لاقت مقالتي السابقة (العنجهية والتخلف: القذافي وعائلته ولجانه الثورية نموذجا)، صدى واسعا بين القراء من مختلف الأقطار العربية، بدليل أنه حتى لحظة اختفائها من الصفحة الرئيسية لإيلاف تلقت المقالة 42 تعليقا، ومن خلال رصدها بدقة متناهية توصلت إلى ما يلي:
أولا: أن أغلب التعليقات من قراء ليبيين سواء من وضع أمام اسمه صفة (ليبي) أو كما يُفهم من مضمون التعليق. وكانت غالبية هذه التعليقات مؤيدة بالمطلق لما ورد في المقالة من حقائق عن التصرفات الشاذة المرفوضة لنظام القذافي وعائلته. وبعض هذه التعليقات كانت أكثر قسوة وهجوما على الجماهيرية القذافية، كما ورد في التعليق رقم 17 بعنوان(مرفوض) لمن كتب باسم (الشافعي رجب الشافعي)، إذ ورد في تعليقه قوله:
quot; هنا أيها السادة والسيدات الكرام انكشف الغطاء عن القذافي، وعرف بأنه مرفوض رفضا قاطعا من الشعب الليبي، ولنرى معا لماذا رفض الشعب القذافي. الشعب الليبي رفض خطاب القذافي. الشعب الليبي رفض وجود القذافي. الشعب الليبي رفض ما فعل القذافي وأبنائه.....دعْني أقولها لك ولأمن أبيك السّفاح: أبناء ليبيا سيعملون ويجتهدون ليلا ونهارا لإزاحة أبيك وطاقمه الغبي. سنعمل لتطبيق القانون، لا أبيك ولا قضاة أبيك ومحامييه وحاشيته، أدركوا بأن هذا القانون كان موجودا يا ابن السّفاح. اسمع أيها الأبله: الموضوع والقضية ليست بالسهولة التي أنت تتصورها. المسألة ليست مسألة مادة ملك أو حكم. فاسمع أيها الأبله هناك شيء اسمه قيم. هناك شيء اسمه مبادىء. هناك شيء اسمه عزّة وشرف. هناك شيء اسمه ليبيا. هناك شيء اسمه الشعب الليبي. لو استطعت تقييم القائمة أعلاه يا سيف (ابن القذافي سيف الإسلام) فما هو ثمن أية منها؟ وما هو ثمنها أجمع؟ يا سيف القيم والمبادىء أشياء ينتمي إليها الإنسان وتزرع به منذ الولادة فتصبح جزءا منه، لذلك لم نرى أو نلاحظ هذه ألأشياء في شخصك، لذلك فشل أبوك في تربيتك وتربية إخوانك مثلما فشل في نظريته التي لم يصدقها إلا الأغبياء، وقام بحمايتها أمن أبيك الفاشي الذي لا أمان له، فهل عرفت ألآن أنت وأبيك وإخوتك ولجانك ومؤسساتك وأمنك وقضاتك ومحاميك بأنكم قوم quot;مرفوضquot;). هل هذه القسوة في النقد والتشريح لهذا النظام الذي يكتم أنفاس الشعب الليبي منذ أربعين عاما تأتي من فراغ، أم تعبر عن معاناة الشعب من النظام الفاشي كما يصفه هذا المواطن الليبي؟.
ثانيا: يكتب بعض القراء دون التمعن في المقالة التي يعلقون عليها، لذلك تأتي تعليقات هذا البعض لا علاقة لها بموضوع المقالة، كما ورد في التعليق رقم 14 بعنوان (على مهلك) لمن كتب باسم (محمد)، إذ ورد في تعليقه:
quot; نرجو من الكاتب التمهل لأنه من الواضح أنه متوتر قليلا، والدليل هو استخدامه لدلالات عدوانية تجاه اسم هنيبعل...هل هذا يصحّ بحق هنيبعل القائد القرطاجي الفينيقي العسكري الفذ الذي كاد أن يدمر روما ويغير وده التاريخquot;. إذا كان هنيبعل قائدا تاريخيا رغم هزيمته في زاما التونسية عام 202 قل الميلاد، فهل اسمه التاريخي يمنع انتقاد المعاصرين الذين حملوا اسمه، خاصة هنيبعل القذافي التي كانت غزواته في أوربة ليست فتوحات علمية أو نشاطات ثقافية حتى لو كانت محاضرات عن quot; الكتاب الأخضرquot;، ولكنها فتوحات وغزوات لتكسير أجنحة الفنادق التي ينزل فيها، وضرب الخدم العرب الذين يخدمونه وحاشيته، وقيادة سيارته بسرعة فائقة مخالفا قانون الدولة التي يمارس (زعرنته) فيها، وإشهار مسدسه مهددا الموظفين في الفنادق. فهل هذه غزوات تشرف اسم هنيبعل القائد القرطاجي؟ وكم من لص ومجرم وقاتل وسفاح، يحملون اسم (محمد) و (عمر) و (خالد)، فهل الدلالات التاريخية العظيمة لهذه الأسماء تبرر جرائم حاملي أسمائهم المعاصرين أو السابقين واللاحقين؟. ولماذا لم يفكر ابن القذافي أن يكون سلوكه وتصرفاته تليق بهذا الاسم التاريخي الذي أطلقه على نفسه؟. وضمن نفس السياق فواحد من أبناء المعمر القذافي اسمه (سيف الإسلام)، فلماذا لم نسمع من quot; سيف القذافي المسلولquot; إدانة لتصرفات أخيه المرفوضة والشنيعة؟ كيف يكون سيف الإسلام وشقيقه هنيبعل يشوه صورة العرب والإسلام وهو ساكت، والسكوت علامة الرضا؟.
ثالثا: يكتب بعض القراء ما يعتقدون أنه معلومات، وهو إما ادعاءات أو فبركات للتحامل على الكاتب معتقدين أن البعض سيعتبرها حقائق، كما ورد في التعليق رقم 5 بعنوان (غريبة) للقارىء الذي كتب باسم quot; متابع quot;، إذ ورد في تعليقه الادعاء التالي:
quot; غريبه هذا الهجوم من قبل الكاتب على ليبيا، على الرغم ة من أنه عاش الكثير من سنوات عمره في ليبيا، وكان يمجد دائما في القذافي وحكمه وبلده. لا أعلم ما الذي قلب الأمور: هل هي المواقف السياسية أم أسباب شخصية quot;. وأقول صراحة وبوضوح، أنني لم أعش في ليبيا سنوات، بل عام دراسي جامعي واحد فقط، أثناء عملي نهاية عام 1979 مدرسا بكلية التربية بجامعة الفاتح، والعام الجامعي لا يتعد ثمانية شهور، وغادرت ليبيا بقرار ذاتي عند بداية المسخرة التي كان وما زال اسمها quot; اللجان الشعبية quot; وهي في الواقع مجرد أدوات للنظام يتركز عملها في دعم تنظيرات القائد المفكر المعمر القذافي، وغادر آنذاك الجامعة أكثر من زميل فلسطيني وعربي. أما ادعاءه بأنني كنت أمجد وأمدح القذافي، فانا أقول صراحة هذه كذبة كبيرة، أتحدى القارىء وأي مسؤول ليبي أن يقدم سطرا واحدا كتبته تمجيدا في القذافي وحاشيته، وإن ثبت هذا فأنا على استعداد أن اعتزل الكتابة علنا، لأن الكتابة مهمة حضارية تنويرية لا تليق بمدّاحي السلاطين والحكام.
وللتذكير فقط أنه في عام 1974 عندما كنت أعمل في مجلة الرائد الكويتية التي كانت تصدر عن جمعية المعلمين، كنت واحدا من الصحفيين الذين أجروا لقاءا صحفيا مع المعمر القذافي، وأتحدى إن كان اللقاء أكثر من سؤال وجواب. وكتاباتي النقدية ضد هذا النظام اللاجماهيري ليست وليدة اليوم، بل منذ سنوات عديدة لأنني اطلعت ميدانيا على فضائح وجرائم هذا النظام، ومصادرته لأبسط حقوق الإنسان الليبي، وسجله في ميدان حقوق الإنسان من ضمن السجلات القذرة في العالم العربي. وليت هذا القارىء وغيره يقرأ ما يكتبه الكتاب الليبيون أنفسهم، والساسة الليبيون الذين عملوا مع هذا النظام ثم غادروه، ليكتشف أنني لست الوحيد الذي ينتقد ممارسات وسياسات هذا النظام. وهذا القارىء وغيره يخلطون بين البلد والنظام الذي يحكم أو يتحكم في البلد، فهو يقول: quot; هذا الهجوم من الكاتب على ليبيا quot;، وهذا ما استغربه من كل من يستعمل هذا الخلط: فهل نقد النظام يعتبر نقدا للشعب والبلد؟ ولأن هذا الخلط الأعمى منتشر بين بعض القراء سبق أن عالجته في مقالة بعنوان quot; التفريق في النقد بين الأنظمة وشعوبها quot;.
أية جماهيرية هذه؟
وهؤلاء القلة من القراء الذين يدافعون عن هذا النظام أتمنى أن يختلوا لحظة مع ضمائرهم، ويسألوا أنفسهم:
أية جماهيرية هذه التي يتسلط فيها هذا المعمر القذافي وعائلته ومخابراته على مقاليد السلطة فيها منذ أربعين عاما؟. أية جماهير انتخبته وصوتت له؟.
أية جماهيرية هذه التي تسمح لأولاده بهذه السفرات بطائرات خاصة مع حاشية ومرافقين، لمختلف العواصم الأوربية في أفخم الفنادق؟ هل هذه الأموال من عرق جبينهم أم من رواتب شهرية يقبضونها؟ وأية رواتب شهرية تسمح باستعمال طائرات خاصة ومئات من المرافقين والحراس والخدم والخادمات؟
أية جماهيرية هذه التي لا تسمح بأي إضراب أو اعتصام أو مظاهرة سلمية مناوئة للنظام وتوجهاته؟
أية جماهيرية هذه التي تقع فيها جرائم عظمى بحق السجناء السياسيين، ليست آخرها مجزرة سجن أبو سليم في مدينة طرابلس في يونيو عام 1996. وهي مجزرة ترقى لحد ألإبادة الجماعية، وقد تم ارتكابها بأوامر شخصية من العقيد المعمر القذافي شخصيا، وأشرف عليها كل من: عبد الله السنوسي ndash; صهر القذافي، منصور ضو ndash; ابن عم القذافي ورئيس حرسه الشخصي، التوهامي خالد ndash; رئيس المخابرات العامة ndash; نصر المبروك ndash; وزير الأمن العام، محمد صالح قرين ndash; رئيس كتيبة الحرس الثوري، عامر المسلاتي ndash; مدير سجن أبو سليم، و إبراهيم التبروري ndash; الكاتب العام للسجن. وتمت وقائع هذه المجزرة كما نشرتها العديد من المواقع والكتب الليبية الموثقة كالتالي:
نظّم المعتقلون من السجناء السياسيين احتجاجا داخل السجن يوم الجمعة الثامن والعشرين من يونيو عام 1996 مطالبين بتحسين أوضاعهم المعيشية، وإخراج المرضى منهم للعلاج ومن بينهم 120 مريضا مصابين بالسل والمطالبة بمحاكمات عادلة. وصل الخبر للمعمر القذافي فأصدر أوامره لصهره عبد الله السنوسي، الذي وضع خطة اقتحام السجن ووافق عليها المعمر شخصيا، فطلب السنوسي من المعتقلين تعليق احتجاجهم والعودة لعنابرهم في السجن، كي يضع خطة تفصيلية تستجيب لمطالبهم، فاعتقد السجناء أنهم يتعاملون مع مسؤول صادق وشريف، وكانت كذبته هذه فقط كي يكسب الوقت لوصول تعزيزات الشرطة والجيش المسلحة بكافة أنواع الأسلحة، الذين بادروا للتمركز على أسطح عنابر السجن. ويوم السبت التاسع والعشرين من يونيو 1996 بدأت هذه القوات بإطلاق النار عشوائيا على المعتقلين السياسين، وكانت النتيجة الموثقة بالأسماء قتل 1200 سجينا سياسيا. وبعد يومين في الأول من يوليو 1996 قامت أجهزة النظام بدفن القتلى في مقبرة جماعية في محيط السجن.
أية جماهيرية هذه التي تنفق مئات الملايين من الدولارات على تنظيم وعقد ندوات شبه سنوية للحديث عن أعمال المفكر القذافي، وإبداعاته في مجال تنمية آفاق الفكر العالمي في كافة الميادين الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والاستراتيجية الدولية؟
وأية عظمى هذه؟
وهؤلاء القلة من القراء ليتهم يسألون أنفسهم:
أية عظمى هذه الجماهيرية التي لا تذكر في المحافل الدولية إلا بمؤتمرات العقيد المعمر الخاصة بتحرير الهنود الحمر، وعمليات إرهاب quot; لوكربي quot; ومرقص quot; لا بيل quot; في برلين، التي ما زال دفع التعويضات عن القتلى فيها مستمرا رغم المليارات الثمانية التي تمّ دفعها عام 2003، فقد نقلت أخبار الأيام القليلة الماضية كما قال المحامي الأمريكي جيم كريندلر، أنه بموجب اتفاق جديد ستدفع الجماهيرية العظمى مبلغ 536 مليونا من الدولارات لتسوية مطالب التعويض الباقية لضحايا تفجير لوكربي، كما ستدفع مبلغ 283 مليونا لضحايا تفجير الملهى في برلين الغربية سابقا عام 1986 أي عامين قبل تفجير لوكربي.
أية عظمى هذه في غير حربها العبثية ضد تشاد عام 1986 التي استمرت عشرة أعوام، ثم انسحب جيشها العظيم من إقليم أوزو الذي كان يدّعي العقيد المعمر عائديته لجماهيريته العظمى؟ وعلى هذا البعض من القراء المدافعين عن النظام أن يخمّنوا كم كلفت هذه الحرب الشعب الليبي من قتلى وجرحى ومفقودين، وكم مليارا كلفت الخزينة الجماهيرية؟
أية عظمى هذه في غير مأسآة طرد ألاف من الفلسطينيين عامي 1995 و 1996 إلى الصحراء على الحدود المصرية الليبية عند معبر السلوم، حيث مكثوا ما لا يقل عن ستة شهور في العراء والخيام، سقط منهم العديد من الموتى، ثم أعادهم المعمر القذافي في شاحنات ليجدوا أن أغلب منازلهم وممتلكاتهم تمت مصادراتها من لجانه المخابراتية اللا شعبية.
أية عظمى هذه في غير تلفيق قصة الممرضات البلغاريات والطبيب الفلسطيني، واعتقالهن من سبتمبر عام 1999 إلى يوليو عام 2007، محاولا استغلال القضية لتحقيق انفتاح مع المجتمع الدولي، وهي قضية ملفقة بدليل أنه أفرج عنهن.

القائمة طويلة ومريرة ومؤلمة، وهي تعطي نموذجا من الطغاة المتسلطين على قلوبنا وظهورنا من المهد إلى اللحد، حيث لم نتخلص من هؤلاء الطغاة إلا بواحد من اثنين: عزرائيل ملك الموت أو الرفيق جورج بوش....اللهم نجينا مما هو آت!!!.
[email protected]