ختان الإناث جزاره لا طهارة!
قراءة إجتماعية وأدبية

ختان البنات سؤال يؤرقنى منذ أن كنت طفلاً أرى بنات عائلتى يسقن إلى مصيرهن وكأنهن ذاهبات إلى السلخانة، وكبر السؤال وتضخمت علامة الإستفهام عندما إلتحقت بكلية الطب وعرفت أن هذه الجزارة البشرية التى يمارسها المصريون مع بناتهم لا تمت لعلوم الطب بأية صلة، وتيقنت وتأكدت من أن العرف والعادة والتقاليد والخرافة أحياناً ما تكون أقوى من المصلحة وأعلى صوتاً من المنطق وأشد إقناعاً من الحقيقة العلمية الواضحة، وتساءلت لماذا تدلف بناتنا من عتبة الطفولة إلى باحة أجمل سن وهو سن المراهقة عبر نافورة من الدماء؟!، وكيف نسمح لأنفسنا بممارسة كل هذه السادية بتقطيع أجسادهن وبتر أعضائهن؟، ولماذا تتضخم لدينا غدة الوصاية وننصب من أنفسنا حماة للأخلاق المزيفة التى لا يمكن أن تصنعها مجرد quot;جلدةquot; إسمها البظر ولكن تصنعها منظومة كاملة من القيم يعلمها لنا الدين وتلقنها لنا الأسرة ومؤسسات المجتمع؟، ولماذا أصبحت لدينا عقدة من ممارسة البهجة ووسواس قهرى من شعور الفرحة ورعب وفزع من النشوة ومصادرة لحق إنسانى مشروع وهو حق الإستمتاع بالجسد بكامل طاقاته التى خلقها الله بداخلنا؟!، كل هذه الأسئلة وغيرها توالدت فى رأسى ثانية مع بدء حملة مقاومة الختان التى تبناها المجلس القومى للأمومة والطفولة، ووجدت أنه لا مفر من طرحها حتى يواجه المجتمع نفسه فى المرآة ويرى تجاعيده بكل تفاصيلها وملامحها، فطرح الأسئلة أحياناً يكون أهم من الإجابة نفسها، وقليل من الإستفزاز العقلى فى مثل هذه القضايا يكون مفيداً، ولذلك كان لا بد من مناقشة هذا الموضوع من كافة جوانبه المتعددة المتشابكة، فختان البنات ليس مشكلة طبية أو دينية أو إجتماعية فقط، ولكنها حاصل جمع هؤلاء جميعاً ونتيجة تفاعل تلك العوامل بحيث تعد مناقشة عنصر من هذه العناصر منفرداً نوعاً من الغش والخداع.

من المضحكات المبكيات فى قضية الختان أن يحدث الخلط الذهنى وعدم وضوح الرؤية فى أذهان المثقفين بنفس درجة اللخبطة والتشويش التى تحدث بها عند العامة والبسطاء، ويكفى أن نعرف أن أعلى صوت مدافع عن الختان هو لأستاذ الأمراض النساء والولادة بطب عين شمس والغريب أنه يصر على مواصلة رفع قضيته ضد وزير الصحة السابق لأنه منع الختان!، وهذا يدلنا على أن الخرافة كثيراً ما تتفوق على العلم حتى ولو كان مسلحاً بالدكتوراه، وهنا تكمن الكارثة حين يتم تشفير العقول بواسطة الفكر الجمعى الذى يميل فى بعض الأحيان للغوغائية أكثر من الهدوء والمنطق، ولذلك يجب أن نعرف سيناريو تلك البربرية التى تحدث بإسم الدين والدين منها براء وهذا ما سنثبته فى فصل آخر بإذن الله، إنها بربرية إستحقت أن تحمل إسم quot;البتر التناسلى للإناثquot; FEMALE GENITAL MUTILATION وهو الإسم العلمى الجديد الذى تستحقه هذه الجزارة التى تنتمى لعقلية القرون الوسطى ولسلوك الهمج، وسنحاول قبل أى تحليل أن نتعرف عن قرب على هذه العملية التى من الممكن أن يكون المثقفون غير مدركين لمدى بشاعتها وذلك بأن نستمع إلى هذا السيناريو الدراكولى من عدة مصادر منها عالم الإجتماع الذى رصد والطبيبة التى عانت والروائى الذى حكى والبنت التى بترت أعضاؤها حتى نكون على نفس موجة الإحساس ونستطيع أن نستوعب أركان الجريمة حتى نصدر الحكم السليم.

البداية مع د. محمد عوض خميس أستاذ الإجتماع الذى يصف quot;حفلةquot; طهور بنت وطبعاً نحن نسميها حفلة تجاوزاً فهى حملة دموية وليست حفلة، وأهمية وصف دكتور خميس يأتى أولاً من أنه رصد بعيون أكاديمية، وأيضاً من أنه حضر الطهارة بواسطة داية وليست طبيب، والداية ما زالت حتى الآن هى مندوب الشرف السامى فى الأوساط الشعبية التى تمثل الغالبية، ويصف أستاذ الإجتماع هذه الحفلة السادية قائلاً quot;يجتمع حشد من النساء الأقارب المتزوجات وغير المتزوجات وعدد كبير من الأطفال والأخوة الذكور والأب وعدد محدود وخاص جداً من الرجال، وتعم الجميع فرحة غامرة!، وتتهامس النساء فيما بينهن بجمل غاية فى القباحة والتى لها دلالة على تخلفهن الشديد مثل quot;خليها تبرد نارهاquot; أو quot;علشان ما تبقاش مالحةquot;، أو quot;شوية ويتهد حيلها.. الحال من بعضهquot; أو quot;ده يكسر مناخيرهاquot; أو quot;بكره تتجوز ومهما الزوج عمل لا تتعب ولا تحسquot;...الخ، ويعقب كل جملة من هذه الجمل ضحكات مرتفعة هستيرية دلالة على الموافقة والترحيب مع التعقيبات ذات الدلالة الجنسية الصارخة، ,هذا الضحك هو نوع من أنواع الشماتة أو تعويض لنقص فمعظم الجالسات حدث معهن ما يحدث مع الفتاة المذكورة...
وهنا يسترعى الإنتباه فيما يذكره د. خميس رد فعل المرأة التى تنكر معاناتها وتتخفى وراء لسان طويل وصفاقة مفتعلة حتى تثير الغبار وتتوه القضية الأساسية، ويستكمل الدكتور وصفه قائلاً quot;تدخل الداية وهى سيدة كبيرة السن قوية الجسد متسخة أظافرها نافرة معها منديل معقود به مشرط طويل عرضه حوالى إثنان ونصف بوصة يشبه سكين الجزار، وتتطوع خمسة من النسوة ذوات الصحة الجيدة من المدعوات إلى الدخول معها ويبدأن على الفور فى رفع ملابس الفتاة حتى الجزء الأعلى من الجسم ثم يوزعن أنفسهن كالآتى: إحداهن تقف عند كتفيها ضاغطة عليهما بكل قوة، وإثنتان يمسكن بالفخذ الأيمن وإثنتان بالفخذ الأيسر ويفتحن الفخذين إلى آخر حد ممكن حتى يبدو العضو التناسلى للفتاة وهى فى حالة صراخ هستيرى بشع، ثم تقوم الداية بمنتهى الهدوء وبحركة سريعة جداً بضرب مشرطها قاطعة البظر تماماً ومعه جزء من الشفرتين، وبعدها يحدث النزيف الحاد من الفتاة وهى فى غيبوبة من جراء هذه العملية الإجرامية التى تتم بدون أى شفقة، وأثناء هذه العملية تكون النسوة يمضغن اللبان الدكر ويضعنه فى طبق ثم يشربن قهوة وتترك الأكواب والفناجين دون غسيل، وتقوم إحدى السيدات بجمع بقايا القهوة quot; التنوةquot; فى طبق آخر، يطلق البخور أثناء العملية بين النسوة المنتظرات، وتتعالى بعد خروج الداية الزغاريد الهستيرية وتقوم إحدى السيدات بخلط اللبان الدكر وتنوة القهوة والبخور المحترق معاً وتقدمهم للداية التى تدخل مرة أخرى ومعها فرقة المتطوعات لتضع الخليط السابق على الجرح وتضغطه بشكل قاسى جداً ثم تضع فوقه قطعة من قماش خشن، وتخرج الداية مرة أخرى متلقية quot;النقطةquot; أى الهبة المالية من أهل الفتاة.. إنتهى السيناريو البربرى بفرحة الجميع وزغاريدهم إلا واحدة فقط هى الفتاة نفسها التى من المؤكد أنها تنعزل بعيداً تلفها برودة الوحدة ودموع التساؤل ليه حصل معايا كده؟ وإيه الغلطة اللى أنا عملتها؟، إنها لا تعرف أن غلطتها الكبيرة هى أنها قد خلقت بنتاً!.

ومن عالم الإجتماع إلى طبيبة وكاتبة مرموقة هى نوال السعداوى تحكى تجربتها الشخصية مع الختان، تحكيها بكل شجاعة وكل مرارة أيضاً، وهذه الحكاية لها دلالة مختلفة لأنها تصدر عن طبيبة كانت وقت ختانها طفلة تنتمى إلى الطبقة الوسطى المحافظة، وإلى أسرة تتمتع بقسط وافر من التعليم والثقافة، تحكى نوال السعداوى قصة ختانها قائلة:
quot;كنت فى السادسة من عمرى، نائمة فى سريرى الدافئ أحلم أحلام الطفولة الوردية حينما أحسست بتلك اليد الخشنة الكبيرة ذات الأظافر القذرة السوداء، تمتد وتمسكنى، ويد أخرى مشابهة لليد السابقة خشنة وكبيرة تسد فمى وتطبق عليه بكل قوة لتمنعنى من الصراخ، وحملونى إلى الحمام، لاأدرى كم كان عددهم ولا أذكر ماذا كان شكل وجوههم وما إذا كانوا رجالاً أم نساء؟، فقد أصبحت الدنيا أمام عينى مغلقة بضباب أسود، ولعلهم أيضاً وضعوا فوق عينى غطاء، كل ما أدركته فى ذلك الوقت تلك القبضة الحديدية التى أمسكت رأسى وذراعى وساقى حتى أصبحت عاجزة عن المقاومة أو الحركة، وملمس بلاط الحمام البارد تحت جسدى العارى، وأصوات مجهولة وهمهمات يتخللها صوت إصطكاك شئ معدنى ذكرنى بإصطكاك سكين الجزار حين كان يسنه أمامنا قبل ذبح خروف العيد، وتجمد الدم فى عروقى ظننت أن عدداً من اللصوص سرقونى من سريرى ويتأهبون لذبحى وكنت أسمع كثيراً من هذه القصص من جدتى الريفية العجوز، وأرهفت أذنى لصوت الإصطكاك المعدنى وما أن توقف حتى توقف قلبى بين ضلوعى، وأحسست وأنا مكتومة الأنفاس ومغلقة العينين أن ذلك الشئ يقترب منى، لا يقترب من عنقى وإنما يقترب من بطنى، من مكان بين فخذى، وأدركت فى تلك اللحظة أن فخذىّ قد فتحتا عن آخرهما، وأن كل فخذ قد شدت بعيداً عن الأخرى بأصابع حديدية لا تلين، وكأنما السكين أو الموسى الحاد يسقط على عنقى بالضبط، أحسست بالشئ المعدنى يسقط بحدة وقوة ويقطع من بين فخذى جزءاً من جسدى، صرخت من الألم رغم الكمامة فوق فمى، فالألم لم يكن ألماً وإنما هى نار سرت فى جسدى كله وبركة حمراء من دمى تحوطنى فوق بلاط الحمام، لم أعرف ما الذى قطعوه منى، ولم أحاول أن أسأل، كنت أبكى وأنادى على أمى لتنقذنى، وكم كانت صدمتى حين وجدتها هى بلحمها ودمها واقفة مع هؤلاء الغرباء تتحدث معهم وتبتسم لهم وكأنهم لم يذبحوا إبنتها منذ لحظات، وحملونى إلى السرير ورأيتهم يمسكون أختى التى كانت تصغرنى بعامين بالطريقة نفسها فصرخت وأنا أقول لهم لا، لا، ورأيت وجه أختى من بين أيديهم الخشنة الكبيرة، كان شاحباً كوجوه الموتى وإلتقت عينىّ بعينيها فى لحظة سريعة قبل أن يأخذوها إلى الحمام، وكأنما أدركنا معاً فى تلك اللحظة المأساة، مأساة أننا خلقنا من ذلك الجنس، جنس الإناث الذى يحدد مصيرنا البائس ويسوقنا بيد حديدية باردة إلى حيث يستأصل من جسدنا بعض الأجزاء quot;.

تساءلت نوال السعداوى ولكن غيرها لم يتساءلن بل رضين بأن يسقن كالقطيع إلى مصير هو كالقضاء والقدر، بل والمدهش أن الكثيرات منهن نتيجة تزييف الوعى يدافعن عن ذبحهن، تخيلوا إلى أى درجة وصل غسيل المخ بالمرأة التى تتخيل أن تقديمها كقربان على مذبح الأخلاق هو أعظم تكريم!، وإذا كانت نوال السعداوى قد حكت عن تجربة ختان مألوفة لفتاة شرقية مسلمة، فإن الروائى الكبير سليمان فياض فى روايته quot;أصواتquot; يحكى عن تجربة غير مألوفة ومدهشة لإمرأة أجنبية ظن أهل زوجها المصرى أنهم بهذا الختان يحافظون على شرف إبنهم العائد من الغربة مصطحباً هذه الفرنسية الشقراء التى حتماً ستخونه إذا لم يتم ختانها، إجتمعت نسوة القرية وقررن إنقاذ شرف إبنهم حامد بختان سيمون حتى لا تصبح كما وصفوها قطة جائعة تبحث عن الرجال، وعلى لسان زينب زوجة أخ حامد التى تغار من سيمون نسمع القصة:
quot;أغلقت نفيسة النافذة وأحطنا بها فدارت حول نفسها باحثة عن مخرج، أمسكنا بها، فصرخت وقاومت، خفنا منها، فأغلقت فمها بكفى وطرحناها على السجادة فى أرض الغرفة، ورفعنا ذيل القميص الذى ترتديه، وكنا نمسك بها جيداً وهى تناضل بكا ما فيها من قوة لتتخلص من ثمانية أيد، وقالت نفيسة: ألم أقل لكم؟، وراحت نفيسة تمارس مهمة تطهيرها بالمقص، ثم بحلاوة العسل الأسود لتزيل القذر الذى تحمله بين فخذيها، وشهقت نفيسة وقالت لحماتى: quot;أنظرى ألم أقل لك؟ أنها لم تختتنquot;.
وعند هذا الإكتشاف الخطير كان لا بد أن يسيل لعاب النسوة لممارسة السادية الكامنة فيهن والتى تنتقل كالجينات الوراثية من جيل إلى جيل، ويكمل سليمان فياض الحكاية على لسان زينب فيقول quot;أخرجت نفيسة زجاجة من صدرها ونزعت غطاءها، ففاحت منها رائحة البنج وغمست فى الزجاجة قطعة قطن، أخرجتها من صدرها أيضاً، ثم وضعتها على أنف سيمون، رأيت فى ضوء المصباح عينيها مفتوحتين على آخرهما، مليئتين بالفزع، فكرت فى أن أتركها، وأدفع الكل عنها، وأوقظها، تصورت نفسى فى مكانها، لكن خطر لى أنها تبهج حامد بروحها وربما أيضاً بجسدها الذى يشبه الملبن بياضاً وطراوة لأنها لم تختتن، وكان جسدها يسترخى تحت أيدينا، وفمها يتوقف عن المقاومة، ويتوقف الأنين المكتوم المنبعث من أنفها، وعيناها تنطبقان، وتظلان مواربتينquot;....
لم يشفع كل هذا الفزع لبطلة الرواية، فالخوف والرعب يشعل رغبة النسوة ويؤججها فى مزيد من الإنتهاك، وتكمل زينب القصة قائلة quot;أخذت نفيسة تمارس مهمتها بسعادة بالغة، والنسوة واقفات مستريحات ينظرن إلى مهمة جليلة، وفى قلق وسرور شديدين، وجذبت نفيسة ذلك الشئ حتى آخره بيد، وأخرجت باليد الأخرى موساً حادة كموس الحلاق من جيب ثوبها، وفتحته ومسحته فى جانب ثوبها، ثم ضغطت بجانب السلاح، وجذبت حد الموس بسرعة، فإنفصل ذلك الشئ فى يدها الأخرى، وتفجر دمها غزيراً، لم نر مثل هذا الدم من قبل على كثرة ماشاهدنا من طهارة للصبيان والبنات، وأخذت نفيسة تدس كل ما معها من قطن لتوقف النزف، لكن القطن كان يغرق بسرعة فى الدماء المتدفقة من المسكينة، ودست نفيسة شالها، وشال سيمون، وكل ما طالته يدها فى الدم المتفزر، والدم لا يتوقف، والقماش يغرق فى بحر من الدم، لطمت حماتى خديها بيديها وصاحت: quot;يا مصيبتى، صاحت فينا نفيسة تنهرنا حتى لا نفضح أنفسنا وطلبت منى أن آتيها بكل مالدينا من بن وتراب فرن وتراب أحمرquot;.
ولم يفلح البن أو التراب أو البصل أو الكولونيا فى إيقاظ سيمون فهى قد ماتت، إنها كما قالت الحماة جاءت من بلدها لعذابها، إن هؤلاء النسوة بترن سيمون لأنها قامت بإستفزاز سكونهن وبلادتهن بإقبالها على الحياة فقررن إخراسها إلى الأبد ليس بقطع لسانها بل بقطع وبتر أنوثتها!.

ومن سليمان فياض إلى الروائى الراحل فتحى غانم وروايته البديعة quot;زينب والعرشquot; التى تم فيها ختان زينب بطلة الرواية بعد صراع ورفض من الجدة التركية دودو هانم وإصرار من الأم خديجة ذات الأصول الريفية، ولكن قانون الأخلاق المزيفة كان هو الأعلى صوتاً وموس أم إسماعيل هو الذى وضع نقطة نهاية السطر، وتم ختان زينب ويحكى فتحى غانم عن زينب بعد ختانها بيوم قائلاً quot;لما رأت دودو هانم زينب منفرجة الساقين منكسرة الرأس، طلبت منها أن تتقدم إليها، ولكن زينب وقفت حائرة، وضحكت خديجة وقالت أنها مكسوفة وكان السرور يلمع فى عينى خديجة التى حاولت أن تنقل سرورها إلى حماتها فجعلت تقول لها أنها الخير والبركة فى البيت، وأنها لم تفعل ما فعلت إلا ليقينها أن أنوثة زينب لن تكتمل إلا بالختان، وهى لن تتزوج تركياً ولكن زوجها سيكون مصرياً، وهو لن يرضى بزوجة بغير ختان، وجعلت خديجة تثرثر بحكايات عن رجال إكتشفوا أن زوجاتهن بغير ختان فكانوا يطلقونهن، أو كما حدث لحكمت الألفى وهى من عائلة تركية تسكن فى المنيرة فقد صمم زوجها على أن تجرى لها أم إسماعيل عملية الختان وهى عروس جاوزت العشرين، فنزف منها دم غزير وكادت أن تموت وهزت دودو هانم رأسها مستسلمة لكلام خديجة وقالت وهى تتنهد أن زمن الرجال الذين كانوا رجالاً قد ولى ولم يبق إلا الفلاحينquot;!.

هذه الحكايات ليست كلام روايات وإنما هى واقع كتبه من هم ضمير الوطن، إن هذه الحكايات جميعاً نقطة فى بحر القلق والتوتر الذى تغرقن فيه بناتنا المذبوحات بسكين الجهل والخرافة، والدماء النازفة من الفتاة هى فى بعض الأحيان أقل الأضرار فالنزف النفسى يكون أكثر تدميراً، ويقول عنه د. حلمى عبد السلام فى كتابه مفاهيم جديدة إن آثار الختان النفسية قد تكون سابقة له، فما أن تسمع الفتاة بما حدث لأقرانها الأكبر سناً حتى ينتابها القلق، وكلما إقتربت من السن المعتاد إجراء الختان فيه يتصاعد قلقها ويتحول إلى رعب نفسى قد يصل فى بعض الحالات إلى حدوث كوابيس وتأخر دراسى، وتزداد حدة هذا القلق كلما كانت الفتاة معتدة بنفسها وبشخصيتها، ويحكى د. طه باشر أن فتاة كانت تصرخ خلال نومها قائلة quot;الحشرة، الحشرةquot; ولكن الأهل لم يجدوا أثراً لمثل تلك الحشرة، ثم تبين أن خادمة البيت كانت قد أعادت عليها فى الأيام السابقة بأنها سوف تختن، فالحشرة التى تتكلم عنها فى منامها تعبر عند العامة بمخالبها ومنظرها المخيف عن المرأة التى تقوم بالختان، وبعد ذلك تم التأكيد للفتاة بأنها لن تختن، وقد أدى ذلك إلى أن عادت الفتاة إلى نومها الهادئquot;، وفيما يخص الآثار النفسية اللاحقة لختان البنات تقول د. سامية سليمان رزق quot;لا يمكن أن تمحى الآثار النفسية لأخذ البنت غدراً وسط مظاهر الإحتفال، لتفاجأ بعملية التكبيل ورؤية أسلحة البتر، وتعانى من الآلام والمضاعفات، فى مقابل تقديم رشاوى مادية رخيصة، فمهما كانت البنت صغيرة فهى تستطيع أن تقارن بين ما قدم لها من أكل مميز وملابس جديدة، وبين ما دفعته من كرامتها بعرضها مجردة من ملابسها الداخلية أمام أغراب، ويترتب على ذلك فقدان ثقة الطفلة فى أبويها أو من يحل محلهما، ويرتبط الغدر والأذى الجسمى والنفسى بخلق الشعور بالظلم لدى الفتاة الصغيرة والتى قد تلجأ للتعبير عنه بالتبول اللا إرادى والإنطواء الإجتماعى، فعملية الختان ليست بتراً عضوياً ولكنها أيضاً بتر نفسىquot;.

حقاً إنها عملية بتر نفسى قبل أن تكون بتراً جسدياً، إن محاولة بتر المرأة إجتماعياً محاولة قديمة ومتكررة، يلح فيها المجتمع على شطب هذا الكيان وحذفه تارة بعزله داخل أسوار البيت، وتارة بتحويل الشارع إلى معتقل تتحرك فيه المرأة بحساب وريبة وأغطية وحواجز، ويؤكد د. عادل صادق أستاذ الطب النفسى على المعنى السابق بقوله quot;إن الختان يشكل عملية بتر تضل فى مخيلة الفتاة مدى الحياة، إن هذا الشعور بالبتر لعضو مهم فى جسم الفتاة بما فيه من معان جنسية يصبح شيئاً راسخاً فى ذهنها، ويقولون إن هذا الجزء يبتر حتى لا تنحرف الفتاة، وبذلك يصبح مفهوم الأخلاق مرتبطاً بالغريزة وأنه لا إرادة لها فى ذلك، وذلك يحرمها كأنثى من الإعتزاز بذاتها الأخلاقية الإنسانية الناشئة عن قناعة وإيمانquot;، ويحكى د. طه باشر فى كتابه السابق عن إمرأة فى الثلاثين من عمرها قد عانت من هبوط نفسى بعد وضعها على إثر تأخر شفاء ندب الختان، فلم تستطع الأكل أو النوم، وكان يجب معالجتها جسدياً ونفسياً فى عيادة الأمراض العقلية، ويحكى عن إمرأة أخرى كانت مريضة عقلياً وعندما أحيلت إلى الطبيب تبين أن هذه المرأة لا أطفال لها وأنها مطلقة مرتين، وبعد الفحص تبين أنها تعانى من ورم بحجم كرة التنس تحت جرح الختان وبعد إزالة هذا الورم شفيت وتركت المستشفى وهى سليمة عقلياً، وقد رصد باحثون كثيرون التحول المرعب الناتج عن ختان الإناث، فقبل الختان كانت الفتيات ودودات وصافيات العين وطبيعيات دون خوف من الفحوصات الطبية، أما بعد شهرين أو حتى سنتين من الختان، تحولت الصورة تماماً، فالبنت منهن تقف مرتجفة وتفزع من الفحص الطبى وتصبح عدوانية فى ردود أفعالها...الخ.

لا بد أن نعرف أن الختان ليس تقرباً للآلهة، وأن ما كنا نفعله فى عصر الفراعنة لم يعد صالحاً لهذا العصر، فمن عادات المصريين القدامى إلقاء دمية على شكل فتاة جميلة يزينوها كعذراء يوم عرسها ويلقونها فى النهر، وكانوا يعتقدون أنهم إن لم يفعلوا ذلك فإن النهر قد يغضب عليهم ويكف عن الإنعام عليهم بفيضانه، وكان موسم وفاء النيل هو الوقت المناسب لختان البنات، فتقوم الدايات بختانهن فى ذلك الوقت، وكانوا يحتفظون بتلك الأجزاء التى كانت تقطع من الأعضاء الجنسية للفتاة ويلفونها على هيئة حجاب ويربطونها بخيط حول عنق الفتاة التى قطعت منها تلك الأجزاء، وفى يوم الإحتفال بعيد فيضان النيل كانوا يلقون بتلك الأجزاء فى مجرى النهر معتقدين أن الفتاة التى لاتفعل ذلك تبقى عانساً من غير زواج، أو أنها إذا تزوجت فإنها لا تنجب أطفالاً على الإطلاق، أو حتى إذا أنجبت أطفالاً فإن أولئك الأطفال لا يعيشون أو يموتون صغاراً، وللأسف ما زلنا نصر على تقديم بناتنا كقرابين لوهم كبير إسمه العفة التى لا يعرف الكثيرون أنها مسئولية عقل وروح وليست مسئولية قطعة من اللحم أو بروز من الجلد خلقه الله كمصدر للمتعة وليس للنكد.

[email protected]