كنت قد أعددت لكتابة مقالي الأسبوعي في أحد الموضوعين التاليين:
الأول: عن المرشح الأمريكي، أوباما، وتقلبات تصريحاته عن إيران، وإسرائيل، والعراق، وأن أناقض الأستاذ عبد الرحمن الراشد، الذي كتب يقول إنه رغم القناعة الرائجة عن جهل الرجل بالوضع الدولي، فإن انتخابه مرحب به لكونه سيكسر quot;احتكار quot;البيض للحكم، وسيكون بركة لقضايانا.

الثاني: المساجلات الغريبة عن عملية تحرير الرهينة الكولومبية ـ الفرنسية، أنجريد بيتانغور، التي سبق لنا التطرق لخطفها في مقالات عن quot;الفاركquot;، [ القوات المسلحة الثورية في كولومبيا]، وآخر المساجلات في الموضوع نزول الصليب الأحمر للميدان، شاجبا استخدام العسكريين الكولومبيين الذين نفذوا العملية لشاراتها. وهنا كنت أريد القول إن العملية كانت إنسانية أفرحت كل المتعاطفين مع ضحايا الإرهاب، والخطف، وبيتانغور هي المرأة التي عانت الأمرين على أيدي الإرهاب المتستر بالماركسية، كان على الصليب أن لا يغلبوا الشكليات على القضية الإنسانية، فالعسكريون الكولومبيون لم يستعيروا الشارات لاقتراف جرائم إرهاب، وخطف، أو للعدوان على شعب آخر، والصليب الأحمر آخر من يحق رفع صوته باسم الشكليات وهو الذي برهنت مواقفه منذ سقوط صدام على انحياز لمن اعتبرتهم المنظمة مقاومة مشروعة، بل وحتى تقديم بعض المساعدات لهم، كما ورد في حينه في بعض الأنباء، وقد بلغ استياء الوطنيين العراقيين من تلك المواقف، لحد أن كاتبا عراقيا كتب مقالا بعنوان [ الصليب المعقوف]. إن هذا الصليب يعرف أن آلافا من الكولومبيين لا يزالون في أيدي تجار الخطف، والمخدرات، وهم في وضع غير إنساني، حيث يقيدون من رقابهم بالسلاسل في الأشجار، وكان، ولا يزال واجبا على المنظمة رفع الصوت عاليا ضد هذه الجرائم البربرية غير الإنسانية ومقترفيها، فهل فعلت ذلك؟؟

كانت الكتابة في أحد الموضوعين على بالي حتى نشرت quot;الأسوشيتد بريسquot; منذ يومين تقريرا عن أوضاع اللاجئات العراقيات في الخارج، وأوردت أمثلة مأساوية، ومحزنة جدا، [ نقلت مواقع عراقية كعراق الغد ترجمة التقرير في 17 منه]، تهز كل ذي ضمير حي.
لقد سبق أن كتبنا، وكتب العديد من كتابنا، عن أوضاع اللاجئين، وتعرضهم للابتزاز، ومكائد شبكات التهريب، ووقوع نساء، وفتيات، عراقيات في أفخاخ بائعي الجنس في دول عربية، كما كتبنا عن إهمال الحكومة العراقية لهذه المآسي المفجعة، حتى بعد أن بلغت ميزانية الدولة 70 مليار دولارا، وعدم التفات القيادات الحاكمة للقضية، فيما يتواصل التزاحم على تقسيم النفط، أخذ أكبر عدد من المقاعد في الانتخابات المقررة، مثلما هي مقصرة تماما في الالتفات لموضوع الخدمات العامة العاطلة، وعذاب المواطنين بسبب غياب هذه الخدمات.

فيما يلي قضيتان مثيرتان عن مأساة عراقيتين في الخارج، إن كلا منهما، وهما من بين مئات الأمثلة الأخرى، كان يجب أن تهز القيادات الحاكمة، لعمل الحد الأدنى على الأقل للتخفيف عن مآسي اللاجئين العراقيين، بدلا من الانصراف كليا لتوسيع الامتيازات، وتقوية النفوذ، وفق نظام المحاصصة، الذي ستجري انتخابات المحافظات على أساسه، وبقوائم مغلقة، وبنتائج مماثلة للانتخابات البرلمانية المارة.

هناك مأساة أرملة في ال35 عاما من العمر، اضطرت لترك بغداد مع طفليها بعد مقتل زوجها على أيدي الإرهابيين عام 2005. إن هذه الضحية لم توفق في الحصول على موافقة طلبها باللجوء لدولة غربية بعد انتظار طويل، فباعت ما تملك، واقترضت مبلغا إضافيا، وسلمت مبلغ 15 ألف دولار لمهرب عراقي وعد بإيصالها مع طفليها لبلجيكا، ولكنها وجدت نفسها في أفريقيا الوسطي، حيث تعرضت للتحرش الجنسي في المطار، ثم جرى ترحيلها إلى ليبيا، ومن هناك لدمشق. قالت هذه المنكوبة لوكالة quot;الأسوشيتد برسquot; إنها ستعرض طفليها للتبني، لأنها لم تعد تملك دولارا واحدا للإنفاق عليهم. ترى هل يشعر بشيء من الحرج، إن لم نقل من الخجل، هؤلاء المتزاحمون على السلطة، والامتيازات، والأموال، في وقت بلغ فيه الفساد الإداري، والمالي، حدا جعل العراق في مقدمة دول الفساد، وما خسره الشعب بسببه من مليارات كان جزء منها كفيلا بإغاثة اللاجئين الذين هم في أوضاع صعبة للغاية؟؟

الحالة المفجعة الثانية، ولعلها أكثر مأساوية، حالة الأم الحلاقة سوزان، التي اضطرت لبيع محل حلاقتها تحت تهديدات الإرهابيين القاعديين، والصدريين، فأخذت ابنتها معها إلى إسطمبول، وهناك دفعت نحو 20000 دولا لمهرب زعم أنه سيوصلهما لليونان، فإذا المسألة مجرد احتيال. سوزان وابنتها وصلتا لأشد الأوضاع صعوبة التي أوصلت الأم لحد أن سكبت على نفسها وعلى ابنتها البنزين لتحترقا، ولم تنقذهما غير توسلات الابنة ذات ال14 سنة. لقد انتهى بها المطاف أخيرا لاستئجار غرفة في نفس المدينة، حيث تعمل اليوم بغسل الأواني في مطعم صغير. قالت سوزان لمراسل الوكالة إنها حاولت الانتحار حتى لا تضطر يوما للانحراف.

هذان مثالان، وحالتان، من بين مئات من حالات مماثلة لمهاجرات لاجئات في الخارج، بينما يعيش نوابنا المحترمون، الذين تصارعوا طويلا حول قانون انتخاب المحافظات، في بحبوحة من العيش، برواتبهم الأسطورية، وامتيازاتهم الدسمة.
لقد برهن السيد المالكي على إرادة وطنية صادقة في التصدي للإرهابيين، من القاعدة كانوا، أو فلول صدام، أو جيش المهدي، وقد تحققت خطوات كبيرة في هذا المجال رغم استمرار الإرهابيين القاعدين في عمليات التفجير، وقتل العشرات والمئات، ورغم استمرار إيران في تهريب أحدث أسلحتها لجيش المهدي، وآخر مثل العثور على مثل هذه الأسلحة في مدينة الكوت.
إن مواصلة هذا التصدي للإرهاب، بكل أشكاله، ضرورة كبرى، وذلك بالتعاون التام مع القوات الأمريكية، وفي الوقت نفسه، فإن رئيس الوزراء مدعو بإلحاح شديد للالتفات لأحوال اللاجئين، وتخصيص نسبة كافية من المليارات ال70 لإنقاذ العائلات العراقية التي تعيش في أتعس الظروف خارج الوطن، من نساء، وأطفال، وذكور.
إن الحالتين المارتين، اللتين لم تستطع كشفهما مصادر عراقية، بل وكالة أنباء غربية، تضعان الحكومة، وكل القيادات السياسية، والمجتمع المدني العراقي، أمام مسئوليتهم الكبرى للعمل لصالح اللاجئين العراقيين، ضحايا صدام، والإرهاب.