نشرت إيلاف في 12 من يوليو الجاري تقريرا مهما من واشنطون بعنوان quot; رابطة جديدة للدول الديموقراطية .. لماذا؟ quot;، كشف عن الجدل الدائر في مراكز الأبحاث وبيوت التفكير هناك، حول حاجة الولايات المتحدة الأمريكية الملحة لبناء شرعية تعزز سياساتها الديموقراطية، وكسب الثقة والمصداقية المفقودة عند القوي السياسية الليبرالية في المنطقة، والتي خذلتها إدارة الرئيس بوش وأجهضت آمالها في التغيير والإصلاح، وهو ما يركز عليه بصفة خاصة المرشح الجمهوري quot;جون ماكينquot; في حملته الأنتخابية منذ عام تقريبا.
هذه الرابطة التي توحد الدول الديمقراطية في العالم للعمل معاً، مرشحة لأن تكون بديلا للعديد من المنظمات الدولية التي أخفقت في حل الكثير من المشكلات في العالم، كما أنها ستعفي الولايات المتحدة من تهمة الانفراد بفرض الديموقراطية في منطقة الشرق الأوسط، وهو الأمر الذي لم يعد منسجما لا مع العصر أو النظام الدولي الجديد . وحسب العالم الاسترالي كورال بيلrlm;، quot; فإن التحدي الأمريكي في عالم مابعد الحرب الباردة هوrlm;:rlm; quot; أن تعترف امريكا بتفوقها بشرط ان تدير سياستها كما لو كانت تعيش في عالم ملئ بمراكز القويrlm;.rlm; ففي مثل هذا العالم ستجد الولايات المتحدة شركاء ليس في تقاسم الأعباء النفسية للقيادة فحسبrlm;، بل في صياغة نظام دولي يتماشي مع الحرية والديمقراطيةrlm;.rlm;quot;
لقد كانت الحيلة التقليدية التي تلجأ إليها الانظمة والحكومات المستبدة، لأبعاد القوي الخارجية عن منطقة الشرق الأوسطrlm;، الزج بها في صراعات مع بعضها البعض، أو سحبها نحو مسارات اقليمية مخالفة لمصالحهاrlm;.rlm; حدث ذلك في أثناء الحرب الباردةrlm;، مرارا وتكرارا .
لكن الأمر اختلف كلية في عالم مابعد الحرب الباردةrlm;، فقد أدي الاحتلال الأمريكي للعراق الي تهميش قدرة هذه الأنظمة من جهةrlm;، كما أنه فشل في ترجمة قوته العسكرية الي القدرة علي حملها علي الإصلاح السياسي من جهة اخريrlm;.rlm;
من هنا وجدنا أكثر من مشروع ومبادرة، منذ العام 2003 وحتي العام 2005، عبر عن رغبة في تغيير الشرق الأوسط، مثل مشروع الشرق الأوسط الكبير الذي شمل البلاد العربية وباكستان وأفغانستان وايران وتركيا واسرائيلrlm;، والذي تقدمت به واشنطن لمجموعة الدول الثماني الكبارrlm;.rlm;
والمبادرة الأوروبية ndash; الأمريكية التي طرحها يوشكا فيشر وزير خارجية ألمانيا الأسبق، وأيدتها قمة برلين (الفرنسية ـ البريطانية ـ الألمانيةrlm;)، حيث أقترح أن يشارك فيها حلف الأطلسي لإرساء الاستقرار في الشرق الأوسطrlm; .rlm;
ورغم أن فرض الاصلاح، من الناحية التاريخية، كان يتم إما عبر هزيمة منكرةrlm;، كما حدث مع ألمانيا واليابانrlm;، أو عبر معاهدات وشراكة ومفاوضات كما حدث في هلسنكي rlm;1975rlm;، فإن المشكلة هذه المرة أكثر تعقيدا، لأن طرح مسألة الديمقراطية أساسا جاء في غمرة الحرب علي الإرهاب، ولم يكن موفقاً ولا حتي هادفاً، لأنه ضل مساره ولم يتعاط مع القوي الفاعة والمستهدفة التي تطالب بالديمقراطية منذ عقود طويلة، وإنما توجه إلي الحكومات المستبدة المؤيدة للولايات المتحدة.
وأكتشف الأمريكيون أن هذه الحكومات التي اعتمدوا علي بطشها وتسلطها لا تستطيع القيام بأي إصلاح، وما لبثت هذه الحكومات أن أغرتهم بمكاسب أمنية في إطار الحرب علي الإرهاب، وهو ماجعل واشنطن تتراجع وتخفف من لهجتها، مؤكدة ضرورة أن يأتي الاصلاح بـمبادرات محلية وطبقا لأولويات كل دولة، وكأنها تتحدث بلسان هذه الأنظمة والحكومات، وبطلاقة، ومن ثم رفعت الضغوط التي مورست عليها، ولم تعد الديمقراطية علي جدول الأعمال الفعلي لقادتها.

لقد مثل احتلال العراق، رأس الجسر لإعادة تركيب الشرق الأوسط علي أساس ديمقراطي، ووفقا لهذا السيناريو كان من المفترض أن يوقف الوجود العسكري الأمريكي في المنطقة انتشار الأصولية الاسلامية rlm;،rlm; ويضعف دعم المقاومة الفلسطينية rlm;، ويحمل الفلسطينيين والعرب علي الموافقة علي مشروع سلام مع اسرائيلrlm;،rlm; ويضع الولايات المتحدة في قلب منظمة الدول المصدرة للبترول بغية تعزيز سياسة تحديد الأسعار الخام والوضع المركزي للدولار عالميا في آن معاrlm;.rlm;
هكذا ربطت الولايات المتحدة مصير إدارتها للعالم وتغييرهrlm;، بنجاحها في العراقrlm;،rlm; وبالتالي فإذا لم تصبح بغداد،rlm; حسب الوعود الأمريكية، مركز استقطاب تتمحور حوله عملية الديمقراطية في المنطقة، فإن الولايات المتحدة ستخسر دورها وستتعرض أكثر للخطرrlm;، وهو ما يراهن عليه، من جديد، المرشح الجمهوري
quot; ماكين quot;، عبر آلية مختلفة، تتجاوز أخطاء الإدارة الحالية وتخفف أعباء القيادة في المرحلة القادمة، وهو تفعيل دور هذه quot; الرابطة quot;، القديمة - الجديدة، للدولة الديموقراطية في العالم .rlm;... فهل ستخذلونا مرة أخري، وأخيرة؟.
أستاذ الفلسفة جامعة عين شمس
[email protected]