خلال الأسابيع الماضية كثرت التصريحات الرسمية، والتعليقات، والمقالات عن موضوع الاتفاقية المزمع عقدها مع الولايات المتحدة.
لا عجب، فالقضية تمس أمن العراق، وسيادته، واستقلالية قراره، ومستقبله وكان بريمر قد نشر، خلال وجوده في العراق، مقالا بعنوان quot;لا أحد يحب الاحتلال، والأحرى أن ينطبق ذلك أولا على العراقيين والعراق، لأنه ما من وطني يريد بقاء قوات أجنبية على أرضه إن انتهت مبررات وجودهاquot;.
إن المزايدات باسم الوطنية لها بازار رائج، ولكنها لن تطمس الحقيقة، ولن تمنع الكتاب الموضوعيين العراقيين من القول الصريح، وإبداء الملاحظة، دون مبالاة بالمزايدين، وأبطال الاتهامات الفاسدة، المريضة.
لقد نشر عدد من كتابنا مؤخرا سلسلة مقالات هامة عن الموضوع، ونخص بالذكر مقالات الدكتور عبد الخالق حسين، والأستاذ غالب الشابندر، ونشر كاتب هذه السطور مقالين في بعض الصحف العراقية الألكترونية، كما نشير لمقال تحليلي موثق لأمير طاهري في quot;الشرق الأوسطquot; حيث يتحدث عن الإستراتيجية العسكرية الجديدة، وهو ما سيأتي ذكره.
إن هذه المقالات تلتقي عند نقاط هامة، في مقدمتها موضوع الأمن، حيث أنه، وبرغم التحسن النسبي، لا يزال معرضا للانهيار، كذلك الاتفاق على عدم جاهزية القوات العراقية اليوم لتولي مسئوليات الأمن لوحدها، وهو لا ينجز بعامين فقط كما يحدد السيد المالكي، وأوباما.
إن quot;القاعدةquot; تواصل اعتبار الجبهة العراقية جبهة quot;جهادquot; رئيسية، كأفغانستان، وذلك خلافا لما يبشر به أوباما من اعتبار الجبهة العراقية ثانوية بالنسبة لأفغانستان. إن استقرار العراق، بمركزه الإستراتيجي، ووقوعه في قلب المنطقة النفطية، لا يقل أهمية عن استقرار أفغانستان وتصفية خطر عودة طالبان. شبكات القاعدة قد تلقت ضربات أليمة في العراق ببسالة القوات العراقية، والأمريكية، وquot;مجالس الصحواتquot;، ولكن عناصر هذه الشبكات لا تزال مختبئة في العراق، ومحتشدة في بعض دول الجوار، كسوريا، وإيران ومنطقة الخليج. نضيف، أن جيش المهدي الإيراني الصنعة والولاء لا يزال محتفظا بسلاحه، ومقتدى الصدر يرفض تسليمه للحكومة، وهذا خطر قد ينفجر مجددا كلما وقف العراق موقفا لا يعجب ملالي طهران. ومما يجدر ذكره أن القوات العراقية لا تزال مخترقة حزبيا، وطائفيا، وولاؤها الأول للحزب والطائفة، قبل الولاء للعراق، وقد بينت معارك البصرة وبغداد، ضد قوات الصدر، هذه الحقيقةبجلاء، حيث رفضت بعض قوات الجيش محاربة جيش المهدي، بينما قوات أخرى انحازت للصدريين ضد القوات الحكومية والأمريكية، ويبين تصريح لسفير العراق في واشنطن بأن العراق لا يمتلك حاليا قوة جوية حقيقية، ومثل هذه القوة القادرة على حماية البلد لا يمكن أن تكتمل إلا خلال عقد قادم.
ليس كل اتفاق أمني مع أمريكا هو إخلال بالسيادة الوطنية، بدليل أن أمريكا، وكما بين طاهري، ترتبط بتحالفات رسمية مع 26 دولة، علاوة على ترتيبات خاصة مع ما يزيد عن 120 دولة أخرى، ومن إجمالي دول الأمم المتحدة، البالغ 193 دولة، هناك 131 دولة منها إما حليفة رسمية لواشنطن، أو مرتبطة معها باتفاق عسكري، وتوجد في دول غربية كبرى نفسها قواعد عسكرية أمريكية لحد اليوم، برغم أن بعضها يتخذ مواقف سياسية مختلفة عن مواقف واشنطن كما حدث تجاه قضية الحرب، بمعارضة ألمانيا بشدة.
إن أباوما يصر على جدول زمني بحجة أن ذلك سيحث الطرف العراقي على تسريع عملية المصالحة، وتأهيل قواته، وهذه مدة يتفق معها المالكي كما صرح في مجلة quot;دير شبيغلquot; الألمانية، وهو التصريح الذي صار ورقة أوباما عن العراق في الحملة الانتخابية، وقد فسرته المجلة، ووسائل إعلام أمريكية، وأوروبية غربية، بأن المالكي يؤيد ترشيح أوباما، رغم أن ناطقا باسم المالكي نفى ذلك، وقال إن ترجمة تصريحات المالكي لم تكن دقيقة، دون أن يبين كيف، بينما أصرت المجلة على أنها نقلت حرفيا كل ما صرح به لها!!
مما مر نرى أن أمن العراق وشعبه لا يزال هشا، وإن الأخطار محدقة من كل صوب، داخليا وإقليميا، وقد صرح القائد العام لهيئات الأركان الأمريكية المشتركة، مايكيل مولين، لصحيفة quot;فوكس نيوزquot; في 19 تموز الجاري بأن سحب كل القوات الأمريكية المقاتلة في العراق خلال عامين قد يكون خطيرا للغاية، ويهدد بنشر عدم الاستقرار في المنطقة. واعترف أوباما في عمان بأن القيادة العسكرية الأمريكية العليا في العراق تعارض الانسحاب المبكر والجدول الزمني، ولكنه عقب في تصريحاته تلك بأنه إذ سيستمع لآراء العسكريين، في حالة انتخابه بأن يضع القضية في إطار إستراتيجي أوسع، مما يره العسكريون، قاصدا أن العراق يأتي بعد أفغانستان، ولا بد من سحب قوات من العراق بسرعة لإرسالها إلى أفغانستان.
إن على الحكومة العراقية أن تبني مواقفها انطلاقا من المصالح الوطنية العراقية العليا والمستقبلية، وإن المطالبة برفض أي جدول زمني للانسحاب، وأي انسحاب سريع، هي مطالبة وطنية بحته، لا حبا بعيون الولايات المتحدة، وبوش، برغم وجوب تقدير كل ما قدمته أمريكا من تضحيات عسكرية، وما أنفقت من أموال بحدود 300 مليار دولار، وأكثر من 4000 جندي قتيل، وإذا كانت حرب إسقاط نظام صدام لدوافع حماية الأمن الأمريكي، فإنها، في الوقت نفسه، خدمت شعبنا، حيث التقت المصالح، وإن مصالح الدول قد تلتقي، وقد تفترق، وكل دولة مستقلة تنطلق أولا من مصالحها، واعتباراتها الإستراتيجية.
إن مما يثير التساؤلتصريحات السيد رئيس الوزراء المتناقضة عن الموضوع، فحال عودته من إيران قال إن المفاوضات وصلت quot;لطريق مسدودquot;، مخالفا بذلك تصريحات سابقة، وتصريح السيد زير الخارجية، ونأمل أن لا يخضع السيد المالكي لضغوط داخلية، أو إيرانية، وأن لا يتأثر بمزايدات المزايدين، ولا بنفاق الملالي، وكيل المديح المراهن للحكومة العراقية لحد أن يصرح مؤخرا القائد الأعلى للحرس الثوري بأن الحكومة العراقية quot; هي المعجزة التي لا سابق لها في التاريخquot;!!، [نصا]، والغرض تشجيع الحكومة العراقية على المزيد من مجاملة إيران، ومهما فعلت في العراق.
أخيرا، لقد أحسن الأستاذ الشابندر في مقاله بإيلاف حين يقول:
quot;أنا أقول ليس من المعلوم أن كل حكومته [المالكي]، راغبة، أو متطلعة لمثل هذا الطلبquot;، وquot; إن معاهدة أمريكية ndash; عراقية طويلة الأمد ليست بعيدة عن رغبة الكثير من العراقيين، على مختلف مشاربهم القومية، والمذهبية، والسياسية، وذلك لاعتقادهم بأن التواجد الأمريكي في العراق يعد السبب الأعمق لمنع تدهور الأوضاع الأمنية من جديد، خاصة وإن ما شهدته الأيام المتأخرة من مكسب أمني يندرج تحت عنوان تراجع العمليات الإرهابية وليس تحقيق أمني مدني بالمعنى العملي.quot;