروم، وتوجيه المواطنين لسلوك غذائي صحي، سيخفض تكاليف الرعاية الصحية عشرين مليار دولار مع نهاية عام 2025. وقد بين المسح الطبي لعام 2006 بأن هناك عشرة مليون مواطن ياباني مصابين بالمتابلوك سيندروم، وحوالي ثلاثة أرباع من تم متابعة علاجهم في العام الماضي قد التزموا بسلوكهم المعيشي الصحي في التغذية السليمة والرياضة المستمرة.
والسؤال لعزيزي القارئ هل تحتاج دولنا العربية لوضع خطة لكشف نسب البدانة المركزية في مجتمعاتنا؟ وهل ستصدر برلماناتنا العربية قرار ملزم لاكتشاف الميتابولك سيندروم والوقاية من مضاعفاته الخطيرة وخفض تكاليف علاجها؟ وهل سيقوم كل مواطن عربي اليوم بقياس خصره وضغطه وفحص نسب السكر والشحوم في دمه ليبداء سلوك حياتي غذائي صحي مع التمارين الرياضية اللازمة للوقاية من جلطة القلب والشلل الدماغي؟
سفير مملكة البحرين في اليابان