خلف خلف من رام الله: يراهن الكثير من المسؤولين الإسرائيليين على أن الحصار الذي يعيشه قطاع غزة يضع حركة (حماس) في مأزق كبير سيدفعها في نهاية المطاف في حال تعثرت سبل الحوار مع حركة (فتح) إلى اللجوء نحو باب الحوار مع إسرائيل. وتأتي هذه التقديرات في ظل تعطل سبل الحوار الفلسطيني- الفلسطيني، لتمسك حركة (فتح) التي يتزعمها الرئيس محمود عباس بشروطها، وأهمها تراجع حماس واعتذارها عن انقلابها في قطاع غزة، بينما تطالب الأخيرة بضرورة الدخول في حوار غير مشروط.

ورغم تأكيد قيادة حركة (حماس) مسبقاً رفضها الدخول في أي محادثات سياسية مع الجانب الإسرائيلي، إلا أن الحركة أعلنت حينما شكلت أول حكومة لها بداية عام 2006 على لسان العديد من مسؤوليها ووزرائها، استعدادها لحديث في الشؤون الخدماتية مع quot;الاحتلالquot; بهدف تسيير الأمور الحياتية والمدنية للمواطنين في غزة.

وبدوره، صرح رئيس السلطة محمود عباس في أكثر من مناسبة في الأسابيع الأخيرة بأن لديه معلومات تؤكد وجود اتصالات سرية بين حماس وإسرائيل، وهو ما نفته الأولى بشكل قاطع، مشيرة إلى أن مثل هذه التصريحات لعباس تأتي لتبرير اجتماعاته ولقاءاته مع quot;الاحتلالquot;. ونوهت إسرائيل من جانبها، بعدم وجود أي اتصالات بينها وبين حماس، وشددت وزيرة الخارجية الإسرائيلية تسيبي ليفني في آخر تصريحاتها على أن أي حوار مع حماس لن يتم، ما دامت الحركة لا تطبق شروط الرباعية الدولية.

ولكن تقريرا لصحيفة quot;يديعوتquot; الصادرة اليوم ألقى الضوء على إمكانية التفاوض بين إسرائيل وحماس، وبحسب التقرير فإن كبار المسؤولين في جهاز الأمن الإسرائيلي يعترفون أنه لا مناص من التفاوض المباشر مع حماس، بعضهم ضمن تحفظات وشروط والآخر لا.

وبحسب الصحيفة فان عملية التفاوض بين الجانبين، تتدحرج الآن على طريق انكسار الطابو كما حدث مع منظمة التحرير الفلسطينية في الزمن السابق. وتقول الصحيفة الإسرائيلية: quot;وهذه المسألة كانت في الأجواء منذ مدة طويلة معلقة مثل سحب ماطرة من دون مطر، ولكن أول من حطم ستار الصمت الرسمي المطبق كان وزير البنى التحتية الإسرائيلي بنيامين بن اليعيزر الذي قال بصوت مسموع قبل أسابيع، وأن كان بصياغة ملتوية تقريبا: quot;يجب التفاوض مع حماسquot;.

كما نقل عن الجنرال احتياط غيورا آيلاند، مستشار الأمن القومي الإسرائيلي السابق، قوله في مقابلة صحافية بداية الأسبوع الماضي، إنه من الممكن التوصل مع حماس إلى اتفاق فعلي يوقف بصورة تامة إطلاق صواريخ القسام، وأضاف أن الاتفاق حول تبادل الأسرى مع حماس سيخدم مصلحة اعادة جلعاد شليط بالتأكيد.

وأضاف آيلاند: quot;كل من يعيش هنا يعرف الديناميكية. لقد عشنا هذه التجربة سابقا مع م.ت.ف التي كانت محرمة تماما إلى أن وصلوا إلى نقطة اعتبارها عنوانا للتفاوض، حينئذ اندلعت جلبة كبيرة، وبعدها جاء التزحزح عن المواقف التقليدية. هكذا تسير الأمور: بعد السكوت يأتي الحديث بما في ذلك الاحتجاجات والفزع من المعترضين ورويدا رويدا يتبلور واقع جديد. مع التركيز على كلمة رويدا. الوتيرة هي التي تفرض ذلك، وبإمكانها أن تؤثرفي جودة العملية.quot;

وتابع: quot;من الممكن إذا أننا الآن نمر في بداية عملية لا مناص منها ولا إمكانية للتراجع عنها، والتي ستنتهي بالجلوس مع حماس وإدخالها إلى أسرة الشعوب التي نتفاوض معها. وربما لا. هذا يعتمد على من تسألونه.

وتبين يديعوت أن مسؤولين كبارا في الجهاز الأمني الإسرائيلي مستعدون للقول من دون اقتباس أو ذكر اسم أن التفاوض مع حماس، خصوصا في الأمور التكتيكية الأمنية أو المتعلقة بإطلاق سراح شليط، هي حاجة ضرورية لا بد منها. ولكن هذه الأطراف تواصل القول بأسف إن الطريق أمام هذا الحوار مغلق اليوم. خصوصا بسبب الثمن، ولكن بدرجة غير قليلة أيضا بسبب القيود التي وضعتها إسرائيل على نفسها عندما حشدت بصورة مثيرة للانطباع الأسرة الدولية إلى جانبها في حرب لا هوادة فيها ضد حماس.

هذا فيما لا يستعبد الجنرال احتياط في الجيش الإسرائيلي دافيد عبري أول من كان رئيسا لمجلس الأمن القومي الإسرائيلي، المفاوضات المباشرة مع حماس، ولكنه يعتقد أن التوقيت غير ملائم. ويقول: quot;في نهاية المطاف ستكون هناك حاجة للتفاوض مع حماس، ولكن ذلك ليس ملائما الآن. الآن لدينا التزام للعالم في كل قضية التفاوض مع الجهات quot;الإرهابيةquot;، نحن نطلق النار على أرجلنا إذا تفاوضنا مع حماس من دون أن يتيح المناخ السياسي ذلك بصورة شرعيةquot;.

أيضا بين رؤساء الموساد السابقين سجلت في هذا الأسبوع خلافات في الرأي حول مسألة تفاوض إسرائيل مع حماس. حيث إن رئيسين سابقين quot;للشاباكquot; عبرا عن موقف موحد من قضية التفاوض المبدئية مع حماس. الفرق بينهما كان في التفاصيل فقط.

يعقوب بيري وهو أحد قادة جهاز الموساد سابقاً يتوقع مرحلة من التفاوض كجزء من الجهود للتوصل إلى اتفاق. بينما يؤيد الوزير عامي ايالون وهو قائد لجهاز الموساد سابقاً التفاوض مع حماس، ولكن ليس كتنظيم، وإنما مع أطراف براغماتية موجودة في صفوفها، على حد تقديره. quot;حماس لم تعد اليوم تنظيما توحيدياquot;، يقول ايالون.

ويضيف بيري في حديث لمراسلة صحيفة يديعوت: quot;فكرة الهدنة في حماس تتيح المرونة للاتفاق حول الهدوء حتى لمدة خمسين عاما وتتمخض عن وضع تكون فيه في أوساط حماس أطرافا براغماتية أيضا. لذلك إذا كنت تسألين إذا كان يتوجب التفاوض مع حماس، فالرد في الخلاصة هو لا. ولكني لم أكن لأذهب تحت شعار أنني أتفاوض مع حماس، وإنما شعار التفاوض مع أطراف في حماس. مع من؟. مع كل من يوجد لديه استعداد للتفاوض على أساس قرار الجامعة العربية. وأنا لن اسأل إذا كان مستعدا للتفاوض فقط حول هدنة لأربعين عاما. هذا جيد بصورة كافية بالنسبة ليquot;.

ولكن الدكتورة عنات كورتس من معهد أبحاث الأمن القومي تعتقد أن إسرائيل أضاعت الفرصة بعد فوز حماس في الانتخابات، حيث سارت مسافة طويلة تبعدنا عن هذا الخيار، إذ إن حماس الآن لا تستطيع الاستجابة لشروط الرباعية للحوار، وإسرائيل بدورها لا تستطيع التراجع عن انتصارها الدبلوماسي المتمثل بهذه الشروط. هذا ناهيك عن التزام إسرائيل من كافة النواحي تجاه الرئيس (أبو مازن).