ما قيمة المحكمة الجنائية الدولية ونظام روما أو غيره إذا تجاهلت مأساة دارفور، وما قيمة العدالة الدولية اصلا إذا تجاهلت هذه المأساة الإنسانية الأفظع فى العالم حاليا، بل وما قيمة منظومة حقوق الإنسان الدولية من الأساس إذا تجاهلت هذه الجرائم المتعددة ضد الإنسانية والمستمرة منذ حوالى خمس سنوات فى السودان المنكوب.
لقد تنفس كل من لديه أدنى شعور بقيمة الإنسان الصعداء بعد طلب المدعى العام للمحكمة الجنائية الدولية من قضاة المحكمة إصدار امر بتوقيف البشير لتورطه فى جرائم متعددة ضد الإنسانية.
فى عام 2003 قرأت لاول مرة عن جرائم الإبادة فى دارفور فى صحيفة النيويورك تايمز، والتى كانت اول الصحف العالمية التى كشفت هذه المأساة على لسان مسئول من الأمم المتحدة.
وجاءتنى الفرصة لزيارة السودان للتعرف على أبعاد شهذه الكارثة المرعبة، وبالفعل سافرت يوم 27 يوليو 2004 واجريت مقابلتين تليفزيونيتين مع الصادق المهدى واحمد هارون، الذى كان وقتها وزيرا للشئون الداخلية،وهو المتورط بشكل شخصى ومباشر فى اعمال القتل والإبادة والتطهير العرقى فى دارفور ومن قبلها فى جنوب السودان، والمطلوب منذ ابريل 2007 للمثول أمام المحكمة الجنائية الدولية. ومن بجاحة البشير إنه لم يكتف فقط بالقسم على الملأ بأنه لن يسلم هارون ومعه على قشيب شريكه فى جرائم الإبادة للمحكمة وقال صراحة quot;لن أسلم هارون لأن هارون يقوم بتنفيذ اوامرىquot;،ورفض حتى محاكمتهما أمام القضاء السودانى، بل واصل تحديه للعدالة الدولية بتعيينه وزيرا للشئون الإنسانية فى السودان لتكملة مهمته القذرة فى مخيمات اللاجئين حتى يتمم ما بدأه فى قرى دارفور، كما عين قادة الجنجويد فى وظائف حكومية وضم الكثير منهم لقوات الجيش النظامية. هل سمعتم عن صفاقة اكثر من هذا... مجرم متهم بجرائم ضد الإنسانية يعين وزيرا للشئون الإنسانية!!!.
نعود إلى قضية البشير والتى أثارت العديد من الاسئلة التى ساحاول الإجابة عنها فى هذا البحث:

1-هل إدعاءات لويس مورينو أوكامبو متعسفة ضد البشير؟.
قبل أن يوجه المدعى العام اتهاماته إلى البشير ونظامه وجهت عشرات المنظمات الحقوقية المحترمة حول العالم نفس الإتهامات إلى الرئيس السودانى ونظامه ورفاقه وجنجويده.فى ابريل 2004 أصدرت منظمة مراقبة حقوق الإنسان تقريرا بعنوان quot; النار تلتهم دارفور:انتهاكات فى غرب السودانquot; وجاء فى التقرير quot; أن القوات الحكومية السودانية تقوم بقتل المدنيين واغتصابهم وطردهم من منازلهم وتعاونها مليشيات عربية تمولها الحكومة السودانية....وأن الحكومة السودانية تتحمل المسئولية الكاملة عن هذه الممارسات التى أدت إلى ارتكاب جرائم ضد الإنسانيةquot;.وفى سبتمبر 2007 أصدرت نفس المنظمة تقريرا آخر من 76 صفحة يوثق الجرائم التى ارتكبتها الحكومة السودانية ليس فقط فى قرى دارفور ولكن فى مخيمات اللاجئين أيضا. وفى سبتمبر 2007 أيضا انطلقت اكثر من 30 مسيرة حول العالم بمناسبة يوم دارفور ولتنبيه العالم إلى هذه الكارثة الإنسانية.فى 19 مارس 2004 وصف منسق الأمم المتحدة فى السودان موكيش كابيلا quot; أن هجمات المليشيات العربية ضد المدنيين فى غرب السودان يقترب من مفهوم التطهير العرقىquot;.فى سبتمبر 2004 تحدث وزير الخارجية الأمريكى السابق كولن باول للجنة العلاقات الخارجية بالكونجرس بقوله quot; لقد خلصنا إلى نتيجة أن ابادة جماعية ارتكبت فى دارفور وأن حكومة السودان ومليشيات الجنجاويد تتحملان مسئولية ذلك وان عمليات إبادة جماعية ما زالت جاريةquot;. وتحدث وزير الخارجية عن نمط منتظم وواسع النطاق من الفظائع يشمل القتل والإغتصاب وإحراق القرى وترويع المدنيين.وتقدر الأمم المتحدة الذين قتلوا فى التطهير العرقى بدارفور منذ عام 2003 بحوالى 200 الف شخص وتشريد أكثر من مليونى شخص.وفى اكتوبر 2006 صدر تقرير عن quot; مجموعة الازمات الدولية واصفا حكومة البشير بأنها quot; تتصرف كما تشاء بدون حسيب أو رقيبquot;، ووصف مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان ما يحدث فى دارفور بانه إبادة جماعية ونفس التوصيف أقرته منظمة العفو الدولية وعشرات المنظمات الأخرى، وقد أصدرت منظمة العفو الدولية وحدها أكثر من 50 تقريرا وبيانا عن دارفور منذ عام 2003 ليس آخرها تقريرها فى يناير 2008 تحت عنوان quot;نازحون فى دارفورquot;،حيث quot; اتهم تقرير المنظمة الحكومة السودانية بمواصلة هجماتها على اللأجئين وتزويد مقاتلى الجنجويد بأسلحة جديدة، رغم التعهد بنزع سلاح الجماعات هناكquot;، ولهذا رحبت منظمة العفو الدولية بطلب المدعى العام بتوقيف البشير وقالت فى بيان عاجل لها quot; إن الإعلان يمثل خطوة مهمة نحو ضمان المساءلة عن أنتهاكات حقوق الإنسان فى السودانquot;، وقدر مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان القتلى فى دارفور ب 300 الف شخص ارتكبها الجيش السودانى بوحشية علاوة على تشريد 3 مليون مواطن وأغتصاب آلاف النساء والأطفال وحرق مئات القرى.
أما تقرير المدعى العام للمحكمة الجنائية الدولية فقد اشتمل على الكثير من أدلة الإتهام جاءت فى عشرة صفحات مركزة والتى جمعها على مدى ثلاث سنوات خلال قيامه ب 105 بعثة اضطلع بها فى 18 دولة وبمساعدة العديد من المنظمات الحقوقية حول العالم، ووصف تقرير المدعى العام ما حدث بالإبادة وجرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية وشملت القتل والإغتصاب والتعذيب والتهجير القسرى وتدمير مقومات الحياة.ويذكر التقرير إنه تم قتل 35 الف من سكان دارفور دفعة واحدة وأكثر من 100 الف قتلوا ببطء خلال الاحداث،كما استأصلت خطة البشير الإجرامية بعنف ما لا يقل عن مليونى وسبعمائة الف مدنى، معظمهم من الجماعات المستهدفة، من الأراضى التى كانوا يقطنونها والتى كان يقطنها من قبل أسلافهم لقرون، وكثيرون ممن نجوا من القتل يعانون من ضرر عقلى أو نفسى خطير.ويقول التقرير أن البشير خطط لذلك وعمل على تعبئة أجهزة الدولة، من بينها القوات المسلحة والأجهزة الاستخباراتية والبيروقراطية والدبلوماسية والإعلام والجهاز القضائى..فالاستراتيجية ترمى إلى التدمير الكامل للفئات المستهدفة عن طريق الإهلاك المادى المقترن بإستراتيجية التضليل الإعلامى المدروس.
أما عمر البشير فقد نفى كل هذه التقارير وقال فى مؤتمر صحفى بالخرطوم فى 27 نوفمبر 2007 quot; الحديث عن أزمة إنسانية فى السودان ليس صحيحاquot;!!!،وواصل قائلا quot; أن عدد القتلى فى الاقليم اقل من 9 آلاف وليسوا عشرات الآلافquot;.
فهل كل هذه المنظمات المنتشرة فى جميع بقاع الارض تكذب وتختلق الروايات فى حين ان عمر البشير وعمرو موسى واحمد ابو الغيط هم الصادقون؟؟.
2-هل من سلطة مجلس الأمن الدولى إحالة قضية إلى المحكمة الجنائية الدولية؟ ولماذا؟.
وفقا للمادة 13 من نظام روما يحق لمجلس الأمن بموجب الفصل السابع من الميثاق أن يحيل القضايا التى يراها تشكل تهديدا للسلام والأمن الدوليين إلى المحكمة الجنائية الدولية.
وبعد تقرير لجنة التحقيق الدولية بشأن انتهاكات القانون الإنسانى الدولى وحقوق الإنسان فى دارفوررقم 60 لعام 2005، اصدر مجلس الأمن الدولى قراره رقم 1593 لعام 2005 بإحالة الوضع القائم فى دارفور منذ يوليه 2002 إلى المدعى العام للمحكمة الجنائية الدولية. وتأكيدا لتلك الإحالة صدر بيان رئيس مجلس الأمن بتاريخ 16 يونيه 2008 بحث جميع الأطراف فى قضية دارفور بالتعاون التام مع المحكمة من آجل وضع حد للإفلات من العقاب عما ارتكب من جرائم فى دارفور كما جاء فى الييان. وفى قرار مجلس الأمن رقم 1812 الصادر فى 30 ابريل عام 2008 أعاد مجلس الأمن التأكيد على أن الوضع فى السودان ما زال يشكل خطرا يهدد الامن والسلم الدوليين.
الجدير بالذكر أن هناك العديد من القرارات التى صدرت من مجلس الأمن بشأن السودان منذ عام 2003 حتى عام 2008 وهى القرارات ارقام 1556،1564، 1574، 1588، 1590، 1593، 1627، 1651، 1679، 1709، 1713، 1714، 1755، 1769، 1779، 1784، 1812.
فإن لم تكن جرائم الإبادة والتطهير العرقى وجرائم الحرب والإغتصاب الجماعى وقتل مائتى الف شخص وتشريد الملايين وتدمير مقومات الحياة تمثل خطرا على السلم الدولى وعلى الإنسانية فبماذا يمكن وصفها؟.
3-هل من سلطة مجلس الأمن التدخل فى القضية بعد إحالتها للمحكمة الجنائية الدولية؟.
لا سلطة لمجلس الأمن على سير العدالة فى المحكمة ولا على إجراءات التقاضى فيها ولا تساهم الأمم المتحدة بأية مصروفات أو تكاليف فى القضايا التى تحيلها للمحكمة كما جاء فى القرار 1593، فالمحكمة مستقلة تماما وتم اختيار قضاتها 18 بإلاضافة إلى المدعى العام عن طريق الجمعية العمومية للدول التى صدقت على نظام روما، وجميع القضاة كفاءات عالية ولهم سمعتهم الدولية وينتمون إلى 18 دولة علاوة على المدعى العام الارجنتينى والذى عمل أستاذا للقانون الجنائى من قبل فى جامعتى هارفارد واستنفورد المرموقتين.
وهذا ما أكدته ميشيل مونتاس المتحدثة بأسم الأمين العام للأمم المتحدة مؤخرا حيث أكدت على موقف الأمين العام تجاه قضية محاكمة البشير، وبأن الأمم المتحدة ستتعاون مع المحكمة بتقديم ما لديها من مستندات وتقارير عن دارفور وحثت الدول الأخرى على التعاون التام مع المحكمة فى تسهيل إجراءات العدالة، وأكدت أن المحكمة مستقلة ولا احد يستطيع التأثير على عمل المحكمة ولا التدخل فى نتائج التحقيق أو سير القضية، فالقضاة مستقلون تماما عن الأمم المتحدة.
وفى تصريح للواشنطن بوست يوم 11 يوليو 2008 وقبل طلب المدعى العام بثلاثة أيام،وكان الأمين العام للأمم المتحدة محاط علما به،حيث قال quot; السلام بدون عدالة لا يمكن أن يصمد... سيتعين على أن أجرى تقييما للوضع فى السودان من جميع جوانبه عندما يصدر إعلان المحكمة الجنائية الدوليةquot;.
كان لمجلس الأمن سلطة على المحاكم الخاصة التى إنشئت بقرار منه ويعين قضاتها بقرار منه ويتلقى تقاريرها ويناقشها بشكل دورى مثل محكمة يوغسلافيا ورواندا ومحكمة الحريرى.نعم هذه المحاكم رغم عدالتها إلا إنها تعتبر من الناحية التوصيفية غير مستقلة، لأن السلطة العليا عليها لمجلس الأمن، أما المحكمة الجنائية الدولية لا سلطة لمجلس الأمن عليها ودوره فقط يقتصر على التبليغ عن الجرائم التى يراها تهدد السلم الدولى، كما أن هذا الدور ليس مقصورا عليه فقط وإنما هو حق لكل الإعضاء فى نظام روما ضد الأعضاء الآخرين وحق لكل الدول بتبليغ المدعى العام للمحكمة عن الجرائم، كما إنه حق للمدعى العام بعد أخذ رأى الهيئة التمهيدية للمحكمة.. ونتمنى أن يأتى اليوم ويعدل نظام المحكمة ليتلقى الشكاوى من الأفراد ويوسع سقف التحقيقات لتطول العديد من المسئوليين المجرمين حول العالم.
4-ماذا يحدث عندما ترفض دولة التعاون مع المحكمة بخصوص محاكمة مسئوليين أو مواطنيين فيها؟.
فور إعلان المدعى العام للمحكمة الجنائية يوم 14 يوليو2008 طلبه بشأن البشير، قال وزير الإعلام السودانى غازى صلاح الدين سنعمل كل ما بوسعنا لعرقلة وإعاقة عمل المحكمة الجنائية الدولية، وفى يوم 15 يوليو أصدرت الخارجية السودانية بيانا قالت فيهquot; إنها لا تعترف بالمحكمة الجنائية الدولية وإن كل قراراتها كأنها غير موجودةquot;،ونفس الكلام كرره البشير نفسه فى زيارته لدارفور يوم 23 يوليو 2008 قائلا نحن لا نعترف بالمحكمة الجنائية وحديث اوكامبو لا يهمنا، نحن نعلم من يقف خلفه ومن يدفعه.... هم اولياء الشيطان ونحن اولياء اللهquot;.
وهذا سلوك عدوانى مبكر يقف ضد العدالة الدولية، فالمسألة ما زالت فى بدايتها وقرار الإتهام بيد القضاة، والبشير غير متهم حتى الآن، لأن الإتهامات تصدر فقط أثناء المحاكمة.وإذا رفض السودان تسليمه يعود الامر كله مرة أخرى لمجلس الأمن المسئول الأول عن السلم والأمن الدوليين، وستدخل السودان وقتها فى متاهة جديدة من العقوبات المتدرجة حتى يستجيب للقرارات الدولية.. واعتقد أن شكل السودان كله جغرافيا وسياسيا سوف يتغير قبل اسدال الستار عن هذه القضية.
5- هل يستطيع مجلس الأمن تأجيل أو تعليق المحاكمة؟.
وفقا للمادة 16 من نظام روما والتى جاءت فى ديباجية قرار مجلس الأمن والتى تنص على quot; لا يجوز للمحكمة الجنائية الدولية البدء أو المضى فى تحقيق أو مقاضاة لمدة اثنى عشر شهرا بعد أن يتقدم مجلس الأمن بطلب بهذا المعنى يتضمنه قرار يصدر عن المجلس بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، ويجوز للمجلس تجديد هذا الطلب بالشروط ذاتهاquot;.
من المعروف أن قرار مجلس الأمن صدر فى 31 مارس 2005 ومن وقتها والمدعى العام يجمع الأدلة من آجل صدورإعلان التوقيف،وإذا وافق قضأة المحكمة على طلب المدعى العام فلا اعتقد أن مجلس الأمن سيطلب وقف المحاكمة وخاصة وأن مجلس الأمن لم يطلب وقف المحاكمات فى المحاكم الخاصة التى تخضع لإشرافه وآخرها محاكمة يوغسلافيا.. فكيف يطلب ذلك من محكمة دولية مستقلة ويضع قيودا على العدالة الدولية....من المستبعد جدا أن يفعل مجلس الأمن ذلك.
6-هل هناك حصانة لرؤساء الدول؟.
وفقا للمادة 27 من نظام روما لا توجد حصانة لمجرم، فاجراءات المحكمة تنطبق على الجميع بشكل متساو وبدون أى تمييز يستند إلى الصفة الرسمية وخصوصا صفة رئيس الدولة أو الحكومة،أو عضوا فى حكومة أو برلمان أو ممثلا منتخبا أو موظفا حكوميا. وهو الوضع المطبق فعليا فى الديموقراطيات الغربية العريقة المستقرة، فكيف تكون محكمة دولية مرموقة أدنى من النظام القضائى فى بعض الدول.
بالإضافة إلى ذلك تتسع المسئولية لمجرد علم الرئيس أو القائد العسكرى بهذه الجرائم وعدم إتخاذه من التدابير اللازمة والمعقولة لمنع او قمع ارتكاب هذه الجرائم او لعرض المسألة على السلطات المختصة للتحقيق والمقاضاة(المادة 28).
7-هل المحكمة مسيسة؟.
بالقطع لا. فلا توجد أى مصلحة لقضاة من 18 دولة ممثلة جغرافيا للعالم كما جاء فى نظام روما ولديهم سلطات مستقلة أن يجتمعوا على تدليس العدالة وتسييسها وخاصة وأن من صلاحياتهم ودورهم الحقيقى بإبعاد العدالة الدولية عن التسييس والتزييف، ولهذا السبب كان إنشاء نظام روما، ولهذا السبب تهربت دول كبرى من الإشتراك فيها وعلى رأسها الولايات المتحدة.
بمجرد إعلان المدعى العام بشأن البشير خرجت أصوات المسئولين العرب تتهم المحكمة بالتسييس وقال وزير الخارجية المصرى احمد ابو الغيط quot; إن اجراء المدعى العام يفتقر إلى المسئولية بقدر افتقاره إلى الموضوعية والتوازن...وأن هناك العديد من الاصابع الخارجية التى تعبث فى هذه المنطقةquot;، وواصل ابو الغيط قولهquot; ندعو القضاء السودانى، بما هو معروف عنه من استقلالية ونزاهة إلى استكمال التحقيقاتquot;!!!
واعلن وزراء الخارجية العرب quot; رفضهم أى محاولة لتسييس مبادئ العدالة الدولية واستخدامها فى الانتقاص من سيادة الدول ووحدتها واستقرارها ورموزها الوطنيةquot;.
هذا هو المنطق العربى: القضاء السودانى نزيه ومستقل، والمحكمة الجنائية مسيسة وتفتقر للموضوعية والتوازن!!!.... هل مثل هذا الكلام يحتاج إلى تعليق.
8-هل لأمريكا أو إسرائيل سلطة على المحكمة؟.
الولايات المتحدة ليست عضوا فى المحكمة وقد انسحبت من نظام روما، وقد وقعت العديد من الإتفاقيات الثنائية مع دول عديدة لتفادى مثول مواطنيها امام المحكمة الجنائية، كما أن إسرائيل ليست عضوا فيها أيضا، وكلاهما يخشيان المحكمة، وكلاهما غير سعيد بوجود المحكمة، ومن ثم التذرع بوجود دور أمريكى أو اسرائيلى فى موضوع البشير هو إدعاء غير صحيح.وفور صدور الإعلان قال الرئيس بوش quot; نحن لسنا أعضاء فى محكمة الجنايات الدولية، لذلك سنرى كيف سينتهى الأمرquot;، مشيرا إلى أن الأمم المتحدة يجب أن تتعامل مع الحكومة الحالية من آجل نشر قوات حفظ السلام لإنقاذ ارواح الناس. ونفى البرتو فرنانديزالقائم باعمال الولايات المتحدة فى السودان اى دور للولايات المتحدة فى هذا القرار ورافق البشير فى رحلته لدارفور.
صحيح أن القرار احيل إلى المحكمة من مجلس الأمن، ولكن الصحيح أيضا ان الدول دائمة العضوية الخمسة بما فيهم روسيا والصين قد وافقتا على هذه الإحالة، وصحيح أيضا أن قضية دارفور ومسئولية نظام البشير عنها عليها شبه إجماع عالمى... ومن ثم التذرع بامريكا وإسرائيل هو من قبيل محاولة التستر على الجرائم والإفلات من العقاب.. وهى سياسة عربية ذرائعية بامتياز.
9-هل القضاء فى الدول العربية مستقل، ويكفى بديلا للقضاء الدولى؟.
الاجابة قطعا بالنفى،فمع احترامنا للكثير من القضاة الأفاضل فى الدول العربية إلا أن عملية تقييم القضاء ككل تتعلق بكل أدوات العدالة وما يشوبها من قصور وبناء عليه فتقييم القضاء العربى سلبيا فى مجمله، فهو قضاء غير مستقل ويقع تحت تأثير وضغوط وإبتزاز السلطة التنفيذية، ويستثنى المسئولين الكبار من المحاكمات الجنائية إلا فى حالة الإنقلابات على الآنظمة، ومصداقيته ضعيفة عالميا، كما انه مؤدلج دينيا ويشوبه التحيز فى مواضع كثيرة، وتتسم بعض اركان العدالة بالفساد الإدارى، ولا يتمتع بالكفاءة العالية، كما إنه يخضع للتدخلات بشكل كبير فى معظم القضايا السياسية، وأركان العدالة من القوانيين إلى تحقيقات الشرطة إلى تنفيذ الأحكام هى نفسها تفتقر إلى العدالة... ومن ثم يصعب الإعتماد على القضاء المحلى كبديلا للعدالة الدولية.
10-ما هو المنطق السائد عند المسئولين العرب وكثير من النخب العربية تجاه العدالة الدولية؟.
من متابعة سلوك الكثير من الحكام والمسئولين العرب والنخب العربية المؤدلجة يمكن ملاحظة واستنباط سلوكهم الذى تترجمه العبارات التالية:
● شعبى رهينة وساستخدمه كدروع بشرية أمام المجتمع الدولى.
● انا المسئول الأوحد عن شعبى حتى ولو ابيد عن آخره.
● طالما أن اسرائيل موجودة على ظهر الكرة الارضية فلا توجد عدالة، ولن نستجيب للعدالة إلا بعد محو دولة إسرائيل من الوجود، وفى نفس الوقت لا مانع من التعامل معها سريا وقبض ثمن ذلك كما فعل من قبل امير المؤمنيين جعفر نميرى فى نقل يهود الفلاشا إلى اسرائيل.
● نحن نرحب بالعدالة الدولية إذا اقتصت من أعداء أرض الإسلام فى البوسنة والهرسك وكوسوفو والشيشان أما بخلاف ذلك فالعدالة الدولية لا تعنيينا وهى تتأمر علينا.
●هناك مؤامرة كونية مستمرة على المسلمين من الحروب الصليبية إلى العولمة، ووجود الغرب فى حد ذاته مؤامرة على المسلمين ولن نرتاح حتى يسقط الغرب.
ولا يختلف منطق النخب العربية المؤدلجة عن منطق حكامهم، فهناك التشكيك والتبرير والتهوين والإسقاط والتأمر الدولى وكلها تتغطى بإدعاء طلب العدالة الكاملة المثالية وبدواعى العقلانية المزيفة... وفى النهاية تصب بالتأكيد فى مساندة الفاشيين والبحث عن مخرج لهم للإفلات من العقاب.
وحسنا قال نزار قبانى على لسان الحاكم العربى
أيّها الناسُ:
أنا الحجّاجُ، إن أنزعْ قناعي،
تعرفوني
وأنا جنكيزُخانٍ جئتُكمْ..
بحرابي..
وكلابي..
وسجوني..
لا تضيقوا - أيّها الناسُ - ببطشي
فأنا أقتلُ كي لا تقتلوني..
وأنا أشنقُ كي لا تشنقوني..
وأنا أدفنكم في ذلك القبرِ
الجماعيِّ
لكيلا تدفنوني
11 -هل ستسارع محاكمةالبشير بتقسيم السودان؟.
السودان مثله مثل يوغسلافيا السابقة والاتحاد السوفيتى السابق فشل فى إدماج تركيبته المتنوعة على أرضية ديموقراطية وتحت عنوان المواطنة للجميع ولكنه سلك مثلهم طريق إخضاع تللك التركيبة للإندماج القهرى غير العادل، وهناك تنافر حاد بين مكوناته، وهناك إستعلاء عربى على الأفارقة وإسلامى على غير المسلمين، وشمالى على الجنوب والغرب.كما أن مساحته الواسعة خلقت فواصل طبيعية بين مكوناته ولم يتبقى سوى إعلان الجنوب عن الإنفصال فى أستفتاء 2011، وأيضا هناك مصلحة للقبائل الدارفورية فى الإنفصال هى الآخرى حتى تستقيم الأمور وتنتهى الحروب والمأسى الإنسانية هناك.
السودان مرشح أن يقسم لثلاثة دول على الأقل ونتمنى أن يحدث ذلك فى أسرع وقت وبأقل قدر من الخسائر الإنسانية.
وأخيرا: البشير سلك نفس طريق الطغاة.
والعرب وجامعتهم العربية يسلكون نفس الطريق ويشجعون عليه،واستراتيجية الطغاة واضحة فى كلمتين: سياسة حافة الهاوية، حيث لا يتحرك الطاغية إلا عندما تقترب النار من رأسه. وسياسة الأرض المحروقة،أى خيار شمشون:انا وبعدى الطوفان.
ومما يؤسف له أن النخب العربية المؤدلجة هى شريك أساسى فى صنع هؤلاء الطغاة، فلم نسمع لهم صوتا ضد هذه المذابح الجماعية الوحشية فى دارفور ولم نسمع لهم صوتا ضد جرائم صدام ولكن نسمع عويلهم وصراخهم وندبهم وقبحهم وفحيحههم عندما تقترب العدالة الدولية من منطقتنا.

مدير منتدى الشرق الأوسط للحريات
[email protected]