دمشق تزوّد سولانا laquo;بالسلال المتكافئةraquo;: مستعدون أن نعطي مقابل ما نأخذ

جورج علم


غادر المنسّق الاعلى للسياسة الخارجية والامن في الاتحاد الاوروبي خافيير سولانا دمشق، على أن يعود ومعه قواعد laquo;تغيير سلوكraquo; أوروبية، توازي قواعد laquo;تغيير السلوكraquo; المطلوبة من دمشق حول العراق، ولبنان، وفلسطين.

أمكن في بيروت laquo;ضبطraquo; بعض المؤشرات الدالة: لم يطرأ أي جديد عملي يمكن ترجمته فورا على أرض الواقع أو توظيفه في خدمة الحوار ضمن حلقة عين التينة. كان الانطباع أن سولانا سيقرع أبواب دمشق بقوة laquo;وبصوت أوروبي واحدraquo;، ويسمع جواباً يرضي بيروت، ويرسمل مهمته الحوارية آنيّا ومستقبليّا، لكن شيئاً من هذا لم يظهر حتى الآن ليبدّل قليلا من صورة الامر الواقع. وإن الملف اللبناني كان واحدا من رزمة ملفات تتعلق بإيران والعراق وفلسطين وعملية السلام والقمة العربية والعلاقات السورية ـ الاوروبيّة، ومستقبلها، وهذا ما يؤكد أن الاهتمام سواء من قبل سولانا أو من قبل السوريين كان موزعاً على مجموعة من الملفات الصعبة.

وتظهر من خلال المتابعة المحلية لنتائج المحادثات عناوين أربعة: نجح سولانا في فتح باب الحوار لأن هناك رغبة سورية ـ أوروبية مشتركة. ونجح الرئيس بشار الاسد في أن يفرض معادلة laquo;السلال المتكافئةraquo;، وإذا كان المطلوب أن تعطي سوريا في لبنان، فعلى الاتحاد الاوروبي أن يعطي بالمقابل، وهناك الكثير من المطالب التي كانت دمشق قد تقدمت بها، وبقيت مجمدة دون أن يؤخذ بأي منها. ونجح الفريق اللبناني السلطوي في laquo;رش الملح على الجرحraquo; لاستثارة مشاعرالكيدية قبل أن يبدأ اجتماع المسؤول الاوروبي مع الرئيس السوري، من خلال laquo;حفلة المزايداتraquo; التي رافقت عملية اكتشاف المتورطين بحادثة عين علق. ونجحت إسرائيل في تعقيد المهمة من خلال المآخذ التي سجلتها على موقف سولانا وكلامه عن الجولان، وعملية السلام.

لا يمكن الاسراف في تشخيص هذه الملامح التشاؤمية، بعدما حاول رئيس الحكومة فؤاد السنيورة أن يضفي بعض التفاؤل من خلال جولة الاتصالات التي أجراها امس مع سولانا وعدد من القيادات العربية والاقليميّة لاستشراف ملامح حلّ، وإن كان بعض أصحاب النوايا الخبيثة يصفه بأكبر وأكثر المستفيدين من بقاء الازمة عند حدود المراوحة، لأن سياسة المراوحة هذه ستضاعف من عمر هذه الحكومة البتراء متمترسة وراء أسوار سرايا الحكم laquo;كرئيس لحكومة الامر الواقعraquo;، علماً بأن الولايات المتحدة لا تبخل عليه، مع بعض دول التحالف، من مدّه ببعض المنشطات المعنوية في كلّ مرة تلاحظ فيها أن امارات القرف واليأس والملل بدأت تظهر على محيّاه، وتتفاعل في أعماق مشاعره.

وما يخفف عن السنيورة بعض الضغط المعنوي، أنه ليس هو الشريك الفعلي المباشر في حوار عين التينة، بل هناك رئيس تيار المستقبل النائب سعد الحريري الذي يتحمّل المسؤولية نيابة عن الآخرين في قوى 14 آذار، هذا فضلا عن laquo;التطميناتraquo; التي تروج نقلاً عن بعض المطابخ الدبلوماسية الدولية المهتمة ومفادها laquo;أن سوريا إذا كانت تريد أن تعطي لتسهل الحل في لبنان فإنها لن تعطي سولانا ولا الاتحاد الاوروبي، بل الولايات المتحدة مباشرةraquo; لأنها تدرك أن التعاطي مع المقتدر والمؤثر، أفضل وأضمن من التعاطي مع الوكيل أو البديل في زمن الصفقات والتسويات؟!

وفي عودة الى المشهد المحلي، وبموازاة هذا المشهد الدبلوماسي الاقليمي ـ الاوروبي ـ الدولي، فإن اللقاء الرابع في عين التينة بين رئيس المجلس النيابي نبيه بري والنائب سعد الحريري laquo;لم يأت بجعجعة تنتج طحيناًraquo; وإن كانت حساسية الوضع ودقته تفرض توزيع الاجواء التفاؤلية المجــانيّة لإبقاء الوضع عند حدود التهدئة والمراوحة بانتــظار ما ستسفر عنه الاستحقاقات الداهمة، وأولها معرفة ردة الفــعل الاوروبية على التقرير الذي سيقدمه سولانا عن نتائج محادثاته في العاصمة السورية؟ وهل سيقدم الاتحاد على تشجيع خطوات الحوار، أم سينكفئ الى مجلس الامن بحثاً عن مشروع قرار يلوّح بعقوبات محتملة، خصوصا إن فرنسا ـ شيراك ميّالة الى مثل هذا الخيار قبل أن يغادر قصر الاليزيه في الاشهر القليلة المقبلة.

أما ثاني هذه الاستحقاقات فتتعلق بالجهود المصريّة الرامية الى تحقيق المصالحة بين الرئيس بشار الاسد وخادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز قبل موعد انعقاد القمة العربية في الرياض، وذلك في ضوء ما تكون قد أسفرت عنه حركة الاتصالات الناشطة إثر الزيارة التي قام بها نائب الرئيس السوري فاروق الشرع الى العاصمة المصرية ونقله رسالة من الرئيس الاسد الى نظيره المصري الرئيس حسني مبارك.

وتأتي القمة العربية في 28 و29 الجاري في الرياض كاستحقاق مهم يختزله سؤال محوري: هل ستتبنى مشروع حل لإنقاذ لبنان من الفوضى والتجزئة والتفتيت، أم ستكتفي بإسداء النصائح لتبقى في الموقع المراقب الرافض أي تورط في حقل الالغام اللبناني؟ وبعد القمة سيطلّ المؤتمر الدولي الثاني حول العراق على مستوى وزراء الخارجية هذه المرّة، وبمشاركة السيدة كوندليسا رايس في العاشر من نيسان المقبل، ومعرفة ما إذا كانت سوريا ستعطي، وإيران سوف تتجاوب، وما إذا كانت النتائج الاوليّة تشير الى احتمالات laquo;إبرام صفقة متكاملة مشتركةraquo; يكون نصيب لبنان منها الانتقال من حال التريث والمراوحة الى آفاق التسوية أو الحل، أم يفترض على اللبنانيين التريث بانتظار إستحقاق جديد آخر لم تظهر ملامحه بعد؟!

وقبل هذا وذاك لا يمكن إغفال الورشة التي بدأت على مستوى مجلس الامن من خلال فيض التقارير المتعلقة بلبنان وكان مطلعها تقرير الامين العام بان كي مون حول تنفيذ القرار ,1701 ومن ثم تقرير القاضي الدولي سيرج برامرتز، على ان يكون التقرير الخاص بالقرار 1559 مسك الختام، وربما بداية محاسبة دوليّة للجهات المعرقلة، إذا ما بقيت الامور على الساحة المحليّة تتأرجح بين هبّات تفاؤليّة وأخرى تشاؤميّة.

وخارج هذا الاطار المحلي ـ الاقليمي ـ الدولي تحمل المعلومات المتهادية من حضن الجامعة العربية، بأن مهندس المبادرة الامين العام عمرو موسى لا يزال الممسك الجدّي الوحيد بزمام الامور، من خلال الاتصالات البعيدة عن الاضواء والتي ترمي الى تهيئة السقفين الدولي والاقليمي وتهدف الى مفاجأة القمة العربية بطرح موضوعي رؤيوي خلاصته الآتي: laquo;يا حكماء العرب إذا كنتم مهتمين بتجنيب بلدانكم الصراعات المذهبية، فاسعوا الى تحصين الجبهة اللبنانية الداخلية من خلال احتضان الوضع المتفجر بمبادرة إنقاذ متكاملة يستحقها لبنان؟!raquo;.