سربت مصافي وسائل الإعلام أخيرا بعض تفاصيل الإستراتيجية الجديدة للدفاع القومي في الولايات المتحدة، تدعو فيها المؤسسة العسكرية الأميركية لإتقان حرب (غير عادية) بدلا من التركيز على الحروب التقليدية ضد دول أخرى. وحسب صحيفة quot; واشنطن بوست quot;: فإن هذه الإستراتيجية تأتي تتويجا لجهود روبرت جيتس منذ توليه وزارة الدفاع في نهاية 2006، وتبرز رأيه بأن الأمة يجب أن تسخر مصادر القوة العسكرية والسلطة اللينة لدحر عدو معقد ومتحول. وتدعو لموازنة المخاطر بين التهديدات غير التقليدية والحرب التقليدية التي تتضمن جيوشا متنافسة ومواجهات بأسلوب الحرب الباردة.
في تصديره الوثيقة كتب جيتس: إن هذه الوثيقة quot;مخطط نجاحquot; للإدارة القادمة، خاصة وإن الحرب في العراق وأفغانستان تمثل نوعا من القتال الذي سيجابه الولايات المتحدة في السنوات المقبلة، لكننا لا يمكن أن نغفل عن المفاهيم الضمنية لخوض حرب طويلة الأمد وعرضية ومتعددة الجبهات والأبعاد، أعقد وأكثر تشعبا من مواجهة الحرب الباردة مع الشيوعيةquot;. quot;والنجاح في العراق وأفغانستان حاسم في كسب هذه الحرب، لكنه لن يأتي وحده بالنصرquot;.

ورغم أن جيتس يعتنق مصطلح quot;الحرب الطويلةquot; الذي اعتمده سلفه دونالد رمسفيلد لمعادلة القتال ضد الإرهاب، فإن إستراتيجيته تختلف عن إستراتيجية رمسفيلد في أنها لا تركز على العمل العسكري الاستباقي، وبدلا من ذلك تشجع القادة الأميركيين الحاليين والمستقبلين للعمل مع الدول الأخرى على محو الظروف المعززة للتطرف، وهذا هو لب القصيد.
قبل أربعين عاما، صدر كتابان علي درجة كبيرة من الأهمية، أعيد طرحهما الآن للجدل والنقاش داخل دوائر صنع القرار الامريكي، الكتاب الأول بعنوان quot; حتي يحل السلام quot; وصدر في نيويورك عام 1968 لمؤلفه (نايجل كالدر)، وفيه يستشهد بما كتبه الجنرال أندريه بوفر في كتابه (الحرب الكلاسيكية في سنوات الثمانين)، إذ يقول: quot; ان الحرب لم تعد ممكنة إلا في تلك الأجزاء من العالم التي لا يلعب فيها الردع النووي أي دور، وحتي هذه الحرب التقليدية، علي الرغم من أهوالها، ستكون محدودة بواقع إن التهديد، الماثل دوما، بالتصعيد، من شأنه أن يؤدي إلي حرب نووية quot;.
أما الكتاب الثاني ففيه فصل المقال في مسألة الحرب، رغم سخريته اللاذعة، وعنوانه quot; تقرير من جبل الفولاز quot; وصدر في نيويورك عام 1967، يقول: quot; ان الحرب هي حق لا مفر منه من أجل مسار مجتمعاتنا، بحيث سيتوجب علينا، لإزالة الحرب، أن نكتشف وسائل لحل مشاكلنا تكون أشد وأكثر قدرة علي القتل quot;.
هذا المبدأ الأخير أصبح مشكوكا فيه إلي حد كبيرrlm;,rlm; ذلك أن التهديد والتدمير اليوم لا تمارسه الجيوش الجرارة في ساحات معروفة للقتالrlm;,rlm; وإنما يعتمد علي منظمات وشبكات غير معروفة العنوان أو الهويةrlm;,rlm; حتي وان أعلنت هويتها عبر مواقع الأنترنت والفضائيات ,rlm; أو لها حتي مركز واحد لصنع القرارrlm;,rlm; وبالتالي أصبح من الصعب ردعها أو تخويفها والتأثير فيهاrlm;,rlm; وهو ما يؤكد أننا أمام مفهوم جديد للحرب يتناقض مع منطق القتل التقليدي rlm;.rlm;
ان المطاوي وقاطعات الورق المقوي والأحزمة الناسفة والعربات المفخخة هي الأسلحة التي تخاض بها الحروب اليومrlm;، وليست ترسانة الأسلحة التقليدية أو النووية، وخلفها يكمن أمرانrlm;:rlm; سياق حربي حقيقيrlm;,rlm; أو متخيلrlm;,rlm; يعتمد علي التجنيد والتدريب والمعلومات والتجسس والاستطلاع والدعاية والموارد الماليةrlm;.rlm; والأمر الثاني - وهو الأهم - بث ثقافة العنف والتعصب، وتكفير الآخر وإهدار دمه.rlm;
وهي الثقافة التي تتسلل من الحواجز الجمركية والبوابات الإلكترونيةrlm;,rlm; ولا تظهر علي كاميرات الفيديو أو عند تفتيش الحقائبrlm;، وبالتالي لا تصلح معها الحرب الوقائيةrlm;... لقد أصاب من قال ان السلاح النووي لم يعد هو السلاح الوحيد الذي يهدد السلام العالمي، وإنما الإرهاب بشتي صوره.... المطلوب إعاده تأهيل ثقافي طويل المدي، فالقضاء علي الإرهاب quot; كفعل quot; ليس كافيا، ولكن quot; كثقافة quot; هو الأهم.


أستاذ الفلسفة جامعة عين شمس
[email protected]