في الذكرى الأولى لإعدام الرئيس السابق صدام حسين (2/2)
غيابه فتح أبوابًا أمام خلفائه... تأهب أمني وحظر تجول اليوم

العراقيون يحملونه آثام أوضاعهم بإنتظار أمنهم ورفاههم الغائبين
أسامة مهدي من لندن: تحل اليوم الأحد الذكرى الأولى لتنفيذ حكم الإعدام شنقًا حتى الموت بالرئيس العراقي السابق صدام حسين ليعيش العراق من دون صدام للمرة الأولى منذ ما يقارب النصف قرن، حين شارك في محاولة إغتيال الزعيم السابق عبد الكريم قاسم، وحيث لم تكن لإعدامه تداعيات محلية خطرة كان قد تخوّف منها الكثيرون داخل العراق وخارجه، أو تخوّف من نتائجها على صعيد اختفاء حزب البعث الذي بدا اكثر تحررًا من سطوة أوامر قائده السابق مع ما رافق ذلك من انفتاح أبواب خارجية لقادته الجدد لم تكن لتشرع بوجوده، فأعلنت السلطات العراقية حالة تأهب اليوم، وفرضت حظرًا للتجول في المناطق المحية بمكان دفنه.

وقد تأهبت القوات الأمنية اليوم لمنع وقوع quot;أي عمل إجراميquot;، وأعلنت السلطات المحلية فرض حظر تجول في بلدة الدور ( 150كلم شمال بغداد) التي جرى قربها في كانون الاول (ديسمبر) العام 2003 إعتقال صدام حسين على يد القوات الأميركية.

وقال المتحدث باسم وزارة الداخلية العراقية اللواء عبد الكريم خلف إنه من المؤكد انه لا يزال لدى صدام حسين انصار... وأضاف: quot;سنرى ما الذي سيحدث اليوم الأحد، ولكن قواتنا جاهزة للتدخل لمنع وقوع اي عمل اجراميquot;.

وفي رصد قامت به quot;ايلافquot; لآراء عراقيين يعيشون داخل بلدهم وخارجه، فإنه من الواضح انه بعد عام من الاعدام، فإن الكثير منهم يشتكون من اوضاعهم الصعبة الحالية في الحقبة التي اعقبت سقوطه لكنهم يحملون ممارساته نتائج ما وصل إليه عراق اليوم، وحيث لم يبق من فورة الغضب العاطفية التي رافقت الاعدام إلا بيانات ومجالس تأبين تصدر هنا وهناك، بعيدًا عن العراق، وحيث زار قبر الرئيس الراحل عدد من العراقيين كان اقل من الذين شاركوا في تشييعه وتأبينه يوم اعدامه.

فقد تم إعدام صدام حسين فجر يوم عيد الأضحى العاشر من ذو الحجة الذي وافق الثلاثين من كانون الاول (ديسمبر) العام 2006 بعد ان سلمته القوات الاميركية الى السلطات العراقية تلافيًا لجدل قانوني داخل الولايات المتحدة التي اعتبرته أسير حرب.

تضمنت الحلقة الاولى من موضوع هذه الذكرى سردًا لردود الفعل الداخلية والخارجية التي رافقت الاعلان عن اعدام صدام وتفاصيل ابلاغه بقرار اعدامه خلال ساعة وتفاصيل نقله من زنزانته في المعتقل الاميركي، قرب مطار بغداد الدولي، الى مقر الاستخبارات بمنطقة الكاظمية في بغداد، حيث تمت عملية الاعدام وما رافقها من ملابسات... وهنا الحلقة الثانية الاخيرة من هذه الاستعادة للذكرى الاولى لإعدام رئيس العراق الذي حكم بلاده 35 عامًا بمختلف تداعياته بين معارضيه ومؤيديه :

صام حسين... حروب خارجية وقمع داخلي
صدام حسين هو رئيس العراق منذ تموز (يوليو) عام 1979وحتى اعدامه وكان له دور أساسي في تأميم قطاع النفط العراقي عام 1972. ووقع مع إيران اتفاقية الجزائر عام 1975 لإنهاء الخلاف الحدودي بين البلدين. وفي عام 1979 تسلم رئاسة العراق بعد استقالة الرئيس أحمد حسن البكر. ودخل العراق في عهده حربين أثرت على عملية التنمية في العراق والمنطقة.

ولد صدام حسين لعائلة فقيرة في 28 نيسان (أبريل) عام 1937 في قرية العوجة بالقرب من مدينة تكريت الواقعة إلى الشمال من بغداد. وفي عام 1957 انتسب إلى حزب البعث، وشارك في محاولة الاغتيال الفاشلة لرئيس الوزراء العراقي الراحل الزعيم عبد الكريم قاسم عام 1959 واستطاع أن يفر إلى سوريا ثم إلى مصر. عاد إلى العراق بعد انقلاب عام 1963 الذي قاده الرئيس الراحل عبد السلام عارف على عبد كريم قاسم وشارك في انقلاب البعث عام 1968.

بعد اتهام العراق لإيران بتأييدها للأكراد وعدم إعادة الأراضي العراقية التي نصت عليها اتفاقية الجزائر ألغى صدام حسين الاتفاقية ليدخل في حرب مع الحكم الجديد في إيران استمرت ثماني سنوات بين عامي 1980 و1988 وتسببت في مآسٍ لشعبي البلدين اللذين فقدا اكثر من مليون قتيل خلالها.

وبعد أن ثارت الخلافات بين الكويت والعراق بشأن أسعار النفط التي وصلت إلى مستوى متدن وجه صدام حسين في النصف الثاني من عام 1990 الاتهامات إلى الكويت بتعويم سوق النفط واستغلال النفط الموجود في مناطق متنازع عليها، وبعد محادثات فاشلة في السعودية احتل العراق الكويت في 2 اب (أغسطس) عام 1990 كما رفض العراق قرار مجلس الأمن بوجوب انسحاب العراق من الكويت. وفي يوم 17 كانون الثاني (يناير) عام 1991 دخل العراق حربًا خاسرة في مواجهة القوات الدولية بقيادة الولايات المتحدة وتم فرض حصار اقتصادي شامل على العراق في 6 آب (اغسطس) عام1990 ما زال الشعب العراقي يعاني من آثاره.

اتسم حكم صدام بالقسوة، وإضافة إلى الحربين اللتين دخلهما في ايران والكويت فقد شهدت حقبة حكمه عمليات قتل للعديد من الشخصيات الدينية والسياسية والعسكرية طالت حتى قياديين في حزب البعث الذي كان يقوده .

وعلى الرغم من الإنفجارات التي شهدها العراق ضد نظام الحكم التي تمثلت في الانتفاضة التي عمت الجنوب والشمال في أعقاب هزيمة الجيش العراقي في حرب الكويت في اذار (مارس) عام 1991، تمكن صدام من الإبقاء على قبضة حكم شديدة بتسليط المزيد من القمع ضد الأكراد في الشمال والشيعة في الجنوب. فقد استخدم أقسى انواع أعمال القمع التي تضمنت عمليات التهجير الواسعة للسكان في داخل العراق وإلى خارجه والتنكيل والقتل الجماعي وإحداث تغييرات بيئية لأغراض أمنية مثل تجفيف منطقة الأهوار في جنوب العراق وتدمير الحياة الطبيعية فيها.

وقد تعرض حكم صدام لهزات داخلية كان من اخطرها هروب اثنين من أصهرته الثلاثة هما حسين كامل المسؤول عن التصنيع العسكري وشقيقه صدام كامل الذي كان من ضمن حماية الرئيس. لكنهما حين قررا العودة إلى العراق بضمانات من صدام نفسه قتلا على الفور في بغداد. كما تعرض صدام نفسه لمحاولات لاغتياله أو الإطاحة به كما جرت محاولة لاغتيال ابنه عدي عام 1996 سببت له عاهة مستديمة.

وأدى دخول قوات التحالف إلى بغداد إلى فرار صدام ومعظم المسؤولين الكبار في نظامه وأصدرت واشنطن قائمة من 55 مسؤولاً سابقًا يتصدرها الرئيس السابق وولداه عدي وقصي اللذان قتلا في هجوم اميريي على منزل في مدينة الموصل في تموز ( يوليو) عام 2003.
وقد ألقي القبض على صدام في الثالث عشر من كانون الاول (ديسمبر) عام 2003 في مكان وضيع أمضى فيه صدام أيامه الأخيرة مختبئًا قبل العثور عليه قرب مسقط رأسه في تكريت .

ما بعد صدام... الحزب والشعب
لقد ظهرت توقعات وتحذيرات عديدة قبل اعدام الرئيس السابق تنذر بعواقب وخيمة ستغيّر مجرى الاحداث في العراق وساهم فيها صدام حسين نفسه، لكنه بعد عام من غيابه يبدو ان الرئيس السابق قد أصبح مجرد ذكرى لأعدائه ومحبيه.

فقد توعّد حزب quot;البعثquot; العراقي المحظور الذي كان يقوده صدام حسين برد quot;مزلزلquot; إذا ما أقدمت الحكومة العراقية على إعدام صدام قائلاً إنه سيحمّل الولايات المتحدة الأميركية مسؤولية ما وصفه بـ quot;تلك الجريمةquot;.

وهدد الحزب الذي اعتبر حركة محظورة بعد اسقاط نظامه في بيان له بالتصعيد المسلح واستهداف المصالح الأميركية في أي مكان في العالم إذا ما تم إعدام صدام حسين. وقال البيان: quot;يحذر حزبنا مرة أخرى من نتائج إعدام السيد الرئيس ورفاقه... إن حزب البعث والمقاومة مصممون على التصعيد بكافة الوسائل الممكنة، وفي كل مكان، لإلحاق الأذى بأميركا ومصالحها إذا ما ارتكبت هذه الجريمةquot;. واضاف أن إعدام صدام سيجعل من مشاركته في أي حوار مستقبلي مع الولايات المتحدة والمسؤولين العراقيين لخفض مستوى العنف أمرًا غير ممكن.

من ناحية اخرى، دعا رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي بعد ساعات قليلة من تنفيذ حكم الاعدام بحق صدام حسين من اسماهم ازلام النظام البائد الى اعادة النظر في مواقفهم السياسية، مؤكدًا ان اعدام صدام لم يكن بدوافع سياسية. وطالب بطي هذه الصفحة المظلمة من تاريخ العراق والنظر الى الأمام لبناء العراق معًا.

صدام نفسه وقبل 48 ساعة من اعدامه وفي اخر لقاء له مع ثلاثة من محاميه... قال لهم إن العقل الأميركي ما زال قاصرًا في معالجة الاخطاء وهم لم يستطيعوا حتي الآن أن يدقوا الأبواب الصحيحة وأن يقروا بمطالب أبناء الشعب العراقي، ولكن اقول لكم وبكل ثقة إنه خلال شهرين من الآن فسوف تكون الصورة مختلفة وسوف يكون المحتلون في حالة غير هذه الحالة التي هم عليها وذلك عندما يتسلم الديمقراطيون المهام الرسمية ويطلعون علي الوثائق والأوراق كاملة... هنا سوف يعملون ويسعون إلى بلورة حل لقضية العراق، وحسبما اعتقد فإن ذلك سيتم خلال ثلاثة أشهر.

لكنه وبعد عام من الاعدام لم يزلزل حزب البعث الارض تحت اقدام الاميركيين والسلطة الحاكمة، كما لم يستجبلـquot;أزلام النظام السابقquot; لنداء المالكي .. ثم لم يتغير الموقف الاميركي من العراق خلال الاشهر الثلاثة التي توقعها صدام .. ولحد الان .

quot;ايلافquot; تحدثت خلال اليومين الماضيين مع العديد من العراقيين الذين يعيشون داخل العراق وخارجه حاليًا، وممن تعاطفوا مع صدام، أو ممّن وقفوا ضده، وهم يمثلون مختلف الاتحاهات لاستطلاع ارائهم فيما يعتقدون انها اثار عام من اعدام الرئيس السابق .

ما يمكن استنتاجه من جميع هذه الاراء انه بعد عام من الاعدام، فإنه لا تاثير نفسيًا او امنيا له بين العراقيين سواء كان سلبًا او ايجابًا... لكن هؤلاء كثيرًا ما يقارنون ظروفهم الصعبة الحالية بمختلف مجالاتها مع اوضاعهم السابقة التي كانوا يشعرون فيها، وعلى اقل تقدير بالامن وتوفر الخدمات... غير انهم يرجعون سبب هذه الظروف التي يخوضون تداعياتها الصعبة الان الى ممارسات الرئيس السابق ومواقفه من مختلف القضايا الداخلية والخارجية التي تهم العراق. كما يشيرون الى ان تداعيات الاعدام خاصة في المحيط العربي كانت عاطفية اكثر منها واقعية او سياسية . ويقولون ان الاعدام اطلق من جهة اخرى يد القادة البعثيين من خلفائه، على الرغم من انقساماتهم ، في التحرك بعيدًا عن تعليماته الصارمة. كما فتحت لهم الابواب في اكثر من بلد عربي كانت له تحفظات على التعامل مع صدام حسين للاتصال بهم ومحاورتهم بعد رحيله، وحيث الحوارات معهم اخذت تجري على اكثر من صعيد وتحت الكثير من المسميات وفي مقدمتها امكانية تحقيق المصالحة الوطنية على الرغم من أن البعثيين ما زالوا يرفضون او يخشون ، على صعيد وضعهم داخل الحزب، من اي اتصال مع منفذي الاعدام بقائدهم السابق.

اخيرًا يشير العراقيون الذين تحدثوا لـ quot;إيلافquot; الى انه بعد عام من إعدام صدام حسين، فإن اسقاط نظامه في التاسع من نيسان (ابريل) عام 2003 لم يؤدِّ بعد الى قيام بلد ديمقراطي مستقر آمن ومتقدم كما بشر الاميركيون بذلك لدى دخولهم الى بغداد في ذلك اليوم الذي كان يعول عليه العراقيون الكثير لانهاء عقود من الظلم والمآسي التي تجددت في حاضر يومهم الراهن .. لكنهم على الرغم من ذلك مصرون على التطلع بأمل الى غد افضل .