محمد بن عبداللطيف آل الشيخ

في تقديري أن السبب في الكثير من الممارسات التعسفية التي تعاني منها العمالة الوافدة في المملكة يعود إلى (نظام الكفالة) نفسه، حيث يعطي النظام (رب العمل) الحق كاملاً في التحكم بعمالته الوافدة مثلما يتحكم الملاك في أملاكهم، فيحمّل بعض الكفلاء مكفوليهم من المصاريف والرسوم ما لا تقرّه الأنظمة نفسها، فضلاً عن الأخلاق والمروءة الإنسانية، مثل تحميلهم رسوم التأشيرات التي يجب أن يدفعها الكفيل جراء استقدامه للعامل، وكذلك رسوم الإقامة ورخصة العمل، وفي بعض الحالات التأمين الطبي الذي تفرضه السلطات على رب العمل، فيقوم الكفيل بفرضه -بالتالي- على العامل ليدفعه من عرق جبينه، إضافة إلى تعمد بعض أرباب الأعمال تأخير رواتب العمال لأشهر دون وجه حق.

ولأن العامل في الغالب لا حول له ولا قوة، ولا يدري ما هي حقوقه، وما هي مسؤوليات رب العمل تجاهه، ولأن رب العمل يملك (حق) إبقاء العامل الأجنبي في البلاد مثلما يملك حق إخراجه (نهائياً) من البلاد، (يذعن) العامل في الغالب لإجحاف رب العمل، ويتنازل عن جزء كبير من حقوقه، وربما عن (كرامته)، خوفاً من أن يحرمه كفيله من فرصة العمل في المملكة ويعيده إلى بلده.

والذي يجب أن نتنبه إليه أن نظام الكفالة المعمول به حالياً في المملكة نظام لا يمكن قبوله في زمننا. ربما أنه كان في مرحلة سابقة يؤدي الغرض الذي أنشئ من أجله، أما الآن فلابد أن نبحث عن أسلوب جديد (يحرر) هؤلاء العمال من قبضة (الكفيل)، ويراعي في الوقت نفسه حقوق العمالة التي كثيراً ما تهدر في ظل هذا النظام الذي يميل في (حيف) مع الكفيل على حساب حقوق العامل.

وفي ظني أن ظاهرة هروب الخادمات المنتشرة حالياً هي ظاهرة سببها المعاملة غير الإنسانية التي تلقاها الخادمات من بعض أرباب العمل، والذين يتعاملون معهن بمنتهى القسوة والإذلال والسبب هذا النظام.

وإذا لم نتدارك الأمر فسوف تتفاقم المشكلات مع العمالة، وستحرجنا كثيراً مع العالم، وتظهرنا بمظهر لا يليق بنا حضارياً، خصوصاً أن شعارنا الذي نعتز به ونعتد هو (مملكة الإنسانية).

لذلك فإنني أقترح أن يتم إنشاء شركات (توظيف عمال) مساهمة، تقوم بتوفير العمالة الأجنبية في السوق، ثم تقوم بالتعاقد مع من يرغب الاستفادة من خدمات العامل، بحيث تضمن هذه الشركات للعامل حقوقه المادية والمعيشية والإنسانية كاملة، وتضع لتحصيل حقوقها من رب العمل الضمانات التي تجعلها قادرة على استيفاء ما يترتب لها من مستحقات مالية. وتكون لهذه الشركات (منفردة) الحق في كفالة العامل، سواء عمال الشركات أو عمال المنازل، كما تكون هذه الشركات بشكل (حصري) المعنية باستقدام العمالة وكفالتهم، ولا يحق لغيرها من الشركات أو الأفراد هذا الحق.

هذه الفكرة فيما لو تم صقلها وإثراؤها فسوف تكون -في رأيي- البديل المناسب لنظام الكفالة والكفيل الذي لا يمكن التغاضي عما يفرزه من إفرازات غير إنسانية، لا تتناسب إطلاقاً مع مبادئ حقوق الإنسان المرعية في العالم أجمع.