عبدالله اسكندر

الحوار اللبناني الداخلي بات في سباق مع الوقت، وبحساب الايام التي تفصل عن انعقاد القمة العربية في الرياض. فالذهاب بوفد موحد في ظل الحكومة الحالية يعني الاعتراف الواقعي بها من المعارضة. ويعني ان كل الجهود التي بذلها الرئيس لحود و laquo;حزب اللهraquo; وحلفاؤه لنزع الشرعية عنها فشلت. وهو الأمر الذي تسلم به المعارضة ولن تقبل بإنهاء احتجاجاتها في الشارع والتي ستكون بلا اي هدف مستقبلا.

ومحاولة الذهاب بوفدين الى القمة، احدهما برئاسة رئيس الجمهورية ومعه بعض المستشارين وآخر برئاسة رئيس الحكومة ومعه بعض الوزراء يعني ان الانشقاق الداخلي سيدخل في طور جديد من المواجهة بعد انتهاء الاجتماع العربي.

ويبقى خيار ثالث، وهو امتناع لحود عن الذهاب الى القمة، تضامنا مع احتمال ان يقاطعها الرئيس بشار الاسد نتيجة عدم التوصل، ولأسباب منها التشدد السوري في لبنان، الى صياغات تقرب الموقف السوري من الاجماع العربي. وفي مثل هذه الحال، يقود الوفد اللبناني رئيس الحكومة الذي، رغم النجاح الذي يحققه في القمة وربما بسببه، سيواجه لدى عودته الى بيروت مواجهة ضارية من المعارضة. ما قد يفتح الوضع على الاحتمالات الأخطر التي يقول الجميع انه يسعى الى تفاديها.

ويبدو من سلسلة الحوارات بين رئيس المجلس نبيه بري ورئيس كتلة laquo;المستقبلraquo; سعد الحريري، ان الطرفين لم يتوصلا بعد الى حسم الوجهة نحو اي من هذه الخيارات. لكن بياناتهما المشتركة التي تشدد على رغبة في إشاعة تفاؤل حذر لا تخفي اتساع المأزق اللبناني المرتبط بالتوفيق بين تشكيل حكومة وحدة وطنية وبين إقرار هذه الحكومة المحكمة ذات الطابع الدولي. إذ ان انسحاب laquo;حزب اللهraquo; وحليفته حركة laquo;أملraquo; من الحكومة وجعلها laquo;فاقدة الشرعية الميثاقيةraquo; تم بالضبط لنسف إقرار النظام الاساسي للمحكمة. وقد يصعب التصور ان المعارضة، خصوصا الحليفين الشيعيين، قد توافق على إقامة المحكمة مع التقدم الحاصل في التحقيق الدولي كما عرضه براميرتز في تقريره السابع الى الامين العام للامم المتحدة ومجلس الامن. كما يصعب التصور ان المعارضة، و laquo;حزب اللهraquo; تحديداً سيوافق على تعامل الحكومة الحالية مع نتائج تقرير الامين العام عن تنفيذ القرار الدولي الرقم 1701، خصوصاً لجهة تسرب الاسلحة من سورية الى لبنان.

في المقابل يصعب التصور ان أي حكومة لبنانية مقبلة، خصوصاً انها ستضم بالضرورة تمثيلا للاكثرية الحالية، يمكنها ان تتغاضى عن القرارات الدولية، بدءاً بالقرار 1959 مروراً بالمحكمة الدولية وصولا الى القرار 1701. وهي قرارات تلقى الاجماع العربي وقد يكون لها بند خاص في البيان الختامي للقمة.

جرى الحديث كثيراً عن صعوبة المخارج من هذا المأزق، رغم اعلانات النيات الحسنة. لكن درجة التفاؤل ارتفعت مع القمة السعودية - الايرانية الاخيرة والتي كان من ابرز ما انتهت اليه العمل على منع الفتنة السنية - الشيعية. ويُفهم مما يتسرب من الاعداد للقمة العربية ان مثل هذا العمل سيكون بين الاولويات العربية. ومن هنا تقع على الثنائي الشيعي في لبنان مسؤولية خاصة لأن هذا البلد يعتبر خطا من خطوط التماس الاكثر حرارة في معادلة أي نزاع. وترجمة هذه المسؤولية لا تكون فقط بإعلان نيات حسنة وانما أيضاً تسهيل عملية استعادة لبنان لعافيته على أساس مشاركة الجميع في هواجسهم، ومنها أساساً الوصول بالمحكمة الدولية الى غايتها. وأيضاً السعي الى عدم العودة بالبلد كخط تماس اقليمي، عبر دعم تنفيذ القرارات الدولية في هذا الشأن. وهذا هو معنى المساهمة في وأد الفتنة التي لاحت يوما نتيجة الهجوم المعارض في لبنان، لضرب الوضع الناتج عن اكثرية جديدة فيه ولنسف قرارات الاجماع الدولي والعربي الداعمة لهذا الوضع.