سبقت السفارة البريطانية في أبو ظبي نظيرتها الأميركية في إعلان التحذير لرعاياها البريطانيين الموجودين في دولة الإمارات العربية المتحدة من وجود quot;تهديد عال بالإرهابquot;، وهو مستوى انذار دونه مستويان هما quot;التهديد الكامنquot; وquot;التهديد المنخفضquot;، ورفضت وزارة الخارجية البريطانية في الوقت نفسه الإفصاح عن أي تفاصيل عن سبب التحذير، وهو ما دفع الكثير من الكتاب والمحللين السياسيين والخبراء في مجال الإرهاب خاصة تنظيم quot; القاعدة quot; إلي طرح العديد من الأسباب والاحتمالات والسيناريوهات المتوقعة.
وفي تصوري أن كل الاحتمالات مفتوحة والأسباب معقولة، ولكن السبب الجوفي ndash; إن جاز هذا التعبير ndash; هو أن الإمارات أصبحت رمزا للتسامح وللتعايش والأمان والأستقرار، في هذه البقعة الملتهبة بالعنف والتعصب والكراهية والخوف، وهو ما يفضح نوايا وأهداف تنظيم القاعدة فضلا عن حقيقته. وحسب صحيفة quot;نيويورك صنquot; الأمريكية فإن الإمارات أثبتت أنها أكثر تسامحا مع اليهود من مصر والأردن وموريتانيا وهي الدول التي لها علاقات دبلوماسية مع إسرائيل.
في شهر سبتمبر الماضي 2007، أشاد تقرير الحرية الدينية الأمريكي بالتسامح الديني السائد في دولة الإمارات العربية المتحدة، مثمناً دور مركز شؤون الإعلام لنائب رئيس مجلس الوزراء في دعم وترسيخ ونشر ثقافة التسامح من خلال أنشطته وفعالياته التي شاركت فيها قيادات دينية مسيحية عالمية، بينما اتهم التقرير كل من مصر والعراق وإيران بتراجع الحريات الدينية خلال العامين 2006 ndash; 2007.
قبل أشهر قليلة نظمت إمارة دبي مهرجانا للمفكرين والمثقفين استهدف تعريف شباب الإمارات بأفضل العقول العالمية، وشارك في المهرجان 100 من كبار الشخصيات في العالم و16 من الحاصلين علي جائزة نوبل، بينهم عدد كبير من اليهود أبرزهم quot;ماريون ويزلquot; مديرة مؤسسة quot;ايلي ويزل الإنسانيةquot; التي تحمل اسم الحاصل علي جائزة نوبل للسلام عام 1986، والذي انتقد بشدة حزب الله أثناء الحرب اللبنانية الأخيرة وشكك في التوجهات الفلسطينية نحو السلام، ورفض استخدام مصطلح الاحتلال الإسرائيلي لوصف إخضاعها للأراضي الفلسطينية. يذكر أن ماريون زوج ايلي ويزل.
وقد أشار الإعلام الأمريكي إلي دهشة الضيوف من الاستقبال الحار من قبل وزير التعليم العالي الإماراتي الشيخ quot;نهيان مبارك آل نهيانquot;، مشيرا إلي أنquot;ماريون ويزلquot; جلست إلى جواره على المائدة نفسها في العشاء الختامي للمهرجان. وأبرز أيضا التطورات الإيجابية والتحسينات على مستوى حرية الأديان، وأثرها الفاعل في إشاعة روح المودة والحوار بين الأديان وفي توطيد التعايش الإنساني، خاصة ندوة quot;خليفة وثقافة التسامحquot; التي عقدت بمركز شؤون الإعلام وتحدث فيها الراعي البابوي الدكتور باول هندر، ممثل الفاتيكان في الخليج العربي وأسقف كاتدرائية القديس يوسف الكاثوليكية والذي أكد في محاضرته إن دولة الإمارات العربية المتحدة مستمرة في توفير الظروف التي تمكّن الناس مـن ذوي النوايا الطيبة من العيش معاً والتعبير عن عقائدهم برفق متبادل لخير الجميع، كما أنها تقوم بتعزيز التفاهم بين الشعوب في هذا العصر الذي يتسم بكثير من سوء الفهم، مما يسهم في تحقيق السلام والعدل بين شعوب العالم.
والواقع ان دستور دولة الإمارات ينص على حرية الدين طبقا للتقاليد المتبعة، رغم أن الدستور الاتحادي ينص على أن الإسلام هو الديانة الرسمية للإمارات السبع. ووفقا للتعداد الأول للدولة في 2001 فإنه من العدد الإجمالي للسكان الذي يصل إلى 4.04 مليون نسمة توجد نسبة 76 % من المسلمين، و 9 % من المسيحيين، و 15 % من الديانات الأخرى. وتوجد مجموعة صغيرة من السكان المقيمين عددهم غير معروف من اليهود، ولا توجد أية نوازع أو تصريحات معادية للسامية.
والمفارقة هي أن معظم دساتير دول منطقة الشرق الأوسط، مثلها مثل دستور دولة الإمارات، تنص علي حرية الدين والمعتقد، بل وتقر المساواة بين جميع المواطنين أمام القانون، بصرف النظر عن اللون أو الدين أو الجنس. بيد أن هناك فارق كبير بين النص والواقع، كما يؤكد دائما العلامة القانوني الدكتور سليم نجيب فقد يتضمن الدستور وهو أسمى القوانين وأعلاها شأنا نصوصا عن المساواة والحرية واحترام حقوق كل الأفراد، ثم يكشف لنا الواقع والتطبيق عن انتهاك هذه النصوص الدستورية وبالتالي يتأكد الانفصال بين الواقع ونصوص القانون.

أستاذ الفلسفة جامعة عين شمس
[email protected]