أمير طاهري

على الرغم من أن التقرير المؤقت حول استراتيجية laquo;الزيادةraquo; في العراق لن يقدم قبل شهرين، فإن عددا متزايدا من سياسيي واشنطن يدعون في الوقت الحالي الى إنهاء الحرب. فالسناتور هاري ريد، زعيم الأغلبية الديمقراطية في مجلس الشيوخ، يقول إنه يعتبر إنهاء الحرب laquo;واجبه الأخلاقيraquo;. وفي الأيام الأخيرة انضم اليه عدد من الأعضاء الجمهوريين في مجلس الشيوخ مثل ريتشارد لوغار.

غير أن الدعوة الى إنهاء الحرب ليست هنا ولا هناك. فأولئك المشاركون في أية حرب يريدون نهاية لها بأسرع ما يمكن. ولا يمكن لريد أو للوغار الزعم بأن الرئيس جورج دبليو بوش أو أي شخص آخر في إدارته لا يريد إنهاء الحرب.

كما أن الحكومة العراقية والجيش العراقي يريدان إنهاء الحرب وكذلك خصومهما في laquo;القاعدةraquo; وفي المعسكر الصدامي. ودعا زعيم laquo;القاعدةraquo;، أيمن الظواهري، مرارا وتكرارا، laquo;الجهاديينraquo; الى إنهاء الحرب عبر إلحاق الهزيمة بالأميركيين وطردهم الى بلادهم.

وما يجب أن يفعله ريد ولوغار هو القول كيف يريدان لهذه الحرب أن تنتهي. فهناك ثلاث طرق يمكن أن تنهي بها حربا:

* بالاعتراف بالخسارة والاستسلام للمنتصر

* بالتفاوض على هدنة مع العدو

* بتحقيق نصر وفرض إرادتك على العدو المهزوم

غير أن ريد ولوغار يعرفان انه ما من واحد من هذه الخيارات متيسر. فالولايات المتحدة لا يمكن أن تعلن أنها الخاسرة، لأنها لم تخسر. وحتى إذا كان مثل هذا الإعلان قد جرى فانه من الصعب رؤية لمن يستسلم الجيش الأميركي في العراق.

وأولئك الذين يقاتلون ضد الديمقراطية الناشئة في العراق لا يمثلون قوة منفردة يسهل تشخيصها. والجماعتان الأكبر هما laquo;القاعدةraquo; وبقايا الصداميين. غير أن هاتين الجماعتين لم تتوحدا لتشكلا قوة يمكن أن يستسلم لها الجنرال بترايوس. وفضلا عن ذلك فان عشرات الجماعات الدينية والإثنية والإجرامية المسلحة تقاتل أيضا التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة كما تتقاتل في ما بينها.

ولمّح بعض laquo;الواقعيينraquo; الى أن الولايات المتحدة قد تعقد صفقة مع الجمهورية الإسلامية في إيران ووكلائها السوريين الذين سيساعدون، بالتالي، الأميركيين على الهرب بأمان. غير أن تلك النظرية تبالغ في تقدير نفوذ طهران ودمشق في العراق واستعداد العراقيين للركوع للجيران النهابين.

والخيار الثاني، وهو التفاوض على هدنة، ليس واردا أيضا. فأولئك الذين يقاتلون التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة في العراق لا يحترمون قواعد ماركيز كوينزبيري ويرفضون قوانين الحرب باعتبارها ابتكارات laquo;الصليبيين الصهاينةraquo;. فهم يكرسون طاقاتهم للحرب حتى الموت ضد laquo;الشيطان الأكبرraquo; سواء كان في العراق او في أي مكان آخر.

وباعتبارهما عاقدي صفقات موسمية نشآ في ظل ثقافة تسوية وترتيبات مساومة فان ريد ولوغار لن يفهما نمط تفكير العدو الذي تقاتله الولايات المتحدة في العراق.

والخيار الوحيد المتروك، والأكيد، لإنهاء الحرب هو تحقيق النصر فيها. وذلك يتطلب التزاما قوميا واتفاقا من الحزبين واستعدادا لإنهاء المسافة المتبقية من السباق من اجل استنزاف العدو.

ولا يمكن لريد أن يختار هذا الاتجاه لسببين، الأول هو أن قاعدة حزبه يسيطر عليها الناشطون المناهضون للحرب ممن يعتبرون laquo;الإمبرياليةraquo; الأميركية أكثر خطرا من laquo;القاعدةraquo;. والثاني هو أن الدعوة الى النصر في ظل رئيس جمهوري يمكن أن تنهي فرص الديمقراطيين الانتخابية في عام 2008.

ولوغار أيضا لا يمكن أن يدعو الى انهاء الحرب عبر تحقيق النصر فيها لسببين، الأول ان مثل هذه الدعوة يمكن أن تثير غضب أصدقائه في معسكر جيمس بيكر ـ برنت سكوكروفت من laquo;واقعييraquo; السياسة الخارجية الذين يلقون باللوم في إخفاقهم على laquo;المحافظين الجددraquo;.

ثانيا، يخاف لوغار من أن يؤدي التعاون الوثيق مع نظرية بوش الى خسارة الجمهوريين مقاعد أخرى في مجلس الشيوخ السنة المقبلة.

ولأنهما يعرفان غياب أي من الخيارات المطروحة مسبقا فإن ريد ولوغار دعيا لجدولة انسحاب الوحدات.

هذه حيلة سياسية لكنها لا تشكل خيارا سياسيا جادا. إنها ليست اعترافا بالهزيمة، لكنها لا تدعو إلى وحدة الحزبين لإنجاز الانتصار أيضا. وليست هي دعوة للتفاوض مع الأعداء المكرسين جهودهم لتدمير العالم الحديث. إنه مبني في جملة بيكر الرهيبة: laquo;نحن لا نمتلك كلبا في هذا القتال، إذن لماذا التورط؟raquo;.

مع ذلك، فإن السيناتورين يمتلكان من الذكاء الكافي لمعرفة أن الهرب هو ليس خيارا أيضا.

من السهل دائما أن تأخذ جيشا إلى أرض ما أكثر من تخرجه منها.

فالجيش الداخل يصبح أقوى من يوم إلى آخر مع قدوم رجال وعتاد لتعزيز رأس الجسر الأصلي. من جانب آخر يصبح الجيش المغادر أضعف من يوم إلى آخر مع تقلص عدد أفراده بسبب الانسحاب بينما يتم شحن العتاد خارج ذلك البلد.

فالولايات المتحدة احتاجت إلى ما يقرب من 9 أشهر لتجميع القوات والأجهزة لغزو العراق في مارس 2003. وقد يتطلب الأمر ضعف هذه الفترة كي تتمكن الولايات المتحدة وحلفاؤها من الخروج من العراق. وأحد أسباب ذلك هو أن عليها أن تخرجها من الكويت لأن الدول الجارة للعراق، السعودية والأردن وسورية وتركيا وإيران، لن تفتح على الأكثر حدودها أمام الأميركيين كي يخرجوا بسلام.

وهناك ثلاث طرق أمام القوات الأجنبية كي تخرج من البلد الذي غزته:

* من خلال اتفاق مع سلطة محلية قادرة على ضمان أمن القوات المنسحبة.

* عن طريق الاستسلام للمنتصر ثم وضعها تحت حماية الصليب الأحمر الدولي، أو عن طريق القتال للخروج.

ومع الأوضاع السائدة في العراق يبدو أن الخيار الثالث هو المتوفر حاليا أمام الولايات المتحدة وحلفائها.

في كتاب زينوفون laquo;اناباسيسraquo; يصف الكاتب محنة الجيش الذي يحاول الهروب من أرض معادية بينما يكون معرضا للهجمات على أيدي أعداء لا يعترفون بقوانين الحرب. لذلك فإن الانسحاب يمكن إبطاؤه من خلال هجمات laquo;القاعدةraquo; أو الصداميين على قوة أميركية متضائلة وهي في طريقها للخروج من العراق.

قد يشعر ريد ولوغار بالحنين لهروب القوات الأميركية من فيتنام. مع ذلك فإن عليهما تذكر أن العراق ليس فيتنام في السبعينات.

ففي فيتنام اتفقت الولايات المتحدة مع سلطات العدو المتمثلة بحكومة هانوي وعملائها من أفراد الفيتكونغ حيث قطعت عهودا للأميركيين بأنهم لن يتعرضوا للهجمات عند خروجهم. أما بالنسبة للأجهزة الحربية فقد تخلت الولايات المتحدة عنها للجيش الفيتنامي الجنوبي. وحتى آنذاك فقد تطلب الأمر حوالي ثلاث سنوات من المفاوضات.

يمكن لنداء ريد ولوغار بإنهاء الحرب أن يشجع فقط أعداء العراق الجديد، والولايات المتحدة، للاستمرار في القتال على الرغم من حقيقة أن المد راح يتحرك ضدهم من الناحيتين العسكرية والسياسية. بصيغة أخرى فإن أولئك الذي يدعون لإنهاء الحرب هم في الحقيقة يقومون بإطالتها.

هذا هو توقعي: الولايات المتحدة لا تستطيع الهروب من العراق بسبب عدم وجود آلية لخروج من هذا النوع. حتى لو فاز الديمقراطيون بالبيت الأبيض في انتخابات السنة المقبلة فإنهم لن يكونوا قادرين على إنهاء هذه الحرب إلا إذا فازوا بها أو إيجاد طرف يستطيعون أن يعترفوا له بأنه الفائز.