جوهر المشكلة في المعاهدة الامريكية / العراقية واضح ومحدد، حكومة السيد نوري المالكي، او بالاحرى السيد رئيس وزراء العراق المالكي يصر على أن تتضمن المعاهدة تحديد جدول زمني للانسحاب أو تحديد تاريخ مسمى للانسحاب، فيما إدارة بوش تصر على إن الانسحاب من العراق قضية مفروغ منها، ولكن من دون تاريخ محدد، أي يتحدد فيما بعد. وأنا أقول السيد رئيس الوزرا ء فليس من المعلوم إن كل حكومته راغبة أو متطلعة لمثل هذا الطلب.
السيد المالكي سواء كان في طلبه هذا مستجيبا لضغط المرجعية الدينية أو مستجيبا لرغبة طاغية في داخله لمعاجلة ما سوف يكتب عنه التاريخ القريب أو مستجيبا لحسه الوطني يتواجه مع الكثير من المشاكل التي ربما تعترض النزول في طلبه من مستوى النظرية إلى مستوى الواقع...
فأولا وقبل كل شي يصطدم بالرفض الامريكي نفسه، خاصة وإن جوهر إنجازات حكومته كان بدعم إمريكي صرف، بما في ذلك نجاته شخصيا في أحداث البصرة، والجميع يعرف أن إنجازات السيد المالكي الامنية كانت وما زالت معلقة على دعم القوات الامريكية بشكل وآخر. وثانيا هناك طيف بل أطياف عراقية ترى في معاهدة أمركية / عراقية طويلة الامد حماية لها من تداعيات الزمن وتقلبات الاوضاع في المنطقة، بل حماية لها من تهديد أمني مجاور، فضلا عن علاقة بعض هذه الاطياف بالولايات المتحدة الامريكية عميقة وتكاد تكون شبه إستراتيجية ولزمن طويل، وهي على أشد ما تكون من عمق وحميمية اليوم. فيما بعض هذه الاطياف تجد نفسها مهددة الفاعلية والوجود بتعليلات مذهبية وطائفية مما يجعلها تطمئن إلى ضرورة مثل هذه المعاهدة كدرع أو ملجأ لها من هذه المخاطر. وثالثا إن معاهدة إمريكية /عراقية طويلة الامد ليست بعيدة عن رغبة الكثير من العراقيين، على مختلف مشاربهم القومية والمذهبية والسياسية وذلك لاعتقادهم بان التواجد الامريكي في العراق يعد السبب الاعمق لمنع تدهور الاوضاع الامنية من جديد، خاصة وإن ما شهدته الأيام المتاخرة من مكتسب أمني يندرج تحت عنوان تراجع العمليات الارهابية وليس تحقيق أمن مدني بالمعنى العملي، ولعل من الادلة على ذلك استمرار التفجيرات هنا وهناك، واستمرار التواجد العسكري في الشوارع، والاغتيالات ما زالت تطال الكثير من شخصيات البلد المهمة،وإن كان ذلك بمنسوب أقل، كما أن هناك الكثير من إشكاليات الأمن المدني العلمي قائمة منها قضية الصحوات بكل ثقلها المتعب، كذلك ظاهرة المحاصصة ما زالت حاضرة في بنية القوات المسلحة العراقية، والمعلومات تقول إن الكثير من المجاميع الإرهابية لم يتم القضاء عليها بل هي هرب الى دول مجاورة ويمكنها العودة للممارسة نشاطها في فرص ليست معدومة بالمرة، ومن ثم مازال العراق مسرحا لتلاعب تدخلات إقليمية ربما موجودة في أدق دوائر الدولة، ورابعا إن الكثير من القوى الفاعلة في العراق صلتها وعلاقتها بل ومواقفها مع الادرارة الامريكية أكثر من صلتها وعلاقتها بل ومواقفها مع الحكومة المركزية، فهذه القوى كانت على خلاف مع الحكومة المركزية، بل كانت علاقتهما دموية شرسة، والذي غير من بوصلة تفكير هذه القوى والجماعات واتجاهها هم الامريكيون وليس حكومة السيد رئيس الوزرء نوري المالكي، بل مشروع بعضها كان بدعم أمريكا ماليا وعسكريا وسياسيا، والعلاقة بينها وبين البيت الابيض حميمية ومتنية، وبالتالي، ربما نظرتها إلى معاهدة أمركية / عراقية غير نظرة السيد نوري المالكي، وهي نقطة حساسة لا أدري كم حسب لها المالكي من حساب، وخامسا إن أمريكا تملك جيشها السري داخل العراق، كذلك تملك أنظمتها الأمنية المتغلغلة داخل البلد، فهل ستكون كل هذه الممكنات الامركية الخفية بعيدة عن ممارسة المشاكل والمتاعب في وجه المالكي وهو يطالب بجدولة الإنسحاب الامريكي من العراق؟ وهل يضمن عدم عودة بعض مشاهد العنف كي تًشهر أمريكا الدليل القوي على الحاجة الماسة لها في العراق،بحجة إن الامن ما زال هشا.
لا أعتقد أن أمريكا كانت تعمل في فراغ في العرق، فهي كانت تخطط لوجود قوي وفاعل ومستقبلي في العراق، ومن الصعب أن نقول أن السيد نوري المالكي على إطلاع واسع ودقيق بما قام به الامريكان في العمق العراقي كي يستطيع مواجهتها وهو يريد أن يبدأ بمثل هذه المساجلة مع أمريكا، ولا أعتقد إن الولايات المتحدة الامريكية أطلعت السيد نوري المالكي على تفاصيل علاقاتها مع الكثير من الضباط العراقيين والكثير من القوى العشائرية العراقية رغم إن السيد المالكي صرح مرة وبكل قوة وجراة أنه صديق أمريكا.
ولكن هل حقا أن السيد المالكي يرغب من كل أعماقه بجدولة إنسحاب أمريكي؟
الله وحده يعلم السرائر!