نظرة إلى الداخل في حياة نواف عبيد بعد الزوبعة:
مستشار سعودي على طريقة quot;جيكل ومستر هايدquot;

سلطان القحطاني من الرياض: يبدو المستشار الأمني السعودي نواف عبيد أحياناً وكأنه إحدى الشخصيات الرئيسة في رواية quot;الدكتور جيكل ومستر هايدquot; الشهيرة التي تتحدث عن الانفصام الداخلي، وذلك حين ينقلب فجأة من الليبرالية إلى الأصولية على هيئة ما ظهر في مقالته التي نشرتها quot;الواشنطن بوستquot; وبدا خلالها وكأنه يرتدي ذقن أحد ما من رجال الدين في المملكة المحافظة الذين يطالبون بتدخل بلادهم في حماية الأقلية السنية في العراق .

وجردت الرياض في بيان رسمي لها صدر قبل عدة أيام عبيد من أي منصب رسمي في بيان قرأه معلقون بأنه يحمل رسالة سياسية تقول فيها المملكة العربية السعودية :quot; لا نريد عراقاً إيرانياً ولا عراقاً سعودياً، بل عراقاً لكل العراقيينquot;، وفق ما قالته مصادر سياسية متفرقة راجعت البيان المقتضب الذي نُسب إلى مصدر مسؤول كما جرت العادة في البيانات التي تعلن عنها الدولة التي تعتبر حاملة لواء السنة في العالم الإسلامي .

وسبق وأن حذر نواف عبيد المستشار الأمني للحكومة السعودية يوم الأربعاء الماضي من أن أي انسحاب عاجل للقوات الأميركية من العراق سيدفع المملكة إلى التدخل بشكل واسع لمصلحة السنة، مؤكداً أن المملكة ستسعى للحيلولة دون قيام الميليشيات الشيعية المدعومة من إيران بقتل المسلمين السنة في العراق في حالة بدء انسحاب الولايات المتحدة من هناك، في إطار صراع الرياض ndash; طهران الخفي في المنطقة الشرق أوسطية .

لكن من هو هذا quot;الرجل الزوبعةquot; الذي أثارت مقالته كل ردود الفعل في كراسي دول الجوار العليا؟ .. لا أحد يحمل إجابة رسمية واضحة سوى ما استقته quot;إيلافquot; من مصادرها أو عبر مقربين من عبيد الذي يقيم بصفة شبه دائمة في العاصمة الأميركية، لا تقطعها سوى زيارات قصيرة إلى بلاده من وقت لآخر، إما للحصول على معلومات لتقاريره الأمنية الضخمة، أو للتردد على وزارة الإعلام السعودية بغية تنسيق لقاءات متفرقة لصالح لقناة السي ان ان الأميركية.

وتقول المصادر ذاتها إن نواف أحمد عصام عبيد المولود لأم لبنانية وأب سعودي يرتبط بصلة قرابة لم تبيّن طبيعتها مع الشخصية السعودية البارزة في هيئة الأمم المتحدة ثريا عبيد، إضافة إلى أنه أمضى قسطاً كبيراً من حياته العلمية في أميركا ومن ثم سويسرا حيث لا تزال والدته تعيش هناك، بعد أن كان قد أمضى سني الطفولة في لبنان الذي شهد ولادته وطفولته.

وشارك عبيد الذي يدخل عامه الثالث بعد الثلاثين، في جلسات الحوار السعودي الأميركي التي بدأت تنظّم بشكل سنوي بين أقطاب الحكم في الدولتين اللتين يشهد التحالف بينهما عمليات جزر ومد مستمرين منذ نحو عقدين من الزمن.

ووفقاً لما قاله مصدر سعودي مطلع حادثته quot;إيلافquot; فإن نواف عبيد لا يحمل منصباً رسمياً في الدولة يخوله التحدث باسمها، إضافة إلى أنه لا يملك مركز دراسات استراتيجي بل يعمل بجهود فردية أو محصورة في عدد من مراكز المعلومات.

وعبيد هو زميل في مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية في واشنطن، ويتولى إدارة مشروع تقويم الأمن الوطني في المملكة العربية السعودية التي تشهد أعمال عنف منذ أكثر من ثلاثة أعوام ينفذها منتمون إلى الفرع السعودي من تنظيم القاعدة، في إطار لجنة استشارية مقرّها في الرياض.

كما أنه أيضا مستشار الأمن الخاصّ ومستشار الطاقة للأمير تركي الفيصل، السفير السعودي في الولايات المتّحدة. وهو مؤلف quot;مملكة النفطquot; في 100 صفحة، و Policymaking في العربية السعودية (معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، 2000) ومؤلف مشارك، مع أنتوني كورديسمان، للأمن القومي في العربية السعودية: التهديدات، ردود، وتحديات (2005).

ويحمل الـ (a. B. S) من مدرسة جامعة جورج تاون للسلك الأجنبي، والماجستير في السياسة العامّة من مدرسة كندي وجامعة هارفارد الحكومية، وأكمل فصول الدكتوراه في معهد ماساشوسيتس للتكنولوجيا الأمنية.

وحاولت quot;إيلافquot; على مدار يومين الحصول على تعليق من عبيد من دون أن يتسنّ لها ذلك.

بالون اختبار أم رمية بلا رام ٍ

وأحدثت تصريحات عبيد صدعا كبيراً في quot;العلاقة الحذرةquot; التي تعود إلى سنوات طوال من عدم الثقة المتبادلة بين الرياض وطهران بعد حكم الثورة الإسلامية.

إلا أن مصدر دبلوماسيا بريطانيّا رفض الكشف عن هويته بسبب حساسية منصبه قال :quot; لا ينبغي التقليل من أهمية تصريح عبيد كون أذنه ليست في تمام البعد عن أفواه صناع القرار السعوديين.. أحياناً نشعر وكأن مقالاته بالون اختبار لمشروع ماquot;.

وسبق وأن كان quot;المستشار الحاذقquot; ،كما تصفه الواشنطن بوست، نواف عبيد كثير التردد على عاصمة التاج البريطانيحينما كان الأمير تركي الفيصل سفيراً لبلاده هناك.

ويقول مصدر سعودي مطلع:quot; إنه (أي عبيد) يزعم أنه يرتبط بعلاقة مع السفير السعودي ورئيس الاستخبارات السابق الأمير تركي الفيصل، لكنها ليست بتلك العلاقة الكبيرة كما يصورهاquot;.

تحذير عبيد .. زوبعة الزوابع

وكان ذلك التحذير هو الأول من نوعه الذي يلمح فيها عبيد إلى تدخل سعودي في العراق بغية حماية الأقلية السنية وضبط النفوذ الإيراني المتعاظم في المنطقة، وقال فيه بالصيغة التالية إن quot;السعودية ستحمي سنة العراقquot;.

وقال عبيد في مقالته:
quot;في فبراير 2003، وقبل شهر من غزو العراق، حذّر وزير الخارجية السعودي، الأمير سعود الفيصل، الرئيس الأميركي، جورج بوش، من أنه quot;سوف يحل مشكلة وسيوجد خمساً أخرىquot;، إذا ما أطاح بصدام حسين بالقوة. ولو تمت الاستجابة لهذه النصيحة لما كان العراق الآن على حافة انفجار شامل للحرب الأهلية، والتفكك. ويتمنى المرء ألا يقوم الرئيس بوش بالخطأ ذاته من خلال تجاهل نصيحة سفير السعوديةلدى الولايات المتحدة، الأمير تركي الفيصل، الذي قال الشهر الماضي: quot;بما أن أميركا جاءت للعراق غير مدعوة، فلا يجب أن تغادر العراق غير مدعوةquot;. وإذا ما فعلت فإن أول النتائج ستتمثل في تدخل سعودي كبير لوقف المسلحين الشيعة المدعومين من إيران، عن ذبح العراقيين السُّنّةquot;.

ومضى في مقاله كاتباً
:quot; طوال السنة الماضية طالبت quot;جوقة أصواتquot;، من السعودية بحماية السُّنّة في العراق، وطلبت شخصيات عراقية عشائرية ودينية بارزة، إلى جانب قادة مصر والأردن ودول عربية وإسلامية أخرى، من القيادة السعودية تزويد العراقيين السُّنّة بالأسلحة والدعم المالي. كما أن هناك ضغطاً داخلياً قوياً للتدخل. وتطالب العشائر السعودية الرئيسة، التي ترتبط بعلاقات تاريخية واجتماعية وطيدة مع نظيراتها في العراق، باتخاذ إجراء. وتحظى هذه العشائر بدعم جيل جديد من أعضاء العائلة المالكة السعودية، الذين يحتلون مناصب حكومية استراتيجية ويتوقون لرؤية المملكة تلعب دوراً أكثر قوة في المنطقةquot;.

ويصل إلى لب القضية:
quot; لأنّ الملك عبدالله يعمل لتقليل التوتر الطائفي في العراق والإصلاح بين الشيعة والسُّنّة، ولأنه وعد الرئيس بوش بعدم التدخل في العراق، ولأنه سيكون من المستحيل التأكد من أن ميليشيات تمولها السعودية لن تهاجم القوات الأميركية، تم رفض جميع هذه الطلبات، ولكن ستتم الاستجابة لها إذا بدأت القوات الأميركية انسحابها التدريجي من العراق. وبما أن السعودية هي موقع القوة الاقتصادية في الشرق الأوسط، ومكان ميلاد الإسلام، والقائد الفعلي للعالم المسلم السُّنّي (الذي يضم 85% من مسلمي العالم)، فإن لديها الوسائل والمسؤولية للتدخلquot;.

ويقول حول نقطة التدخل السعودي:quot;
.. حتى أشهر قليلة، لم يكن متخيلاً أن يسحب الرئيس الأميركي، أعداداً كبيرة من الجنود، قبل الأوان، ولكن بما أن ذلك محتمل الآن، فإن القيادة السعودية تستعد لإجراء مراجعة جوهرية لسياستها في العراق، حيث تشتمل الخيارات، الآن، على تزويد القادة العسكريين السُّنّة (وهم بشكل رئيس أعضاء سابقون في الجيش العراقي البعثي السابق، الذي يشكل القاعدة الأساسية للتمرد)، بأنواع المساعدة ذاتها -التمويل والأسلحة والدعم اللوجيستي- التي تقدمها إيران للجماعات الشيعية المسلحة منذ سنوات. ويشتمل الاحتمال الآخر على تشكيل ألوية سُنّية جديدة لمحاربة الميليشيات المدعومة من إيران. كما أنه من المحتمل أن يقرر quot;العاهل السعودي، الملك عبدالله، أن يحاصر الدعم الإيراني للميليشيات الشيعية من خلال سياسة نفطية، فإذا عمدت السعودية إلى رفع الإنتاج وتخفيض سعر النفط إلى النصف، فإن المملكة تبقى قادرة على تغطية مصروفاتها، بينما إيران التي تعاني صعوبات اقتصادية حتى في ظل ارتفاع أسعار النفط، ستجعلها تلك السياسة النفطية غير قادرة على دعم الميليشيات بمئات الملايين من الدولارات سنوياًquot;.

وأشار عبيد في مقال نشرته صحيفة واشنطن بوست إلى أن القيادة السعودية تستعد لمراجعة سياستها بشأن العراق للتعامل مع تداعيات انسحاب أميركي محتمل، موضحا أنها تدرس خيارات تتضمن إغراق سوق النفط لإحداث خفض هائل في الأسعار بغية الحد من قدرة إيران على تمويل الميليشيات الشيعية في العراق.

وقال عبيد إن السعودية تدرك أن تدخلها في العراق يحمل مخاطر كبيرة، حيث يمكنه إثارة حرب إقليمية، إلا أنه أكد أن عواقب عدم التدخل أسوأ بكثير.

وأضاف المستشار الأمني للحكومة السعودية أن غض الطرف عن قتل السنة العراقيين سيكون نبذا للمبادئ التي قامت عليها المملكة، وسيقوض مصداقية السعودية في العالم السني.

وأشار عبيد إلى أن المملكة، وخلال الأشهر الماضية خضعت لضغوط متزايدة من جانب قيادات عشائرية دينية وعراقية بارزة، بالإضافة إلى مطالبة قادة مصر والأردن ودول عربية وإسلامية أخرى بتسليح وتمويل السنة في العراق.

وقال إن السعودية تحضر لتغيير نهجها في العراق، بسبب قناعتها بقرب الانسحاب الأميركي.

وأشار إلى أن الخيارات المطروحة أمام المملكة تتضمن تزويد قيادات عسكرية سنية، وبشكل رئيس بعثيين سابقين، بالدعم اللوجيستي والمالي والعسكري ذاته الذي تتلقاه الميليشيات الشيعية من إيران، على حد قوله.

رابط مقال عبيد في الواشنطن بوست
http://www.washingtonpost.com/wp-dyn/content/article/2006/11/28/AR2006112801277.html