عدنان حسين

فقط عندما بلغ يوسف شاهين الثانية والثمانين من العمر، والذي نتمنى أن يمتد لسنين طويلة اخرى.. وفقط عندما دخل هذا المخرج السينمائي الاستثنائي في غيبوبة، نرجو أن يخرج منها في الحال صحيحا معافى، تبيّن لنا، نحن متذوقي فنه الجميل، ومقدّري موهبته، انه مسيحي.

لا يرجع هذا laquo;الاكتشافraquo; إلى أننا من النوع الذي لا يعبأ بما يكون عليه دين الآخر، أو مذهبه، أو قوميته، أو لون بشرته، ولا يحفل إلا بعمل هذا الآخر، وإنما أيضا إلى أن يوسف شاهين نفسه، هو من نوع البشر الذي لا يعنيه ما يكون دينه، ومذهبه، وقوميته، ولون بشرته، أو دين، ومذهب، وقومية، ولون بشرة غيره. هو من نوع البشر الذي ينصرف كلية إلى عمله، ويجتهد من أجل أن يكون هذا العمل مبدعا ونافعا.

يوسف شاهين مخرج من طراز عالمي، وما كان له أن يكون كذلك، لو لم يكن في الأساس وطنيا مصريا.. وطنيته رفعته إلى مرتبة العالمية... ووطنيته جعلتنا لا نعرف، إن كان هو مسلما، أم مسيحيا، أم يهوديا. ويوم عرفنا انه مسيحي، كان هو قد بلغ الثانية والثمانين، ودخل في الغيبوبة. لم يكن هو المسؤول بأي شكل من الأشكال عن هذا الإعلان عن الديانة المحسوب عليها، فالخبر الذي نشر في الصحف عن دخوله في الغيبوبة، ونقله الى باريس للعلاج، تضمن أسماء بعض أفراد عائلته الذين رتبوا إجراءات النقل إلى باريس. وبالتأكيد لو أن أحدا سأل يوسف شاهين عن ديانته، لأجاب في الحال: أنا مصري.

يوسف شاهين ابن عصر جميل لم يكن يعرف، ولم يكن يريد أن يعرف، فيه التلميذ، أو المعلم، أو الطالب الجامعي، أو الموظف، أو الممثل، أو المخرج ما ديانة زميله، أو زميلته.

هذا البلاء : التمييز الديني والمذهبي والطائفي، جاءنا مع الإسلامويين، شيعة وسنة، فهم من أيقظ الفتنة الطائفية والمذهبية، وهم الذين يغذّون نارها بـlaquo;الفتاوىraquo; والتصريحات .. بل بالأعمال العلنية والسرية أيضا، بما فيها تمويل الحركات الإرهابية، ليضيفوا إلى تاريخ المنطقة عصرا آخر من عصور الانحطاط التي بدت في عصر يوسف شاهين أنها غدت من الماضي الذي لن يعود.