يرى ان سعدون جابر الوحيد الذي يغني عراقيا
حسن بريسم : بؤس الاغنية العراقية من بؤس المؤسسة الثقافية والفنية

عبد الجبار العتابيمن بغداد:يعد المطرب العراقي حسن بريسم من المطربين الذين التزموا في غنائهم وحرصوا على تقديم الجاد والرصين ، ولم ينزلق مع موجات الغناء الراقص والسريع ولم ينحن لرياح الاغراءات الاتية من الخارج ، ونجح في كسب الجمهور اليه كواحد من فئة قليلة اكتسبت احترام الناس ، انه مازال يعمل ضمن منجزه رغم الصعوبات التي يواجهها الا انه يأمل ان تنهض المؤسسة الثقافية والفنية في العراق لكي تحتضن ابداعات الفنانين العراقيين على اختلاف مجالاتهم ، مع حسن .. كان لنا حوار موسع قال فيه كل ما في نفسه .

* لنبدأ بالسؤال عن جديدك ؟
- اشتغلت مجموعة اعمال باللغة الفصحى لعدد من الشعراء العراقيين كالسياب ومظفر النواب وعبد الوهاب البياتي ونازك الملائكة وعبد الرزاق عبد الواحد وحمزة الحلفي ، وهي من الحاني وغنائي ، وفكرة هذا المشروع هي لان رواد الشعر الحر لم يسبق لاحد ان غنى قصائدهم ، بينما الكثيرون غنوا القصيدة العمودية المقفاة ، انا وددت ان اغني قصيدة الحر المفتوحة والتي فيها حداثة اكثر رغم الصعوبة التي فيها .
* اين وجدت الصعوبة ؟
- طبعا فيها صعوبة كبيرة لأن هكذا اسماء من الصعب ان تصوغ لاشعارهم ألحانا ، وتتمثل في الوزن الشعري المتنوع ، من المؤكد ان تجد صعوبة كملحن ، وكي تعطيهم حقهم باللحن ، اجد ان هذا صعب لان التعامل مع هكذا اسماء ليس سهلا .
* ما الذي اعتمدته في ألحانك لهذه القصائد ؟
- الغرابة انني اعتمدت على الموروث الريفي العراقي ، بما ان هذه حداثة ولدينا مخزون ريفي كبير ، فهناك الكثير من الاطوار والمقامات الريفية لم تظهر للنور ولم يشتغل عليها احد بشكل حقيقي ، فأغلب الملحنين اشتغلوا على الاطوار الجاهزة والمعلبة كالمحمداوي والشطراوي والحياوي ، انا اشتغلت على الموروث الذي اداه المطرب (مسعود العمارتلي) الذي يمثل الغناء الريفي الحقيقي لانه اعتمد على حضارة سومر ، وغناؤه سومري فيه النفس الصوفي .
* الا تعتقد انك جازفت في مشروعك هذا ؟
- ان لم يكن الفنان مجازفا فليكن موظفا في احدى الدوائر البلدية ، والمجازفة في هذا المشروع تتمثل في اكثر من سبب ، لان القصائد من الشعر الحر ، والموروث الذي اعتمدته فيه حضارة ، وعندما تمزج بين القديم والحديث لابد ان يتلاءم مع العصر .
* لماذا تفعل ذلك ولا تغني مثل الاخرين ؟
- لانني من بداياتي ، وخطي مختلف عن الموجودين الذين يغنون الاغاني السريعة والسطحية ، انا غنيت (القنطرة بعيدة والبريسم والهواجس ) وعندي تجارب في الاغنية كلحن وغناء وموسيقى ، انا عملت (ديوتو) غنائي مابين فيروز وداخل حسن ، غنيت فيه مقاطع من اغانيهما ، كل مقطع يتناغم مع الاخر فيه المعنى نفسه والمضمون ، وفي الاخير انا اغني بصدق وتلقائي .
* ما هي ثقافتك الموسيقية كي تفعل كل هذا ؟
- انا لم ادرس الموسيقى بشكل اكاديمي ولكن مذ كنت طفلا وانا اكتب النوتة واللحن وقراءاتي موسيقية واسمع موسيقى الشعوب ، وانا اعتمد على الركائز الاساسية في الغناء العراقي الريفي ومن ثم غناء البادية .
* متى سترى اغانيك الجديدة النور ؟
- انا لحنت فقط ، ولا اعتقد ان هناك جهة ستدعم المشروع ، لان الثقافة والوعي مهمشان تماما ، فلا توجد جهة تهتم بالفنان الجاد ، بل الاهتمام بالسطحي والمبتذل بلا استثناء ، لاتوجد قناة فضائية عراقية جادة في ان تدعم الثقافة والفن لان الحكومة نفسها لاتدعم الثقافة والفن ، كل الحكومات على امتداد تاريخ العراق لم تدعم الفن والثقافة ، وعمر الثقافة والوعي لم يجدا وزيرا او وزارة او مؤسسة تهتم بالفنان او المثقف وطروحاتهما ، الفنان العراقي رغم انف الحكومات ينحت في الصخر ، يغني ويتألق ويفوز بالجوائز .
* هل ستظل اغانيك اذن نائمة ؟
- سأنتظر ان تصبح لدي فلوس وانتجها على حسابي الخاص ، وكما تعرف ان ظروف الانتاج مكلفة ، انا افكر ان اضع هذه الاغاني على شريط (سي دي) واهديها للناس مجانا ، حتى لا ادخل في بورصة الصغار والاقزام من مطربين وفضائيات ومنتجين ، هؤلاء الذين شوهوا الثقافة والوعي ليس في العراق بل في الوطن العربي كله ، انا عاطفتي بالفن الجاد ، بالاغنية الحميمة التي فيها عواطف ومعنى وانسان.
* اين كنت غائبا خلال المدة السابقة ؟
- اقمت حفلات في فرنسا والسويد والمانيا .
* ولماذا عدت ولم تبق مثل العديد من المطربين خارج العراق ؟
- اي انسان بلا جذور هو ريشة في مهب الريح ، انا العراق اهلي وروحي ، ومنه انطلق الى العالم ولا يمكن ان اعيش من دون هواء العراق .
* أليس لديك اغان وطنية حاليا ؟
- هناك اغنية للشاعر عبد الرزاق عبد الواحد ، واخرى لحمزة الحلفي بعنوان (جواز سفر) ، وهذه لحنتها ، ولكن لم اجد من يسجلها ، ويبدو انه لايوجد احد يعمل للوطن ما عدا انا ، وانا امكاناتي المادية محدودة والاغنية الواحدة تكلف ثلاثة ملايين دينار.
* ألم تحاول مع قنوات فضائية من اجل تسجيل اغانيك ؟
- لم احاول ، وان كان فأنا اعرف انهم يريدون نساء عاريات وفواكه وكلاما سطحيا ، وانا لا افعل ذلك ، انا افضل ان ابيع السكائر في الاسواق ، ومستحيل ان اقدم ما يريد الاخرون .
* كيف ترى واقع الاغنية العراقية الان ؟
- بائسة جدا ، ومثلها الثقافة لسبب واحد ان وزارة الثقافة عبارة عن بناية من دون كادر مثقف او ناس تدعم المبدعين ، انا اعتقد ان وزارة الثقافة اهم من وزارة الداخلية والدفاع والامن القومي ، من المؤسف ان يكون اهل الثقافة بلا ثقافة ، هذه الوزارة .. على الوزير الذي يتوزرها ان يكون مثقفا يعرف احتياجات المثقفين وكيف يقيم علاقات ثقافية وفنية مع الدول وكيف يشارك في المهرجانات ، لا ان يأتي وزير كان خطيبا في جامع او بمن لا علاقة له بالثقافة ، مفيد الجزائري فقط الوزير المثقف وخرج منها لانه شيوعي والناس الذين في الحكومة ليسوا هكذا .
* اين يكمن بؤس الاغنية العراقية ؟
- بؤسها بالمؤسسة الثقافية والفنية التي لاتحتضن هكذا ابداعات ، فهناك لدينا شعراء وملحنون واصوات من ارقى ما يكون ، لدينا الملحنون طالب القره غولي ومحسن فرحان وجعفر الخفاف وكوكب حمزة وشباب رائعون ومطربون جيدون ولكن لا يوجد دعم .
* وهذه الفضائيات التي تقدم الغناء ليل نهار ماذا تقول عنها ؟
- هذه الفضائيات مدعومة من الخارج وكما اعتقد هناك مؤامرة لتخريب الذوق والثقافة العراقية ، ومثلما هناك من يصدر الارهاب هناك من يصدر وعيا متخلفا من اجل تهديم الفن بشكل عام .
* برأيك لماذا غادرالمطربون الى الخارج؟
- سببه البحث عن الرزق ، والظرف الامني الذي لايسمح ، فالبلد ليس بلد غناء بل بلد حروب .
* كيف تقيم هؤلاء المطربين ؟
- المطربون الذي خرجوا ليسوا هم النخبة والذين تقدمهم الفضائيات هم انصاف الموهوبين ، والنخبة هم كبار السن ، واجور التسجيل باهظة والمؤسسات الانتاجية لاتبحث عن المطرب الجاد ، بل عن الاشكال الشبابية ومن اجل ملء الفراغات في القنوات .
* ما المطلوب حاليا ؟
- ان تهتم الحكومة بالوعي والثقافة والشباب ، ويصبح لدينا فن جيد في كل المجالات مثل كل الدول المتقدمة التي تجد وزاراتها تهتم بالثقافة والفن .
* من هم المطربون برأيك الذين تواصلوا مع الاغنية العراقية ؟
- سعدون جابر فقط ،هو الذي اوصل الاغنية العراقية الحقيقية ومازال محافظا عليها ، اما عداه فلا يوجد احد مثلها بشكلها العراقي ، سعدون اطلق الاغنية العراقية بروحها ، اما الاخرون فقدموا الكلام العراقي بلحن مصري ،او انهم غنوا كلمات غير عراقية ، اما سعدون فقد نقل كلاما ولحنا عراقيين خالصين لأب عراقي وام عراقية .
* من هو المطرب العراقي الذي لفت نظرك نشاطه ؟
- لايوجد اي مطرب اثار انتباهي ، صحيح انه عراقي ولكنه لايغني (عراقي) وهنا اسجل اود ان اشكر الذين يهتمون بالغناء العراقي الموروث في المهرجانات العربية لانهم الوحيدون البعيدون عن مجالات البورصة وجادون في تقديم فن عراقي .
* ما الطموح الذي في نفسك او امنية ؟
- ان يأخذ المثقف العراقي دوره ويقدم ما عنده دون بدون رقيب ولا حواجز ، ان يطبق افكاره وهواجسه وظنون منجزه ، وانا واحد من هؤلاء اريد ان اقدم المنجز الفني الذي اريده انا وليس الذي يريده المنتج ، انا اغني بشكل جاد ورصين ومحترم لمستمع محترم ، كما اتمنى من المطربين العراقيين في الخارج ان يتذكروا العراق وجذورهم ولايظلون كأية (امرأة ليل) ، وان زعلوا من كلامي لانني اتحدث عن حقيقة .