*القسم العلمى فى الثانوية العامة سينقرض، والهجرة الجماعية للقسم الأدبى سببها كراهية العلوم.
*إسرائيل تنفق على البحث العلمى ثلاثة أضعاف كل الدول العربية.
* نسبة العلماء فى إسرائيل عشرة أضعاف العلماء العرب، وعدد العلماء اليهود الحاصلين على جائزة نوبل فى الفيزياء 45.

[ ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان..وليس بالقسم الأدبى وحده تحيا الشعوب!!، مصر الآن بها هجرة جماعية لشباب الثانوية العامة المقبل على الحياة من القسم العلمى إلى الأدبى، النسبة تتضخم والفجوة تتزايد بصورة سرطانية، فثلثا طلبة الثانوية أصبحوا فى القسم الأدبى، نسبة الثلثين نسبة مزعجة تنذر بعواقب وخيمة على الوطن، فمصر المحروسة لن تتقدم بالشعر رغم أهميته ورغم أننى شخصياً أعشقه، مصر بالفعل تحتاج إلى شعراء ودواوين، ومصر تحتاج إلى أبيات وقصائد، ولكنها تحتاج أكثر إلى علماء ومنهج علمى وبناء علمى، لا أرفض أن ينهض الشعر وتزيد الروايات وتتراكم القصص بل ويسعدنى ذلك، ولكن مايحدث فى مصر من هجرة الطلبة إلى القسم الأدبى ليس حباً فى الشعر ولا فى الرواية ولا عشقاً للتاريخ والفلسفة، فهؤلاء الطلبة للأسف لايكرهون شيئاً فى الكون قدر كراهيتهم للغة العربية وللفلسفة وللتاريخ....إلى آخر هذه المواد المملة التى يعبرون عن كرههم لها بتمزيقها بعد الإمتحان وركلها بالأقدام فى طقس إنتقامى جماعى أمام لجان الإمتحان، إذن ماهو السبب الحقيقى فى هذه الهجرة إلى القسم الأدبى؟، هل هى حب لعلى أم كراهية لمعاوية؟!.

[ السبب الحقيقى كراهية هؤلاء الطلبة للعلم والتى نماها المجتمع بداخلهم فكبرت كالنمر الجائع داخل وجدانهم وعقولهم وإلتهمت أى بادرة أمل فى تبنى منهج علمى أو مجرد تفكير فى تغيير أولويات أجندة العداء للعلم، والأسباب كثيرة منها ماهو عام ومتعلق بالمجتمع ككل، ومنها ماهو خاص ومتعلق بنظام التعليم، السبب العام هو كراهية مجتمعية عامة وشماتة جماعية فى العلم وخصام وطنى من كافة الناس والمؤسسات للمنهج العلمى فى التفكير، وقد كتبنا فى هذا الموضوع مراراً وتكراراً وأمامكم ظواهر إنتشار الدجل والخرافة والأخطر العشق والغرام لهذا التفسير الخرافى، أما السبب الخاص المتعلق بنظام التعليم فهى كثيرة لاتحصى، ولكن أهمها أن نظام التعليم يعتمد على الحفظ والإستظهار حتى فى المواد العلمية وهذه هى الكارثة، فالشعر وقواعد اللغة من السهل حفظها بل من الواجب حفظها، ولكن الفيزياء والكيمياء والبيولوجى تحتاج إلى معامل وتفاعل ومنهج بحثى وإبتكار، وبالطبع المعامل فى المدارس صارت رجساً من عمل الشيطان، وتحول العلم التجريبى إلى ألفية بن مالك فى أوكارالدروس الخصوصية، وكلما يسأل الطالب كيف جاءت هذه الفكرة أو تحققت هذه المعادلة، يزجره المدرس قائلاً جت كده...إحفظها كده!!، وعندما يسأله عن التجربة المعملية، يصرخ فيه المدرس تخيلها ياأخى ..إرسمها فى مخك....إلى آخر هذه الفانتازيا الكوميدية المأساوية التى نتخيل فيها أننا علمنا أولادنا العلم فيستيقظون على وهم، ويدركون فى وقت متأخر أنهم قد أمسكوا بالسراب، ومادامت المسألة حفظ فى حفظ فإن الطلبة يختارون الحفظ الأسهل، فعلى الأقل الشعر فيه موسيقى وسجع وجناس يسهل للمرء أن يحفظ ويتذكر، لكن الفيزياء والكيمياء والأحياء بلا موسيقى أو سجع فلنتركهم فى حالهم، هكذا
يفكر الطلبة، وهكذا تتكدس أقسام الأدبى فى الثانوية العامة.

[ المدهش فى الأمر أننا نصرخ كل يوم بسؤال جارح وهو لماذا تفوقت علينا إسرائيل؟، وكيف نتفوق عليها؟، الإجابة معروفة وواضحة وضوح الشمس، إنه العلم، فإسرائيل بها عدد من الشعراء موجود مثله فى أى حارة عربية أو زقاق مصرى، ولكن بها عدد من العلماء أضعاف أضعاف العرب مجتمعين!!، شئ مخجل ومفزع ومأساوى أن يربض على الحدود وحش مجهز بالنووى وبالعقل الذى يشغل النووى، والأهم بالمنهج الذى سيجعله محافظاً على التفوق النووى والزراعى والمعلوماتى والطبى ..........الخ، هذا هو المهم،وهذا الذى نتناساه دائماً ونتجاهله عمداً مع سبق الإصرار والترصد، ولكن قبل أن نجيب على كيف صنعت إسرائيل هذا الإنتصار العلمى والتفوق التكنولوجى؟، هل هو الدعم الأمريكى فقط الذى نردده ليل نهار؟، أم هو منهج منظم إتبعه هذا الشعب اليهودى حتى من قبل أن تنشأ الدولة الإسرائيلية؟؟؟!،قبل أن نجيب نطلع على بعض الأرقام للمقارنة بين حالنا العلمى وحالهم العلمى.

[ الأرقام مرعبة، والمقارنة بيننا وبين إسرائيل فى مجال العلم التجريبى ليس فى صالحنا علىالإطلاق، وقد إستندت تهويناً على النفس وضحكاً عليها أرقاماً من أعوام مضت، لأننى لو إخترت أرقام هذا العام لكانت دعوة صريحة للإنتحار، فالفجوة لاتزيد كل عام فقط بل إنها تزداد عمقاً كل دقيقة!، وأنا لا أكتب هذه الأرقام من باب جلد الذات، ولكن من باب أن نعرف ونفهم ونستعد ونثق فى أن الباب
الوحيد الذى سندخل منه إلى الحضارة هو العلم، وأننا لن نستطيع أن نتفوق بل أن نجارى الإسرائيليين إلا بالعلم، لايمكن أن نتفوق على الصهاينة بألفية بن مالك وفتاوى بن باز وبلاغة الزمخشرى، وهذه هى الأرقام التى هى كالسيف أصدق أنباء:
* منذ عام 1993 بدأت إسرائيل خطة كمبيوتر لكل عشرة طلاب فى روضة الأطفال وإنتهت منها فى 2005.
* نسبة العلماء فى العالم العربى ثلث عالم لكل ألف من السكان أما فى إسرائيل فهو عشر أضعاف هذه النسبة، وقد وفد إلى إسرائيل من الإتحاد السوفيتى وحده من 1989 إلى 1997 أكثر من 70 ألفاً من المهندسين والعلماء!، مما جعلها تصدر تكنولوجيا فقط بمليار دولار سنوياً، وياللعجب تصنع أقماراً صناعية ولا تستوردها ملفوفة بالسيلوفان من فرنسا زى حالاتنا، يعنى هم يصنعون الأقمار الصناعية ونحن فقط ندوس على الريموت ونحن نقزقز اللب.
* نصف وصلات الإنترنت فى العالم العربى منذ عشر سنوات كانت تستحوذ عليه إسرائيل وحدها، ونسبة مستخدمى الإنترنت فيها إلى عدد السكان قد وصل إلى خمسين ضعف الأمة العربية كلها أما فى ماذا نستخدم نحن العرب النت فبلاش نخوض فى هذا الموضوع وعلى من يريد السباحة فى محيط الإنترنت العربى أن يرى كم مواقع زواج الإنس من الجن والفتاوى ورسائل الإرهاب...الخ، أما براءات الإختراع فقد بلغت ألف ضعف.
* نصيب المواطن العربى من التعليم سنوياً 340 دولار، أما الإسرائيلى فهو 2500 دولار، ونسبة مايخصص للبحث العلمى فى إسرائيل 4,7 % من الناتج الإجمالى القومى والمبلغ الذى رصدته إسرائيل للبحث العلمى يفوق كل ماتخصصه الدول العربية بثلاث مرات ونصف، وهى أعلى نسبة فى العالم.
* عدد العلماء اليهود الحاصلين على جائزة نوبل فى الفيزياء 45 عالم وفى الكيمياء 29 عالم، وفى الطب والفسيولوجى 53 عالم!!.

[ كيف تفوقت إسرائيل علمياً؟، هل بالقسم الأدبى؟، هل بدبلومات التجارة؟، هل بالمدارس والمعاهد الأزهرية؟؟، هل كان هم الإسرائيليين ومشكلتهم الأساسية هو تغيير إسم quot;المعهدquot; البلدى البيئة بإسم الكلية الشيك الكلاس؟!، بالطبع لا، ويكفى أن أحكى لكم قصاصات من حكاية أهم معهدين إسرائيليين وهما وايزمان للعلوم ومعهد التخنيون أو التكنيون للتكنولوجيا، لعل هذه القصاصات تفيدنا فى معرفة أن العلم هو منقذنا الوحيد.

[ قصة إنشاء معهد التخنيون قصة لها عدة دلالات وتعبر بشكل حقيقى عن منهج تفكير يعرف جيداً هدفه ومنهجه، العلم هو الحل كان شعار هذا المعهد، أنشئ 1925 أى قبل 23 سنة من إنشاء الدولة، يعنى لم ينتظروا إنشاء الكيان وبعدين يصنعوا علم ، ولكن العكس هو الصحيح عملوا قاعدة علمية قبل إنشاء الدولة، كان أول رئيس لهذا المعهد هو حاييم وايزمان وكان مرشحاً لهذا المنصب أينشتين وإعتذر، وليست مصادفة أن أول رئيس إسرائيلى كان عالماً فى الكيمياء وليس كاتباً للمعلقات!، وإسمعوا كيف تقدم هذا المعهد ولا تتعجبوا من هذا السيناريو، البداية علماء يهود هاربون من جحيم النازية، وصعوبات مالية خانقة، الأساتذة تنازلوا وضحوا برواتبهم!!، ولكى تعرفوا سر التفوق الجوى إسألوا عن قسم هندسة الطيران هناك والذى أنشئ 1949 وقارنوه بقسم هندسة الطيران هنا وهو القسم المكدس بالأساتذة والذى بلا طلاب!!، ولا تندهشوا عندما تعرفون أن قسم علوم الحاسب الألى أنشئ فى الستينات قبل إختراع الكمبيوتر نفسه!، أما الخريجين فحدث ولا حرج، وإليكم بعض الأسماء:
* أندرى برودر الرجل الثانى فى شركة ياهو.
* أودى مانبر الرجل الثانى فى شركة جوجل.
* زئيفى سارسيكى مطور لغة الكمبيوتر.
* أفراهام وهارون الحاصلان على جائزة نوبل فى الكيمياء 2004.

[ قصة معهد وايزمان أكثر إثارة،نفس السيناريو تكرر ففى 1934 أى قبل إنشاء الدولة أيضاً أنشئ معهد دانيال سييف للبحوث الذى أصبح فيما بعد معهد وايزمان للعلوم، أما المعلومات التى لابد أن يتوقف عندها كل باحث فسنقدم لك عزيزى القارئ بعضاً منها، المعهد به 40 مبنى و2500 باحث، خبير التشفير الأول فى العالم أستاذ فى قسم علوم الكمبيوتر إسمه quot; آدى شامير quot;، ميزانية المعهد 2 مليار دولار، يحتل المركز الثانى فى ترتيب جامعات الشرق الأوسط بعد الجامعة العبرية، طور المعهد أكبر كمبيوتر فى العالم، أسهموا فى تطوير عقار علاج اللوكيميا، تطوير النانو تكنولوجى والإسهام فى إكتساح صناعة الماس، تطوير العدسات والزجاج المخفض لدرجة الضوء.......الخ، ونكتفى بهذا القدر.

[ أكتب هذا الكلام والمقارنات والأرقام وقلبى ينزف دماً وعقلى يقترب من الجنون ، ولا أستطيع فى نفس الوقت ان أكتفى بالدعاء عليهم أن شتت شملهم ورمل نساءهم ويتم عيالهم!، لم يجدى هذا الدعاء ولن يجدى، شملنا هو الذى يزداد تفرقاً ونساؤنا هن اللاتى يزددن إنسحاباً من الحياة وعيالنا هم الذين يزدادون تخلفاً!!، هم يتقدمون، ولابد أن نسأل أنفسنا لماذا يتقدمون؟، وأعتقد أننى قد قدمت
الإجابة.