-1-

فصل الصيف من أتعس الفصول عند العرب.
فهو فصل قلة الماء والكلأ وكثرة الغبار والذباب والتنبلة، في كل مكان، حتى بعد أن مَلَكَ العرب مليارات الدولارات، فذلك لم يُغن عن قلة الماء، وكثرة الغبار والذباب والتنبلة. فكان العرب عطشى ووجوهم مُغبرّة في عصر القوافل، وفي عصر البترودولار على السواء. ووصف أحدهم الصيف بقوله quot;لا مرحبا بالصيف من ضيف، فهو عون على الحيات والعقارب، وأم الذباب والخنافسquot; . ولكن الغربيين، حوّلوا هذا الفصل إلى فصل بهجة وسرور، ففيه تنتشر الخضرة في كل مكان وتتعرى الإناث على الشواطئ، وتزهو الدنيا، ويسافر الناس بحثاً عن المتعة والمعرفة. ومن مظاهر هذه البهجة والسرور، أن الألعاب الرياضية بمختلف أنواعها، تتم في هذا الفصل حيث يتابع العالم يومياتها ونتائجها.
-2-
أثبتت الرياضة وخاصة الألعاب الأولمبية، وكأس العالم لكرة القدم، وكأس أوروبا لكرة القدم، أن العولمة التي نهاجمها ونلعنها ونبصق في وجهها ليل نهار وصبحاً ومساءً، هي الطريق الصحيح لنهوض الأمم، وخير البشرية، ونشر السلام والمحبة بين الشعوب.
فممارستنا واندماجنا بالكامل في العولمة الرياضية العفوية، خير دليل على أن العولمة من طبيعة الإنسان وعنصر فعّال من عناصر الحياة. ولولا تدخّل رجال الدين والسياسيين، لكانت شعوب الأرض بألف خير وسلام. فالألعاب الرياضية الأممية، ومنها الألعاب الأولمبية مثلاً، لا يمكن أن تقوم بها أمة واحدة أو شعب واحد، أو فريق واحد. ويجب على كل الأمم أن تشترك فيها، لكي تكون ناجحة وشاملة.
-3-
فكما أن صناعة السيارات مثلاً الآن، تشترك فيها عدة شركات منتجة لقطع السيارة، وتشترك في صناعتها عدة دول، منها من ينتج المواد الخام، ومنها من يصنع الأجزاء، ومنها من يُورّد الأجزاء، ومنها من يتم فيها التجميع، في حين تباع السيارة في أسواق متعددة من العالم، كذلك الحال في كأس العالم لكرة القدم، وكأس الأمم الأفريقية لكرة القدم، وكأس أوروبا لكرة القدم. فقد لاحظنا أن حكام هذه المباريات والمدربين هم من دول مختلفة، واللاعبين لم تقتصر جنسياتهم وهوياتهم على جنسية الفريق أو النادي الذي يلعبون معه. بل إن بعضهم من أميركا اللاتينية أو أوروبا أو أفريقيا أو الشرق الأوسط. وأن المتفرجين والمشجعين من كافة أنحاء العالم. وهم هنا كمستهلكين للمنتج الرياضي. وبذا، تكون قد تحققت العولمة الرياضية في صيغتها العفوية، التي شاهدنا آخرها قبل أيام في دوري كأس الأمم الأوروبية لكرة القدم، والذي فازت به اسبانيا للمرة الثانية في تاريخها.
-4-
إذن، لماذا نقبل بهذه العولمة العفوية في الرياضة، بل نصفق ونبتهج لها، ولا نقبل بها في الاقتصاد، أو في أي مظهر آخر، ونرمي العولمة بأنها صناعة استعمارية غايتها إفقار العالم العربي؟
الجواب بكل بساطة، هو أن الرياضة بعيدة كل البعد عن سلطة رجال الدين المتشددين، وإن كانوا أخيراً قد بدأوا يتدخلون فيها. فقد احتج وندد وتوعد فريق منهم في السعودية لكون بعض جامعات ومدارس البنات في السعودية تقيم مباريات رياضية. واعتبروا ذلك جزءاً من التغريب الشيطاني، الذي يحاول الليبراليون السعوديون تطبيقه على المجتمع السعودي. إلا أن الرياضة ndash; مهما حاول رجال الدين التدخل فيها - تبقى بعيدة من سلطة النصوص المقدسة وسلطة رجال الدين، حيث لم يأتِ القرآن الكريم على ذكر أي نشاط رياضي يمنع الإناث من ممارستها، ولم يصلنا من الأحاديث النبوية غير حديث أو حديثين فقط أشهرهما: quot;علموا أولادكم السباحة والرماية وركوب الخيلquot; والأولاد هنا تعني الذكور والإناث على السواء في القراءة التاريخية. ولو كانت لعبة كرة القدم والجمباز ورمي القلة وغيرها من الرياضات موجودة في عهد الرسول لتمّت إضافتها إلى التوجيه النبوي بممارسة الرياضة. ولكن الدينيين الحرْفيين لا يقرأون النصوص المقدسة قراءة تاريخية، بل يقرأونها قراءة حرْفية ليس من خلال التاريخ ولكن من فوقه، فيمنعون سماع الموسيقى أو ممارستها، والسماح بالدفوف النبوية فقط. ولو كان البيانو والغيتار والعود والكمان وباقي الآلات الموسيقية موجودة في عهد الرسول لتمَّ العزف عليها في ذلك العهد، أسوة بقرع الدفوف النبوية، ولباركها الآن رجال الدين من الحرْفيين وسمحوا بها.
السلام عليكم.