كيف سيحترم العالم الأوربي والغربي بشكل عام العرب؟. تبادر هذا السؤال لذاكرتي عقب الأزمة التي افتعلتها ( الجماهيرية القذافية العظمى ) مع الدولة والشعب السويسري، بسبب ما تعرض له ابنه الرابع عددا ( هنيبعل ) في سويسرا قبل أسبوعين، بسبب اعتقاله من قبل الشرطة السويسرية لمدة يومين بعد شكوى من خادمة تونسية وخادم مغربي إثر تعرضهما للضرب المبرح من الولد وزوجته في فندق ( ويلسون ) الفخم في مدينة جينيف، وقد تمّ ضرب الخادمة التونسية بقضيب حديد على رأسها، أفقدها الوعي وسبّب لها ألما مبرحا. ولأن الزوجة الهنيبعلية حامل، قامت الشرطة السويسرية بنقلها للمستشفى لتكون تحت الرعاية الطبية،وبعد تدخل سفارة الجماهيرية القذافية العظمى ودفعها كفالة مالية بلغت حوالي نصف مليون فرنك سويسري، أُخلي سبيله وغادر سويسرا مع زوجته وحاشيته وحراسه من اللجان الشعبية الذين يزيد عددهم عن أربعين شخصا، في طائرته الخاصة التي ترافقه في جولاته، وبالطبع فكل مصاريف الطائرة وطاقمها ورواتب ومصاريف حاشيته وتكاليف الفنادق الفخمة التي لا يحجز فيها إلا طابقا كاملا، فهي مسروقة من ثروة الشعب الليبي، الذي رغم النفط فهو من أتعس وأفقر شعوب أفريقيا. إثر ذلك ثارت عنجهية العقيد وتضخم تخلفه المعروف، فحرّك دكاكينه المسمّاة quot; اللجان الثورية quot; للتظاهر في شوارع جماهيريته وأمام السفارة السويسرية، مطالبين بالثأر للشرف القذافي المهان، عبر قطع العلاقات الدبلوماسية ووقف تصدير النفط الجماهيري لسويسرا، وسحب الودائع القذافية من بنوك سويسرا.
ما هذه المسخرة؟
وقد نسى الولد الضال المدلل أنه في سويسرا، حيث لا يمكن أن تسكت الشرطة عن أية شكوى تقدم لها حتى لو كانت ضد رئيس الوزراء السويسري، وعليه أن يخضع للتحقيق في مركز الشرطة لبيان حقيقة الشكوى، وهذا ما حصل مع الولد الجماهيري، خاصة أن الشكوى ضده من خادمين عربيين، و لولا أنهما تعرضا للضرب المبرح والقذف والشتم لما تقدما بشكواهم حرصا على استمرارهم في خدمة الولد والتمتع بالتنقل معه من فندق إلى آخر في طائرة خاصة غير متوفرة لرؤساء وزراء دول أوربية. وهذه ليست السابقة الإجرامية الأولى لهذا الولد، فقد سبق أن تعرض للملاحقة في باريس عام 2004 بسبب قيامه بقيادة سيارته البورش الفخمة بسرعة 140 كيلومتر في الساعة، في شارع السرعة القصوى المسموح بها 100 كيلومتر في الساعة. وفي عام 2005 قامت الشرطة الفرنسية أيضا بملاحقته إثر قيامه بتكسير محتويات الجناح الذي كان يشغله في فندق إنتركونتينانتال الواقع قريبا من دار الأوبرا في باريس، وذلك عقب قيامه بضرب صديقة له تمّ نقلها للمستشفى، وفي فندق آخر قام بضربها أيضا، وأخرج مسدسه مهددا عمال وموظفي الفندق مما أدّى لاستدعاء الشرطة التي اعتقلته للتحقيق معه، ودوما تتدخل السفارات القذافية لإخلاء سبيله بكفالة مالية باهظة لكونه يحمل جوازا دبلوماسيا.
ألا يخجلون؟
ودخلت هذه الحرب الجماهيرية ضد دولة سويسرا البروفسورة الدكتورة القانونية عائشة القذافي، التي استعملت كافة خبراتها الدولية في القانون والسياسة الاستراتيجية وعلم النفس والتنجيم، معلنة دفاعا عن شقيقها الولد الضال quot; إن تدخل الشرطة السويسرية كان غير قانوني وأنه بدافع العنصرية ضد العرب quot;. وقد تجاهلت البروفسورة القذافية أن تدخل الشرطة السويسرية كان بسبب شكوى قدمها مواطنان عربيان ( مغربي و تونسية )، أي أنه جاء دفاعا عن مواطنين عربيين لإنقاذهم من براثن شقيقها المعروف عنه سوابقه الإجرامية في داخل جماهيرية اللجان القذافية وخارجها، خاصة الدول الأوربية مستغلا الملايين التي سرقتها عائلته من ثروة الشعب الليبي وحمله جوازا دبلوماسيا، يتنقل به حاملا إساءاته وتعدياته من عاصمة إلى أخرى، غير آبه هو ووالده وعائلته بالسمعة السيئة المتنقلة معه، مشوها صورة العربي والمسلم، لأنه في الثقافة الأوربية دوما أولاد رؤساء الجمهورية والوزراء والمسؤولين الكبار أكثر التزاما بالقانون والأخلاق العامة والضوابط الإنسانية، لأن ما يرتكبونه يُحسب على آبائهم وعائلاتهم، إلا في حالة ( العرب ) خاصة الأسرة القذافية التي شوهت خلال ألأربعين عاما الماضية صورة العربي بشكل تعجز عنه كافة الأجهزة المعادية. إذ يكفي جريمته النكراء في تفجير طائرة بان أمريكان الأمريكية فوق قرية لوكربي البريطانية عام 1988 التي راح ضحيتها 270 مواطنا أمريكيا وأوربيا، وظلّ النظام القذافي ينكر مسؤوليته عنها، ومع استمرار تضييق الخناق الأمريكي والدولي عليه، اعترف عام 2003 بمسؤوليته الكاملة عن العملية الإرهابية، ودفع فعلا ما يقارب ثمانية مليارات دولار تعويضات لذوي الضحايا، وما زال مواطنه محمد المقراحي عضو مخابراته اللاجماهيرية قيد السجن في بريطانيا.
وهكذا بدلا من أن يعتذر عميد الحكام العرب للدولة السويسرية، ويقوم بمحاسبة ولده الهنيبعلي، يصعّد ضد سويسرا كالتالي:
وقف تصدير النفط لها، منع رعاياها من دخول جنته الجماهيرية، اعتقال مواطنين سويسريين في عاصمته العظمى، التهديد بسحب السفراء ما لم تعتذر الحكومة السويسرية، سحب الأرصدة الليبية من البنوك السويسرية، وأخيرا طرد الشركات السويسرية من بلاده العظمى..هذا بينما هذا القذافي للدم، قام في عام 1991 بإرسال وفد من لجانه الجماهيرية المخابراتية لدولة إسرائيل تحت اسم الحجاج الليبيين، وفتحت السفارة الإسرائيلية في القاهرة أبوابها يوم عطلتها السبت لمنحهم تأشيرات دخول ووصلوا القدس فعلا. ولمّا اكتشف الشعب الفلسطيني أن الهدف من زيارتهم هو إبداء حسن النية لتساعده إسرائيل في إنهاء قضية الجريمة الإرهابية المتمثلة في إسقاط طائرة بان أمريكان، تظاهروا ضدهم وطردوهم مما اضطر حجاج المخابرات الليبية لقطع زيارتهم والمغادرة لجماهيريتهم العظمى، ورغم ذلك قبلت مبادرة حسن النية، مما أدى لدفعة التعويضات وانتهاء المقاطعة الأمريكية الأوربية لنظامه.
تسعة وثلاثون عاما....من يصدق؟؟
بعد أسابيع قليلة تمر تسعة وثلاثون عاما بالتمام والكمال على انقلاب الملازم الجماهيري مؤسس الجماهيرية اللاديمقراطية اللاعظمى، الذي اغتصب السلطة مستوليا على ليبيا شعبا وثروة حاضرا ومستقبلا، من خلال قمع لا مثيل له تقوم به أجهزة مخابراته التي يطلق عليها اسم quot; اللجان الثورية: ويحركها كقطع الشطرنج خاصة لتنظيم مظاهرات غالبها من أعضاء فروعها المخابراتية، ودوما هذه المظاهرات للدفاع عن القائد العظيم وعائلته، و إلا من يصدق أن هذه اللجان لم يحدث أن تظاهرت في أية مناسبة عربية، وتتظاهر دفاعا عن الولد الضال الذي شوّه صورة العرب جميعا من خلال تصرفاته الإجرامية هذه. وسيظل هذا الطاغية وعائلته، وكل من يشبههم في الأقطار العربية يستولون على السلطة والشعب والثروة، طالما هذه الشعوب العربية محكومة بالخوف والجبن وانعدام الكرامة. و إلا لماذا غالبية الشعوب تتحرك لإسقاط طغاتها فيما عدا العرب العاربة والمستعربة. الشعب الإيراني تحرك عام 1979 وأسقط شاه إيران أقوى الطغاة آنذاك. الشعب الروماني تحرك عام 1989 وأسقط الديكتاتور تشاويسكو، الذي هرب إلى الحدود ولحقت الجماهير الرومانية به وأعدمته. الشعب الجورجي أسقط الديكتاتور شيفرنادزة عام 2003 بالتظاهرات السلمية....والقائمة طويلة، إلا الشعوب العربية دون غيرها، تخرج ليلا ونهارا تهتف بحياة الطغاة والمستبدين...بالروح والدم نفديك يا..... و إلا من يبقي هذا الطاغية وعائلته في السلطة تسعة وثلاثين عاما..من يصدق؟
لو حدث هذا في أمريكا
ولنتذكر أنه عندما تمّ توقيف هذا الولد الضال في فرنسا، لم تتحرك مخابرات اللجان القذافية للتظاهر، لأنها فرنسا الدولة العظمى التي تستطيع لوي ذراع العقيد وأمره بالسكوت و إلا...وكذلك لو حدثت جرائم هذا الهنيبعل في داخل الشقيقة الكبرى الولايات المتحدة الأمريكية، هل كان يجرأ العقيد على تحريك مظاهرة من عشرة مخبرين له؟ ولكن لأنها سويسرا الدولة المسالمة المحايدة فقد وجدها فرصة لإظهار مؤيديه من المخبرين واللصوص..وبالتالي فعلى العرب أن يعرفوا لماذا يحتقرهم ولا يحترمهم العالم. إن أي مواطن سويسري أو أوربي من المستحيل أن يرتكب هكذا جرائم في بلاد الغير، وإن حدثت فلا يعيب حكومة بلاده أن تعتذر علنا....ولكن هذه هي العنجهية والتخلف العربي الذي أسوأ نماذجه القذافي وعائلته.
[email protected]