التحقيق حتى النهاية وعدم التعاون يعرض الأسد لإجراءات قاسية
مظلة دولية لـ quot;لبنان الجديدquot; ولا عودة الى الوراء

إيلي الحاج من بيروت: تُجمع الدبلوماسية الغربية على أن لبنانيمر حاليا بمرحلة صعبة ودقيقة جدا، وان التفجيرات والاغتيالات لن تتوقف عند اغتيال النائب والصحافي جبران تويني لأن هذه البلاد واقعة ضمن صراع حقيقي بين مجموعة من الدول الكبرى والمؤثرة، الاجنبية والعربية، ولا سيما نظام الرئيس السوري بشار الاسد الراغب في الافلات بأي ثمن من التحقيق الدولي في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وخصوصا ان هذا التحقيق يقترب من ادانة النظام في هذه الجريمة الارهابية. لكن المصادر الدبلوماسية تؤكد في الوقت نفسه ان مصير لبنان ليس مهددا، وان مستقبله ليس في خطر بل انه يتمتع بحماية عربية - دولية لا سابق لها منذ اندلاع الحرب فيه عام 1975، لا بل منذ استقلاله.
ويحاولون المسؤولون في النظام السوري ، وفقا لهذه المصادر، اعطاء انطباع أنهم يستطيعون ان يفعلوا ما يشاؤون في لبنان، وانهم قادرون على ممارسة مختلف انواع الضغوط على اللبنانيين من دون ان يواجهوا اي عقاب او اي رادع دولي حقيقي. كما ان جهات سورية أبلغت اخيرا حلفاء لها في لبنان وقادة منظمات فلسطينية ان quot;الضغوط الدولية ستخف تدريجا على دمشقquot; وان النفوذ السوري سيعود الى لبنان وان نظام الاسد قادر على قلب المعادلات وموازين القوى في هذه البلاد quot;في الوقت الملائمquot; وانه سيضع عندذلك الدول الكبرى والاطراف العرب والاقليميين امام quot;هذا الامر الواقعquot; اذا لم يتم التوصل الى تفاهمات مع البعض منها.
وقد تلقت دول غربية بارزة معلومات في هذا الشأن من سفاراتها في المنطقة، لكن الحقيقة غير ذلك تماما، وفقاً لما ورد في تقريردبلوماسي غربي، أوردته quot;النشرةquot; اللبنانية ، وهي نشرة متخصصة توزع على عدد محدود من مشتركيها في لبنان والعالم. ويورد التقرير أن هناك تفاهما واضحا ومحددا بين الولايات وفرنسا وبريطانيا وسائر الدول الاوروبية والصناعية الكبرى، مدعوما من مختلف الدول العربية المعنية بالامر، على المسائل الاساسية الآتية:
- اولا: لا مجال لإقامة اي نوع من العلاقات الجيدة والطبيعية بين أميركا والدول الاوروبية من جهة ونظام الرئيس بشار الاسد من جهة اخرى، او لتخفيف الضغوط المتنوعة عليه، سواء في هذه المرحلة أو في المرحلة المقبلة، لأن التحقيق الدولي في جريمة اغتيال الحريري يجب ان يستمر الى النهاية وان تتحقق المحاسبة وينزل العقاب بجميع المسؤولين المتورطين في هذا العمل الارهابي ايا يكونوا. يبرر هذا التوجه ويدعمه ان معلومات هذه الدول تؤكد ان المسؤولية عن اغتيال الحريري مشتركة بين مسؤولين في سورية ولبنان ، وأنها معقدة شاركت فيها مجموعة كبيرة من الامنيين وغير الامنيين. ولن تعقد اي دولة كبرى صفقة مع دمشق تقفل هذا التحقيق الدولي وتتجاوزه، لأن ذلك سيعطي الضوء الاخضر لجهات في المنطقة من أجل مواصلة اعتماد الارهاب في معالجة الامور، ولأن ذلك سيشكل ضربة كبيرة لمجلس الامن الدولي المشرف على التحقيق الدولي.
- ثانيا: ان العلاقات الأميركية- السورية والاوروبية - السورية مرشحة لمزيد من التدهور، وقد تصل الى حد المواجهة المتعددة الجانب لأسباب عدة. فعند اكتمال التحقيقات ستتم احالة عدد من المسؤولين الامنيين السوريين، اضافة الى زملائهم اللبنانيين على محاكمة دولية، مما سيشكل ادانة للنظام السوري ككل، اذ ان هؤلاء لم يتصرفوا من تلقائهم، وفقا لتقدير الجهات الدولية المعنية. وستشكل المحاكمة والقرار الظني الذي يسبقها فرصة لكشف المزيد من الأدلة والمعلومات عن خفايا هذه الجريمة، وليس ممكنا السكوت دوليا حينذاك عن هذا الامر بل لا بد ان ينعكس ذلك كله سلبا على العلاقات مع دمشق. واذا ما رفض النظام السوري التعاون الكامل مع التحقيق الدولي وتسليم المطلوبين إلى المحاكمة، فسيجد مجلس الامن نفسه مضطرا الى اتخاذ اجراءات وعقوبات قاسية عدة ومختلفة ضد هذا النظام تزيد من محاصرته وعزلته.
وحتى قبل الوصول الى هذه المرحلة، اذا ما رفضت دمشق السماح للمحققين الدوليين باستجواب بعض أركان النظام الاساسيين أمثال آصف شوكت او ماهر الاسد، او اذا ما رفض الرئيس بشار الاسد استقبال رئيس لجنة التحقيق الدولية الراغب في معرفة حقيقة ما جرى بينه وبين الحريري يوم ٢٦ آب ٢٠٠٤ في شأن التمديد للرئيس اميل لحود وفي معرفة امور اخرى، او اذا ما رفضت السلطات السورية توقيف اي من المشتبه فيهم او تهربت من التعاون quot;الكامل وغير المشروطquot; مع المحققين الدوليين وفقا لما ينص عليه قرارا مجلس الامن ١٦٣٦ و ١٦٤٤ ، فإن مجلس الامن لن يسكت، بل سيكون له رد فعل قاس على هذه التصرفات، كما ان الدول الكبرى ستلجأ الى اتخاذ اجراءات اضافية ضد النظام السوري. علماً أنه ليس ممكنا اطلاقا تجاهل او تجاوز حقيقة انه لم يسبق في تاريخ الشرق الاوسط الحديث ان اصدر مجلس الامن الدولي قرارين استنادا الى الفصل السابع من ميثاق الامم المتحدة يتضمنان اتهامات لمسؤولين امنيين بارزين في دولة عربية بالتورط في اغتيال شخصية سياسية عربية كبرى كما فعل باصداره القرارين ١٦٣٦ و ١٦٤٤ اللذين يتهمان مسؤولين امنيين سوريين ولبنانيين، استنادا الى التحقيق الدولي، بالتورط في اغتيال الحريري.وليس ممكنا التراجع عن مثل الموقف الدولي الحازم.
- ثالثا: هناك اتفاق دولي عربي واسع النطاق على تثبيت استقلال لبنان وسيادته ضمن حدوده الدولية المعترف بها ومنع العودة الى الوراء، اي السماح بخضوع هذه البلاد مجددا للهيمنة السورية، ايا يكن مسار الاوضاع فيها. وقد أكدت المصادر انه تبين من الاتصالات التي جرت مع عدد كبير من الدول العربية أن ما من دولة عربية تؤيد عودة القوات السورية او النفوذ السوري مجددا الى لبنان وجعله امتدادا للساحة السورية. وأوضحت هذه المصادر ان معلومات الدول العربية والاجنبية المهتمة بالشأن اللبناني تؤكد ان اللبنانيين بغالبيتهم الساحقة ومن مختلف الطوائف وبلا استثناء، متمسكون باستقلال بلادهم ويعارضون عودة العلاقات مع سورية الى ما كانت قبل انسحاب جيشها من لبنان.
وبالتحديد تدعم الدول العربية والاجنبية المعنية بالامر مطالب الحكومة اللبنانية بضرورة ترسيم الحدود اللبنانية السورية، وأن تشمل هذه العملية مزارع شبعا، رسميا ونهائيا، كماتدعم اقامة علاقات دبلوماسية كاملة بين دمشق وبيروت، وتؤيد اشراف الامم المتحدة على تحقيق هذه الخطوات.
- رابعا: يشمل هذا التفاهم الدولي quot;أسوأquot; الاحتمالات والسيناريوات. فاذا ما حاولت القيادة السورية، لسبب او آخر، اعادة قواتها العسكرية والامنية الى لبنان عنوة وبقرار ذاتي منها، سواء تحت غطاء تلبية دعوة بعض الاطراف اللبنانيين المرتبطين بها او تحت غطاء حماية أمنها القومي، فإن ذلك سيشكل غزوا خارجيا مباشرا لدولة عربية مستقلة معترف بها دوليا وعربيا. ومثل هذا الاحتمال، في حال حدوثه، سيدفع مجلس الامن الى التعامل معه كما تعامل مع احتلال العراق للكويت صيف ١٩٩٠ ، اي ان المجلس سيبدأ بتوجيه انذار رسمي دولي الى النظام السوري يطلب فيه سحب قواته فورا من لبنان. واذا ما رفض الانصياع للانذار، فسيعطي مجلس الامن شرعية لاستخدام مختلف الاجراءات والوسائل المنصوص عليها في ميثاق الامم المتحدة لتحرير لبنان من الغزو، في حال حدوثه، بما في ذلك القوة العسكرية. ويمكن في اطار هذا الاحتمال ارسال قوات دولية الى لبنان بقرار من مجلس الامن لحماية لبنان من اي تدخل عسكري سوري في شؤونه.
لكن التقرير أكد نقلاً عن مصادر دبلوماسية مطلعة أن أميركا وفرنسا وبریطانيا لا تملك فعلا أي معلومات عن وجود تفكير لدى القيادة السورية بالدخول عسكریا من جديد الى لبنان بقرار ذاتي منها. لكن هذا لا یمنع التحسب لمختلف الاحتمالات وإن لم تكن مرجحة في هذه المرحلة.