واشنطن: على الرغم من مرور ست سنوات على أحداث الحادي عشر من سبتمبر، إلا أن الولايات المتحدة مازالت تفتقد لتشريعات مستقرة تقوم على أساسها سياسات تقوض نشاط، ما تطلق عليهم واشنطن، المحاربين الأجانب المشتبه فيهم، والذين تم القبض عليهم خلال الحرب الأميركية على الإرهاب. فقد جاءت السياسات الأميركية في هذا الشأن لتؤدي إلى التآكل من مكانتها الدولية وصورتها العامة؛ بسبب تورط قواتها المسلحة في خصومات قضائية مستمرة، إلى جانب سوء ظروف الحبس والسجن التي واجهت العديد من المئات المشتبه فيهم.

وانطلاقاً من ذلك جاءت الدراسة التي أعدها quot;بينجامين ويتسquot; وquot;مارك جيتنزquot; المعنونة بـ quot;الإطار القانوني للإرهابيين المعتقلين: سن قانون لإنهاء الخلاف حول الحقوق، في إطار مشروع quot;معهد بروكينجزquot; ، الذي يطلق عليه quot; والذي يهدف إلى مساعدة مرشحي الرئاسة والرأي العام بالقضايا الإشكالية التي تواجها واشنطن، من خلال عرض بعض الأفكار وإعطاء خلفية عن القضايا محل الاهتمام من جانب الناخبين.

حقائق أساسية

تؤكد الدراسة على أن حقوق المعتقلين تأتي كقضايا إشكالية تواجه السياسات الأميركية، وذلك بالنظر إلى وجود حوالي 320 معتقل في جوانتنامو حتى نوفمبر 2007 ، وأكثر من 450 معتقل تم إطلاق سراحهم أو نقلهم من جوانتنامو منذ 2002، بالإضافة إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية تقوم بالقبض على أعداد من المعتقلين خارج سياق نظام العدالة الجنائية لبعض الوقت.

وفي هذا الشأن تأتي أهمية تطوير قواعد بشأن حجز المشتبه فيهم من المتورطين في الحرب غير المألوفة ضد الولايات المتحدة ومصالحها، لتمثل محور التحدي الذي يواجه السياسة التشريعية الأميركية في إطار الحرب على الإرهاب. ومن ثم فعلى الرئيس القادم أن يعمل مع الكونجرس للتأكد من تطابق هذه القواعد مع المبادئ الدستورية والقيم الأمريكية، إلى جانب التأكد من قبولها بصورة موسعة داخلياً وخارجياً قدر الإمكان، بحيث تمثل دعما أكثر من كونها تقويض للحملة العالمية ضد الإرهاب والتطرف.

نقاش حول قانونية الحجز

تحت هذا العنوان أشارت الدراسة إلى أن النقاش ما بين المتنافسين على المكتب البيضاوي، قادة الرأي، خبراء السياسة الخارجية، المعلقين القضائيين بشأن معالجة أمر مقاتلي القاعدة وطالبان: quot;مقاتلي الأعداء غير القانونيينquot; كان محل اهتمام كبير إلا أنه للأسف لم يتناول أصل المشكلة، وهو التفكير في ما الذي يجب أن تكون عليه السياسة الأمريكية تجاه المقاتلين الأجانب المحتجزين.

موقف الإدارة الأميركية الحالية من حجز المقاتلين الأجانب

تشير الدراسة إلى أن إدارة بوش أصرت على سلطاتها بشأن حجز المحاربين الأجانب دون النظر إلى نظام العدالة الجنائية الأميركية اعتماداً على صلاحيتها الخاصة بالقبض على جنود الأعداء في النزاعات الحربية التقليدية، وذلك على الرغم من أن الحرب على الإرهاب لا تعد حرب تقليدية. وفي هذا الصدد، ذكرت الدراسة أنه رغم ما استحوذته قضية جوانتنامو من اهتمام بسبب ما حدث من انتهاكات هناك. فقد ركز مرشحي الرئاسة على سؤالين : يدور الأول حول غلق معتقل جوانتنامو، والثاني حول ما إذا كان اللجوء إلى مثول المعتقلين أمام القضاء يتم هناك. وبينما ينادي المتنافسون الديمقراطيين بإغلاق جوانتنامو، والتأكيد على المثول أمام السلطة القضائية، يرحب نظرائهم الجمهوريون - فيما عدا اثنين من المرشحين (جون ماكين وquot;رون بولquot;) - بالحفاظ على جوانتنامو، إلا أنه لا يوجد من يعارض اللجوء إلى حق المعتقلين في المثول أمام القضاء.

إغفال القضية الحقيقية

يمثل الجدل حول جوانتنامو والأمر القضائي بالتحقيق في قانونية سجن شخص معتقل، قضية حقيقية خاصة في غياب آلية متماسكة لتقييم الالتزام القانوني بشأن المعتقلين. وفي هذا السياق أشارت الدراسة إلى أن الأمر القضائي بالتحقيق في قانونية سجن شخص معتقل يٌعد وثيقة رسمية قديمة تستطيع المحكمة من خلالها أن تراجع شرعية الحبس وإطلاق سراح المسجونين الذين لا يمكن تعليل سبب سجنهم.

ورغم الجهود العاملة على تطوير هذا الإطار القانوني إلا أنه لم يتم خلق نظام يحظى بثقة الشعب، المجتمع الدولي، والمحاكم. وقد نتج عن ذلك أن المعلقين والمتنافسين يضيعون الكثير من الوقت في النقاش حول دور الأمر القضائي الخاص بالتحقيق في قانونية سجن شخص معتقل، دون مناقشة لتشكيل النظام نفسه. فالنقاش حول جوانتنامو- سواء كان الأمر صحيحاً أو خطأ- أصبح يمثل رمزاً لغياب العدالة ورد الفعل الأميركي تجاه الإرهاب. غير أن غلق جوانتنامو لا يعد حل لهذه المشكلة، فالعديد من المحتجزين لا يمكن إطلاق سراحهم ببساطة، أو اتهامهم. فبعض أعداء الولايات المتحدة يتعهدون بالقتال عسكرياً، مع التزامهم بعدم القيام بجرائم، في حين يتعهد آخرون بالجرائم، لكن يصعب إثبات قيامهم بها في المحاكم التقليدية، لضعف الدليل، أو بسبب الحصول على الدليل من خلال وسائل مكروهة. فهؤلاء يمكن أن يكونوا خطيرين جداً في حال إطلاق سراحهم. فقوانين الحرب تصرح باعتقال الأعداء العسكريين لفترة طويلة.

تحديد الأسئلة المركزية

وانطلاقاً من ذلك تشير الدراسة إلى أن الاتجاه الصحيح يتعلق بخلق النظام الملائم أولاً، فتطوير القواعد الخاصة باعتقال الأعداء المشتبه فيهم المتورطين في الحرب غير المألوفة ضد الولايات المتحدة تمثل تحدي أساسي يواجه السياسة القانونية الأميركية في الحرب على الإرهاب اليوم. بينما تعتبر مشاكل مثل تقنيات الاستجواب، معاملة المعتقلين، برنامج الـ CIA الخاص بأسرار السجن، الترجمة غير المعتادة المهم تحديدها، كل هذه القضايا ينظر إليها كفرعيات ملحقة- والتي لا يستطيع صانع القرار حلها بدون النظر للأسئلة الرئيسية: من يمكن اعتقاله؟، وما هي فترة الاعتقال؟، وتحت أي قواعد، وما هي حقوق المعتقلين في ظل هذه القواعد؟، وما هو الدور الذي يجب على المحاكم أن تلعبه في الإشراف على المعتقلين؟ .

الحاجة إلى قانون إداري للاعتقال

تحت هذا العنوان أشارت الدراسة إلى أن عمليات اعتقال مقاتلي طالبان والقاعدة شهدت العديد من التساؤلات الصعبة عن الديمقراطية والتي تولي اهتماماً كبير بحقوق المدنيين وحكم القانون وظروف الحرب في إطار التوازن بين الحقوق المدنية وظروف الحرب، فعمليات الاعتقال غير المحدودة حتى وإن كانت لغير المدنيين تخالف الأفكار الأساسية التي تستند عليها الولايات المتحدة الأمريكية.

فالنظام القانوني سمح بوجود عمليات اعتقال غير محدودة لأسباب عديدة، أهمها أن مفهوم المقاتلين الأجانب يمكن الإمساك بهم بشكل غير محدد إبان أوقات الحرب وهو أمر لا جدل فيه بل ويقوم على أساس من القانون الدولي والدستوري. فاتفاقية جنيف الثالثة بصورة خاصة تفوض وتنظم الاعتقال للأسرى المسلحين غير المرتدين للبزة النظامية، والذي يمكن قانوناً إبعادهم عن مجال المعركة إبان فترة العداءات. غير أن مشكلة المعتقلين في جوانتنامو، الذين تسميهم الإدارة quot;مقاتلي العدو غير قانونيينquot; ، لا تنطبق عليهم تعريف اتفاقية جنيف لـquot;سجيني الحربquot; فهم تسللوا داخل المجتمع المدني وتورطوا في أعمال العنف ضد غير المقاتلين، الأمر الذي اتخذ تعريف quot;جرائم الحرب فالإدارة الأميركية تري أنهم فقدوا الحماية التي توفرها جنيف من منطلق أنهم ليس لديهم نية للمعاملة بالمثل.