لا أعرف من أين جاءت كلمة quot;الحداثةquot;، وبينى وبينكم لا أعرف على وجه الدقة ما المقصود بها ولماذا ظهرت فجأة فى السنوات الأخيرة، عندما كنا صغارا لم نكن نسمع تلك الكلمة ولكنهم فلقونا بكلمة quot;التقدميةquot; وقسموا لنا البلاد العربية إلى بلاد تقدمية وبلاد رجعية، فالبلاد القومية كانت تقدمية مثل مصر وسوريا والعراق، والبلاد المعارضة للقومية مثل بلدان الخليج وقتها كانت تعتبر بلادا رجعية، أما الآن فأصبحت هناك إنقسامات وتقسيمات من نوع آخرlsquo; فحسب تقسيمات quot;أمير المؤمنينquot; أسامة بن لادن، هناك فسطاط الإيمان وفسطاط الكفر، كل من يؤمن بأفكار بن لادن وأتباعه فهم من فسطاط الإيمان، وكل من يختلف معهم فهو من فسطاط الكفر، يعنى ما فيش ياأمة إرحمينى، وأيضا قسّم فضيلته العالم إلى دار سلم ودار حرب، أنت معنا فأنت فى دار السلم، أنت ضدنا فأنت فى دار الحرب، وكان من أتباع هذه النظرية، مولانا quot;جورج بوشquot; حيث قال بعد أحداث 11 سبتمبر أن من ليس معنا فهو مع الإرهاب، أما إخواننا الليبراليون فقد قسموا العالم أيضا إلى قسمين: أنت معنا فأنت تؤمن بمبادئ الحداثة، أو أنت ضدنا فأنت متطرف وإرهابى، والكل يرتكب نفس الغلطة ألا وهى تقسيم الناس والأشياء بسذاجة شديدة إلى أبيض وأسود.
والإستقطاب والتعصب الشديد والذى نشاهده فى العالم اليوم شرقا وغربا وظهور الحركات المتطرفة والتى تقتل الناس فى المساجد والأفراح والأتراح (لا فرق)، وبدلا من قبول الآخر أصبح التطرف هو سمة العصر، وعند قيام التطرف الذى إرتدى عباءة الدين الإسلامى ظهر فى على الجانب الآخر تطرف آخر يرتكب نفس الأخطاء والذى يعاير الطرف الآخر بإرتكابها، ورغم إقتناعى بأن التطرف دائما يبدأ كأقلية إلا أن إستسلام الأغلبية له وتسليمه مقدراتها هو من أخطر ما يمكن، كما شاهدنا فى تاريخ ألمانيا الهتلرية، عندما سلم شعبا متعلما ومتحضرا مثل الشعب الألمانى مقدراته لمتطرف مثل هتلر والذى نادى بما ينادى به المتطرفون اليوم والأمس وغدا، وهو أننا quot;أجدع ناسquot; ويجب القضاء على الآخر لأنه يكرهنا ويتآمر علينا ويقف حجر عثرة فى طريق تقدمنا! ولكن هناك دائما بعض العقلاء والذين يعملون عمل المسحراتى لإيقاظ الناس قبل فوات الأوان، وطلع علينا هؤلاء العقلاء بتعبير الحداثة، وأرجو من ثقاة الحداثيون أن يخبروننا من أين جاءت تلك الكلمة، وهل لها أصول فى اللغة الإنجليزية أم الفرنسية أو البوركينا فاسوية؟!
فهل الحداثة مقصود بها التقدم والتحضر، أم يقصد بها شئ آخر لا نفقه نحن بسطاء الشعب، لأننا معشر البسطاء نفهم شيئا واحدا ألا وهو quot;الحداقةquot;، لذلك عملا بالموضة الحالية قمنا بتقسيم العالم قسمين: أنت معنا..يعنى quot;وادquot; حدق تؤمن ب quot;الحداقةquot;، أم أنك quot;واد سكّةquot; لا تؤمن بها فسوف نتهمك بquot;الحداثةquot;، وحيث أننا لا نفقه على وجه اليقين معنى الحداثة، فإننا نفضل quot;الحداقةquot;، وأهو quot;إللى نعرفه أحسن من إللى ما نعرفوشquot;.
والحداقة لمن لا يفقه اللهجة المصرية تعنى quot;الفهلوةquot;، وإذا كنت لا تعرف ما هى الفهلوة، فهى تعنى :أن تكون واد
مفتح و quot;حرّكquot; بكسر الحاء وتشديد الراء وتسكين الكاف، ولا أستطيع أن أشرح الفهلوة أكثر من ذلك، وإذا لم تفهم معنى الكلمة فأنصحك بعدم إستكمال قراءة هذا المقال!
وإذا كانت الحداثة تعنى شيئا، فإن quot;الحداقةquot; تعنى اللاشئ، مثل المنتمى واللامنتمى (على حد قول عمنا كولن ولسن).
الحداثة على حد علمى تعنى النظر للأمام بأمل والنظر للخلف بغضب على حد قول الكاتب المسرحى البريطانى quot;جون أوزبورنquot; عندما كتب مسرحيته الشهيرة عام 1956 quot;إنظر خلفك فى غضبquot;، أما الحداقة فتعنى أن تنظر حولك و تنظر أمامك بعض الأحيان وتنظر خلفك أحيانا أخرى وتنظر للاشئ معظم الأحيان وخاصة عندما تكون quot;متسلطنquot;.
الحداثة تعنى الإنسان بغض النظر عن أصله وفصله وجنسه ودينه وجيبه، أما الحداقة فتعتنى بإنسان واحد هو quot;أناquot; ومن بعدى الطوفان، تقطع حق جارك فى طابور العيش، كما تقطع إشارة المرور الحمراء، وترشى وترتشى وتفتح مخك، تأخذ حق غيرك مادام لم يضبطك أحد وإذا ضبطك أحد فإبتسم وقل له:quot;معلهشquot;.
الحداثة تعنى الأخذ بما إنتهى إليه الآخرون، أما الحداقة فهى تعنى أننا لا نحتاج إلى أخذ أى شئ من أى أحد، فإحنا إللى دهنا الهوا دوكو، وإحنا إللى خرمنا الأوزون، وإحنا أجدع ناس فى العالم، ولنا الصدر دون العالمين أم القبر،وإذا بلغ الرضيع لنا فطاما تخر له الجبابر ساجدينا.
الحداثة تعنى الحفاظ على حقوق المرأة والأقليات والطفل، أما الحداقة فتقول أن الأقليات مثلها مثل المرأة والطفل (ما يجوش إلا بالضرب على دماغهم).
الحداثة تعنى العيش بسلام مع كل شعوب الأرض بسلام، أما الحداقة فتعنى أن تتغدى بيهم قبل أن يتعشوا بيك.
الحداثة تعنى الإلتزام بالقوانين وتطبيقها على الجميع، أما الحداقة فمن أهم ركائزها أن القوانين لا تطبق إلا على الناس السكّة والغلابة والذين لا يعرفون كيفية الخروج من أكبر جريمة إلى أصغر مخالفة مرورية مثل الشعرة من العجين!!
الحداثة تعنى نشر التعليم والثقافة الحديثة، أما الحداقة فتقول أننا نفهمها وهى طايرة، وأننا لسنا فى حاجة إلى quot;العلامquot;.
الحداثة تعنى الإطلاع والقراءة اوالتفكير، أما الحداقة فتقول بأن القراءة لا يجئ منها إلا وجع الدماغ، وربنا يبعد عنكم شر quot;الفكرquot;.
الحداثة تعنى النظام والحداقة تعنى الفوضى، فإلى أى جانب تقف أنت إلى جانب الفوضى أم إلى جانب النظام، أما أنا فأؤمن برأى الدكتورة كاندليسا رايس ب quot;الفوضى المنظمةquot; أو الفوضى الخلاقة كما أطلقت عليها بسلامتها!!
quot;والحدق يفهمquot; !!
[email protected]