-1-
لم تعد العصابات الإرهابية المعروفة والمكشوفة، ولم يعد الأفراد من الإرهابيين في العالم العربي هم المطلوبون فقط، للمثول أمام العدالة المحلية والدولية. ولكن هذا الأمر انساق أيضاً على بعض الزعماء العرب الذين لا يقلون خطورة وإرهاباً عن زعماء الإرهاب المعروفين كابن لادن والظواهري وغيرهما. وهؤلاء باستطاعتنا القبض عليهم ومحاكمتهم ولو بعد عمر طويل. أما هؤلاء الزعماء المزعومون، من أمثال عمر حسن البشير، فمن يقدر على القبض عليهم ومحاكمتهم، كما فعلنا سابقاً بصدام حسين في سياق حملة quot;تحرير العراقquot;. فبدون هذه الحملة، ما كان لأحد يجرؤ أو يقدر على القبض على صدام، المطلوب الأول للشرعية العراقية، والشرعية الدولية، ومحاكمته مع عصابته، وشنقه كأول حاكم عربي إرهابي، يتمُّ شنقه على هذا النحو في تاريخ العرب القديم والحاضر، مما أفزع بعض من كانوا يظنون أن يد العدالة الدولية قاصرة على الوصول إلى هؤلاء الإرهابيين، متى صممت، وقررت، ومتى تهيأت لها الأسباب أيضاً.

-2-
ولو كانت هناك حملة quot;تحرير السودانquot; على غرار حملة quot;تحرير العراقquot;، لتمَّ القبض على البشير وعصابته باعتباره المطلوب الأول للشرعية السودانية، والشرعية الدولية. صحيح أن السودان عندئذ سيفقد الآلاف من أفراد شعبه، بفعل تدفق قوافل الإرهابيين عليه من الشمال والجنوب والشرق والغرب، كما حصل في العراق، لكي ينهبوا المتاحف، ومكاتب الحكومة، والمخازن، والبنوك، ويقتلوا مئات الأفراد كل يوم بالسيارات المفخخة، والأحزمة الناسفة. ولكن النهاية ستكون سعيدة، بعد هذه العملية الجراحية المؤلمة لإزالة الدُمَّل الديكتاتوري السوداني. ولكن من حظ السودان التعيس، أن الطبيب الجراح الذي أجرى الجراحة العراقية، غير قادر في هذا الوقت على إجراء العملية الجراحية السودانية لظروف وأسباب سياسية وعسكرية كثيرة. واستعاض عن هذه الجراحة بجراحة أقل تكلفة، وأسرع علاجاً، وبدون إراقة دماء، أو إرسال آلاف الجنود، لإجراء الجراحة السودانية الناعمة، وبواسطة الشرعية الدولية المتمثلة بالأمم المتحدة.

-3-
فقد طلب ممثل الإدعاء العام في المحكمة الجنائية الدولية، اعتقال السوداني عمر حسن البشير، بتهمة الإبادة الجماعية، وجرائم أُخرى ضد الإنسانية، وجرائم حرب في دارفور. واتهم الادعاء، قوات وعملاء تحت قيادة البشير، بقتل ما لا يقل عن 35 ألف مدني، والتسبب في quot;موت بطيءquot; لما يتراوح بين 80 و265 ألفاً شردهم القتال.
وجاء في مذكرة المحكمة الجنائية:
quot;ارتكب البشير من خلال أشخاص آخرين، إبادة جماعية ضد جماعات الفور، ومساليت، والزغاوة العرقية، في دارفور بالسودان، من خلال استخدام جهاز الدولة، والقوات المسلحة، وميليشيا الجنجويد.quot;
كما وجه الادعاء الاتهام للبشير بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، وجرائم حرب، منها القتل، والإبادة، والنقل الإجباري، لما يصل إلى 2.9 مليون مدني، والتعذيب، والاغتصاب.
وبالإضافة إلى طلب القبض على البشير، طلب الادعاء من المحكمة، مصادرة ممتلكات الرئيس السوداني، وتجميد أرصدته.

-4-
العالم العربي، على ما يبدو، أصبح مزبلة كبيرة وضخمة، وتحتاج إلى عشرات السنين لتنظيفها من (بلاويها)، وأوساخها. والسطح الخارجي البرّاق الآن للعالم العربي، سطح خادع ورقيق، رقة قشرة الذهب على التنك.
والشعوب العربية شعوب (غلبانة) ومغلوبة على أمرها. وهي لا تهش ولا تنش. ولا تستطيع محاسبة ومعاقبة شرطي مرور، فما بالك بالزعماء المزعومين. فمنذ أكثر من نصف قرن والديكتاتوريات العسكرية والحزبية والعائلية، تتعاقب على الحكم، وتفعل فيه ما تشاء من فساد، وسرقة، وبطش، وإهمال للتنمية، وهضم لحقوق الإنسان، وقمع للمرأة وللمعارضة، وتزييف للعدالة والديمقراطية، ومصادرة الحريات بكافة أنواعها. والدليل على ذلك، أن الوطن العربي ndash; منذ نصف قرن ويزيد ndash; يتأخر كل يوم علمياً وثقافياً واجتماعياً، ولا يتقدم. ويبتعد كل يوم عن تكوين عالم أو مخترع أو فيلسوف مفيد للعرب والعالم. وفي العالم العربي - عدا عمر حسن البشير - أكثر من ديكتاتور يحتاج للقبض عليه ومحاكمته والحكم عليه بالعدل. وهو مطلوب WANTED من عدالة شعبه ndash; لو وُجدت وتحققت ndash; كالقذافي والأسد وعلي عبد الله صالح، وغيرهم. وعلى الشرعية الدولية أن تستمر في تجريم وسوق هؤلاء للعدالة، والقبض عليهم وتقديمهم للمحاكمة ليلقوا ndash; ربما - المصير ذاته الذي لقيه صدام حسين وعصابته، وسيلقاه ndash; ربما - البشير وعصابته غداً.
وما دامت الشرعية الدولية الآن تمسك بعصى التأديب والتهذيب للزعماء المزعومين العرب، فعليها أيضا أن تنهر وتحذر الرئيس مبارك على سكوته على حقوق المواطنة الشرعية للأقباط، وتنهر وتحذر أردوغان على سكوته على حقوق المواطنة الشرعية للأكراد في تركيا. وتلوح بالعصا الغليظة للزعماء الصهاينة في فلسطين، وتكفَّ أيديهم عن مزيد من الاستيطان الشيطاني في الأرض الفلسطينية، وتكفَّ بنادقهم وتوقف دباباتهم عن حصد العشرات من الأبرياء في الضفة الغربية وغزة.

-4-
عمنا أبو الأبشار (عمر البشير) راحت عليه. و(ياما) كتبنا، ونصحنا، ولكن ما من مجيب. والبشير المطلوب اليوم لمحكمة الشرعية الدولية، لن تفيده الجامعة العربية (المقهى العربي، ذو الأراجيل الفخمة، بالتبناك العجمي الفاخر، ونادله عمرو موسى) ولن تفيده حشود الطلبة والمتظاهرين من الحزب الوطني الحاكم، ولن تفيده احتجاجات السياسيين السودانيين الموالين للبشير، في منع الحكم الصادر ضده بالقبض عليه وتقديمه للمحاكمة. فكل هذه الحركات (طرطعات) في الهواء، لا تفيد، ولا تمنع وقوع المقدَّر. فالشعب السوداني الحر، هو أول من سيضع حبل المشنقة، حول رقبة البشير وعصابته في الخرطوم، بعد صدور الحكم العادل عليه.
فحزب البعث بجبروته، وميليشياته، وبوقوف سوريا وإيران والأحزاب القومية والدينية العربية من ورائهم، لم يستطيعوا أن يفلتوا رقبة صدام حسين ويعتقوها من حبل المشنقة، التي تنتظر زعماء عرب مزعومين آخرين، آجلاً أم عاجلاً.
فهكذا يبزغ فجر بعض الأمم، حين يتأخر بزوغ الفجر الطبيعي، ويطول الليل، ويعمُّ الظلام الكالح طويلاً.
السلام عليكم.