أسامة العيسة من القدس : في بلاد يضفى فيها على الموت معان كثيرة، سواء بالنسبة للفلسطينيين، أو الإسرائيليين، يكتسب موت هشام البرادعي، يوم أمس في مدينة الخليل، خلال تحرك حزب التحرير المناهض لمؤتمر انابلويس، تحفيزا لمعارضي السلطة التي يترأسها محمود عباس (أبو مازن).

ولم يكن حزب راديكالي، مثل حزب التحرير، الذي صرح قادته بأنهم اخذوا تصريحا من الله، لتنظيم المسيرات المنددة بالمؤتمر، إلا لموت مثل هذا ليواصل ليس فقط تحديه للسلطة الفلسطينية، بل ليغلف ذلك بمعان أخرى، بعد سقوط أول quot;شهيد للحزبquot;.

وواصل الحزب تحديه للسلطة اليوم، خلال جنازة البرادعي، التي تصدت لها قوات الأمن الفلسطيني في الخليل، وأوقعت فيها نحو ثلاثين جريحا.

وتتجه الأنظار إلى خطوة الحزب المقبلة في مواجهة السلطة، بعد قراره التصعيدي أمس، خصوصا وان العالمين بأمور الحزب يشيرون بان هذا القرار كان استراتيجيا من قبل الحزب الذي نأى بنفسه خلال أربعين عاما من الاحتلال الإسرائيلي عن المواجهة المباشرة مع الاحتلال، أو حتى السلطة الفلسطينية بعد تأسيسها.

وحتى الان لا يوجد تفسير مريح للمراقبين لقرار القمع الذي اتخذته الحكومة الفلسطينية التي تضم من يصفون أنفسهم بالليبراليين، خصوصا وان عمليات القمع التي نفذتها أجهزة الأمن الفلسطينية يوم أمس، لم يسبق لها مثيل منذ تأسيس السلطة، وخلافا لما تقوله السلطة، فانه تم اعتقال المئات، والاعتداء على كل شخص وجد في شوارع المدن الفلسطينية التي كان مقررا أن تسير فيها المسيرات.

وشمل الاعتداء صحافيين، ومواطنين مسيحيين آخر الذين يمكن أن يكون لهم علاقة بحزب التحرير، دون وجود ما يبرر ذلك أبدا.

وأدت عمليات القمع، إلى تحويل الغضب الذي ساد الرأي العام الفلسطيني على حركة حماس التي تسيطر على قطاع غزة، بسبب وقوع قتلى مدنيين خلال مهرجان إحياء الذكرى الثالثة لرحيل عرفات، إلى الحكومة الفلسطينية التي يترأسها الدكتور سلام فياض.

وصدرت ردود فعل غاضبة من قبل مختلف أطياف العمل السياسي الفلسطيني ومن بينها حركة فتح، التي استنكرت عمليات القمع، وتقدمت بالعزاء إلى عائلة البرادعي بمقتل ابنها.

وحذت كتائب شهداء الأقصى، الجناح العسكري لحركة فتح، حذو الحركة الام، واعتبرت عمليات القمع منافية لما أسمته العادات والتقاليد الفلسطينية.

وبلغ الغضب ذروته لدى الصحافيين، الذين تساءلوا عن مغزى ما حدث والاعتداء على زملائهم، ونظموا اعتصاما في مدينة رام الله، وأصدرت نقابة الصحافيين ولجنة المصور الصحافي الفلسطيني بيانين منفصلين، أدانتا فيهما عمليات القمع التي طالت الصحافيين.

ومن المفارقات، أن معظم الصحافيين الذين تم الاعتداء عليهم هم من حركة فتح أو متعاطفين معها، وشملت الاعتداءات عليهم الضرب وتكسير العظام والكاميرات ومصادرة الأشرطة.

وحاولت الحكومة الفلسطينية احتواء الغضب، واعلن الناطق الرسمي باسمها عن الشروع بتحقيق جدي ومباشر لكشف ملابسات وفاة البرادعي.

واكد الناطق أن ما اسماها quot;سيادة القانون هي المبدأ الأساسي وان المتسببين بالحادثة سيتلقون جزاءهم الرادعquot;.

ولم تمض سوى اقل من 24 ساعة على هذا التصريح، حتى عادت قوات الأمن الفلسطينية وفتحت النار على المشاركين في جنازة البرادعي.

وهذه ليست المرة الأولى التي يعلن فيها عن تشكيل لجنة تحقيق، واخر مرة تم الإعلان فيها عن تشكيل لجنة تحقيق من قبل الحكومة الفلسطينية كانت بسبب الاعتداءات التي شهدتها مدينة الخليل نفسها، بعد مظاهرات شهدتها جامعة الخليل، قبل شهرين، عندما اعتدت قوات الأمن الفلسطينية على الطلبة والصحافيين، وقيام العميد سميح الصيفي قائد المنطقة بصفع أحد الصحافيين على وجهه.

وتشكيل لجان التحقيق ليس امتيازا للحكومة الفلسطينية، ولكن أيضا للحكومة المقالة برئاسة إسماعيل هنية التي أعلنت عن تشكيل لجان تحقيق اكثر من مرة في حوادث سقط فيها فلسطينيون في قطاع غزة، واخرها ما حدث في مهرجان ذكرى عرفات التابيني.

وعادة لا تنشر لجان التحقيق التي يعلن عنها، عن نتائجها، وسط تشكيك من الرأي العام إذا كانت هذه اللجان تحقق فعلا.

وشاع في الشارع الفلسطيني طرفة بعد تعدد حالات القتل وتشكيل لجان التحقيق تقول quot;اقتل ثم شكل لجنة تحقيق، حتى موعد حادثة القتل الثانية حيث ينسى الناس الحادثة الأولىquot;.