جزيرة القرصاية (مصر): رفرف العلم المصري بين خيمتين عسكريتين في رمز غير مرحب به على سطوة الدولة في مواجهة بين الحكومة وأهالي جزيرة في النيل. وتحت حماية الجيش تعمل الجرافات على مدار الساعة لتغيير وجه جزيرة القرصاية ذات الأرض المنخفضة التي تضم مساحات ينمو فيها الغاب وأخرى زراعية وبعض المنازل الريفية ولا تفصلها عن وسط العاصمة المصرية المفعم بالحركة سوى مسافة قصيرة بالقوارب.

وعندما نزلت سرية من الجيش مسلحة بالبنادق في حديقة الطبيب الجراح محمد مصطفى على الضفة الشرقية في أواخر نوفمبر/ تشرين الثاني جاء رد فعل سكان الجزيرة سريعًا. حملوا الهراوات والعصي وهرعوا الى النهر لمواجهة الانزال. وحفر بعضهم قبورًا غير عميقة في حين لف بعضهم الاخر انفسهم في أقمشة بيضاء على شكل أكفان واستلقوا على الارض في محاولة لتوجيه رسالة تفيد انهم على استعداد للموت ذودا عن أرضهم.

وكان سكان القرصاية بالفعل في حالة تأهب منذ رفض المسؤولون في الشهور القليلة الماضية قبول الايجار من الاسر التي يعيش الكثير منها في الجزيرة منذ عدة أجيال بعد أن استصلحوا أرضها وزرعوها. ويقول سكان الجزيرة ان الحكومات المتعاقبة حاولت ترويعهم لترك الجزيرة وأنهم يشتبهون في أن السلطات ستستند الى متأخرات الايجارات كأساس لطردهم. ويقولون إن مقاولين تابعين للجيش غطوا بالفعل نحو فدانين من الارض الزراعية بالحجارة مدمرين محصول الارز. وأرض القرصاية تابعة اسميًا للدولة لكن العديد من السكان لهم حقوق وضع اليد وفي حوزتهم الكثير من المستندات التي تثبت سداد ما عليهم من أموال والوفاء بالتزاماتهم.

ويعتقد الاهالي حاليًا أن الحكومة يساندها الجيش وهو القوة الوحيدة القادرة على ترحيلهم تعتزم تقديم الارض لمستثمر كبير لبناء فنادق فاخرة عليها. ويصور موضوع جزيرة القرصاية مدى عدم ثقة المواطنين في الحكومة التي ينظر اليها في كثير من الاحيان على أنها بعيدة عن المساءلة وغير قابلة للحوار ومنحازة في الغالب لمصالح الشركات الكبيرة. وقال محمد مصطفى المقيم في الجزيرة منذ 22 عامًا مع زوجته بريجيت المسؤولة بالقسم القنصلي في السفارة السويسرية ان الحكومة تعتقد ان النيل لم يخلق للمواطنين العاديين.

وقال متحدثا عن محاولاته الحصول على تفسير من ضباط الجيش الذين قادوا الانزال في حديقته الاسبوع الماضي quot;نحن كمدنيين نريد أن نتعامل مع جهة مدنية. نحن نتكلم عربي وهم يتكلمون بالالي والسونكي والعصا التي تكهرب. لا نفهم بعض. نحن لا نستطيع التعامل بلغتهم.quot; وقال محمد عبلة الفنان التشكيلي الذي يقيم بالجزيرة من 12 عاما ان من أصعب جوانب هذه الازمة العثور على من يسمع وجهة نظرهم. وأضاف quot;السلطات لا تتحدث معنا. كأننا غير موجودين. لا أحد يهتم بنا على الاطلاق.quot; وقال مصطفي quot;نريدهم فقط ان يكشفوا لنا عما يفعلونه ويشعروننا اننا لسنا مجرد ارقام. نحن بشر. وسكان هذه الجزيرة سواء كانوا فقراء او متوسطي الحال أو أغنياء فان من حقهم ان يعاملوا بشكل انساني.quot;

ولم يجب مجدي راضي المتحدث باسم الحكومة المصرية على أسئلة رويترز عن نوايا الحكومة بينما ابلغ متحدث باسم الجيش رويترز بأن الجيش يزيل تعديات على النيل لكنه رفض الادلاء بمزيد من التفاصيل. وفي هذه الاثناء يعيش سكان القرصاية في حالة من التوتر ويراقبون جنود الجيش عن كثب كما بدأوا اتخاذ اجراءات قانونية ويحاولون تعبئة الرأي العام المصري في صفهم.

وأوردت بعض الصحف المستقلة أنباء النزاع لكن وسائل الاعلام الكبرى المملوكة للدولة تجاهلته الى حد بعيد. وينظم محمد عبلة في تلك الاثناء حفلات موسيقية وورش عمل للرسم لجذب الانتباه الى النزاع. وقال المحامي أمير سالم الذي دافع عن السياسي المعارض المسجون أيمن نور لرويترز انه وافق على تمثيل السكان.

ويقول السكان الاكثر فقرا على الجزيرة ان تهديد الجيش لا يمس منازلهم فقط بل معيشتهم في بلد الارض الخصبة نادرة فيه ومن الصعب العثور على عمل. وذكر رجل من سكان الجزيرة يدعى حامد محمد علي يعيش على الزراعة وصيد الاسماك من النيل أنه عندما جاء الى القرصاية من جنوب مصر في عام 1970 كانت أرضها بورا وأنه استصلح الارض التي يزرعها في الوقت الحالي. وقال الرجل ليتهم أخذوا الحزيرة وهي مليئة بالاعشاب وقاموا بتنظيفها. أما الان وقد قام السكان باستصلاحها وتجميلها فقد راقت في أعينهم. وتساءل قائلا هل لو حل ضيف على أحد وراق له الوضع يقوم بطرد صاحب المنزل والارض.. واضاف quot;اذا طردونا الي أين سيرسلوننا.. هي سيبنون لي بحيرة وسط الجبال اصطاد فيها.. هل سيعطوننا ارضا نزرعها.. سأضطر للتحول الى مجرم.quot;

ويقول سكان الجزيرة ان ما يغضبهم بشكل خاص هو ان الجيش نشر لاغراض مدنية وربما تجارية. ويقول الصياد ابراهيم مصطفي مشيرا الى معسكر الجيش quot;انظر اليهم... رفعوا علم مصر على الجزيرة كأنهم حرروها من الاحتلال الاسرائيلي. لكنهم في حقيقة الامر يأخذونها من الناس.quot;