بئر السبع: تنساب المياه الرمادية في مجرى وادي الخليل الذي يفترض أن يكون جافاً في مثل هذا الوقت من العام، مما يوضح مدى تلوث هذا المجرى الذي ينبع من الضفة الغربية ويمر في إسرائيل. أما الرائحة الكريهة المنبعثة منه فتزيد الوضع سوءاً.

وفي هذا الإطار، أفادت دراسة أصدرها معهد أرافا بالتعاون مع بعض المنظمات الإسرائيلية والفلسطينية في شهر ديسمبر/كانون الأول تحت عنوان مراقبة مجاري المياه الفلسطينية-الإسرائيلية أن quot;معظم المياه العابرة للحدود في المنطقة تعاني من تلوث واسع النطاق ناتج عن مصادر فلسطينية [خصوصاً مياه الصرف الصحي] بالإضافة إلى عدد من المصادر من داخل إسرائيلquot;.

وفي بعض الأحيان، تصب مياه الصرف الإسرائيلية في المدن الفلسطينية الواقعة في اتجاه مجاري الأودية، فهناك 10 مجاري للمياه على الأقل عابرة للحدود في المنطقة، وتنساب في الاتجاهين. كما يمكن لمياه الصرف غير المعالَجة الصادرة من الضفة الغربية أن تمر عبر إسرائيل لتصب في غزة ومن ثم في البحر.

ولا يتسبب التلوث في تدمير الأنهار والنظام البيئي المرتبط بها فحسب وإنما يتعدى ذلك ليصل إلى المياه الجوفية ويضر بمصادر مياه الشرب. كما يوفر بيئة مساعدة لتكاثر البعوض وغيره من الحشرات التي تؤدي إلى انتشار أمراض مثل حمى غرب النيل.

وبعد أن قضى الباحثون ثلاث سنوات تقريباً في دراسة محتويات حوضي الخليل وزمار توصلوا إلى أن quot;النتائج تؤكد على ضرورة التعاون في مجال إدارة مصادر المياهquot;.

عرقلة التعاون

وبالرغم من توفر بعض الأمثلة على التعاون الإسرائيلي الفلسطيني، إلا أن الوضع الأمني والسياسي في المنطقة أثر سلباً على إمكانية التعاون الحقيقي.

ويقول الخبراء في المجال، أمثال غيرشن باسكن من المركز الإسرائيلي الفلسطيني للأبحاث والمعلومات ونادر الخطيب من المنظمة الفلسطينية لتطوير المياه والبيئة، أن المشكلة تكمن في إصرار الحكومة الإسرائيلية على أن تشمل خدمات محطات معالجة المياه في الضفة الغربية المستوطنات الإسرائيلية هناك.

غير أن الفلسطينيين رفضوا السماح بربط محطات معالجة المياه بالمستوطنات الإسرائيلية مخافة أن يعطي ذلك شرعية لهذه المستوطنات التي يعتبرها القانون الدولي مستوطنات غير شرعية.

كما يتفق الخبيران على تساؤل مهم وهو quot;لماذا لم تقم إسرائيل ببناء مراكز معالجة للمياهquot; في الضفة الغربية طيلة الثلاثين عاماً من الاحتلال الإسرائيلي عام 1967 إلى تاريخ اتفاقيات أوسلو التي وُلدت على يديها السلطة الفلسطينية؟

ويرى الخطيب أن هذا الوضع يؤثر بشكل متساو على الطرفين إما سلباً أو إيجابا. ولذلك فهو يقترح أن يقوم الطرفان بتشكيل مجموعات عمل للتركيز على حل المشكلة بدل الإصرار على التباعد والتنافر.

الحواجز تخرب البيئة؟

ويقول جميل مطور، نائب رئيس سلطة جودة البيئة التابعة للسلطة الفلسطينية، أنه بالإضافة إلى رفض إسرائيل السماح للفلسطينيين ببناء مراكز لمعالجة مياه الصرف فهي تتسبب أيضاً في إلحاق أضرار كبيرة بالبيئة نتيجة نظام الحواجز ونقاط التفتيش.

وشرح ذلك بقوله: quot;لا يستطيع الموظفون في السلطة التنقل بحرية، كما أنهم لا يستطيعون زيارة المنطقة ج [التي تقع تحت السيطرة الكاملة لإسرائيل] للكشف عن المشاكل والتبليغ عنهاquot;، مضيفاً أن الحواجز الإسرائيلية تشكل quot;تهديداً استراتيجياً للتوازن البيئي في المنطقة وتعيق الدورات الطبيعة للحياةquot;. كما أكد أن quot;تلوث مياه مجرى وادي الخليل يشكل خطراً كبيراً على الجميع فلسطينيين وإسرائيليينquot;.

من جهتها، امتنعت الإدارة المدنية الإسرائيلية في الضفة الغربية عن الإجابة على الاستفسارات المتعلقة بالتصاريح.

الإضرار بالمياه الجوفية

وتتولى محطات المعالجة الإسرائيلية معالجة مياه الصرف الصحي التي تجري من الضفة الغربية نحو إسرائيل، ولكن بعد أن تكون قد أضرت بالمياه الجوفية. وتفرض إسرائيل رسوماً على السلطة الفلسطينية مقابل هذه الخدمة إلا أن المياه المعالَجة تبقى في إسرائيل حارمة الفلسطينيين من القدرة على إعادة استعمال المياه في زراعتهم.

وفي هذا الإطار، قال ليور أساف، وهو عالم مائي إسرائيلي وأحد الباحثين المشاركين في الدراسة، أنه من الأفضل أن يتولى الفلسطينيون أنفسهم معالجة مياه الصرف الخاصة بهم، وهو ما سيمكنهم من التعامل مع التلوث في بدايته، وإعادة استعمال المياه المعالجة.

ويأمل مطور وغيره من الناشطين في مجال البيئة أن يساهم مبلغ 7.5 مليار دولار الذي تعهد به المشاركون في مؤتمر باريس للمانحين في تحريك المشاريع الراكدة مثل تلك التي تم توقيفها بعد انتخاب حماس. ولكنهم يصرون على أن الحل الحقيقي يتطلب تغييراً في بعض السياسات الإسرائيلية أيضاً.

وفي الوقت الذي قد يستغرق به مشروع بناء مراكز المعالجة الذي تموله ألمانيا سنوات عديدة، تخطط إسرائيل لبناء ما تقول أنه سيكون أكبر محمية طبيعية ومنطقة عامة خالية من التلوث في الشرق الأوسط في ملتقى أودية الخليل وبئر السبع في محاولة منها لتخفيف الأضرار التي يعاني منها المجريان.

المصدر: شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين)