عراك متكرر على صورة أوقع جرحى وخسائر
خوف على الأمن في بيروت المسدودة الأفق
إيلي الحاج من بيروت:
عكس عراك متكرر حال الإحتقان الذي يعيشه الشارع اللبناني، خصوصا المختلط مذهبياَ في بيروت في ضوء انسداد أفق الحلول السياسية للأزمة المتمحورة على رئاسة الجمهورية ونسبة المشاركة في السلطة من خلال التشكيلة الوزارية العتيدة. وأثار مخاوف من تجدد المواجهات الشعبية التي عرفتها العاصمة اللبنانية ومناطق أخرى في 23 و25 من كانون الثاني/ يناير 2007.
وعاد الهدوء اليوم إلى البسطا الفوقا في بيروت بعد ليلتين شهدت فيهما هذه المحلة مواجهات بالحجارة والعصي وتخللها إطلاق نار أدى إلى جرح 7 أشخاص، بسبب إحراق أنصار لحركة quot;أملquot; وquot;حزب اللهquot; صورة كبيرة للرئيس الراحل رفيق الحريري ونجله رئيس كتلة quot;المستقبلquot; النائب سعد الحريري، ما اضطر وحدات الجيش إلى التدخل بقوة لضبط الوضع.
وكان أنصار الحركة والحزب مزقوا الصورة وأشعلوا النار فيها ليلة رأس السنة، وعلى الأثر واجههم أنصار quot;تيار المستقبلquot; واستخدم الفريقان العصي والحجارة، لكن مسؤولين من الجانبين طوقوا الموقف وحالوا دون انفجاره . إلا أن الخلاف تجدد في اليوم التالي، ليل الثلاثاء، خصوصاً في شارع المأمون اثر إعادة تعليق الصورة، وسرعان ما امتدت عملية التضارب الى الشوارع المجاورة حيث نزلت وحدات من الجيش اللبناني وعملت على الفصل بين المشتبكين . وذكر أنصار لحركة quot;أملquot; انهم يرفضون رفع أيّ صورة للنائب سعد الحريري quot;في مناطقهمquot; واضطر جنود الجيش إلى إطلاق نار في الهواء لتفريق الشبان المتخاصمين المتجمعين. وتوسع العراك الذي استخدمت فيه العصي والحجارة والسكاكين في شوارع البسطة وأزقتها وصولاً الى المنطقة المحيطة بها في الباشورة وبرج أبي حيدر.
وقالت مصادر quot;المستقبلquot; ان شباباً من حركة quot;أملquot; وquot;حزب اللهquot; أتوا من منطقة خندق الغميق لمساعدة رفاقهم . وتضاربت المعلومات عن عدد المصابين . وفي نهاية الأمر فرّق الجيش الشبان الذين كانوا انقسموا مجموعتين وفرض طوقاً أمنياً على شارع المأمون وأقفل مداخله، وأخلى الشوارع من الناس. واستقدمت فرقة من المغاوير لتعزيز الجيش في المنطقة.
ولكن ما إن ساد الهدوء حتى عاد الشبان ملثمين ومزقوا صورة الحريري. وكما حصل في المرة السابقة عاد أنصاره ورفعوا صورة مماثلة في المكان نفسه. وتردد أن 7 جرحى سقطوا نتيجة العراك، وان أحدهم اصيب بالرصاص في رجله لكن ذلك لم يتأكد .وسجلت اضرار مادية نتيجة تحطيم بعض السيارات والمتاجر. ودهم الجيش بعض المنازل بحثاً عن مطلوبين، وجرت اتصالات بين قيادات الفريقين لضبط الوضع .
وصرحت مصادر في quot;تيار المستقبلquot; انها مستعدة لنزع الصور من جميع المناطق اذا التزمت المعارضة نزع صور قادتها كذلك، معتبرة أن الأمر يتجاوز الخلاف على صورة، وأنها محاولة فاشلة لتفجير فتنة عشية الاجتماع المقرر لوزراء الخارجية العرب لبحث الوضع في لبنان. ونقلت قناة quot;أخبار المستقبلquot; عن مصادر نيابية في قوى 14 آذار قولها ان معلومات توافرت لديها منذ أيام عن نية بعض أطراف المعارضة تفجير الوضع أمنياً، مشيرة الى ان حلفاء سوريا كانوا يعدون للرد على الموقف الفرنسي ـ المصري الذي اتهم دمشق بإفشال التوافق على رئيس في لبنان، وإلى مسؤوليتها عن اغتيال الرئيس الحريري.
أما حركة quot;املquot; فنفت قطعيا في بيان اي علاقة لها بالعراك في البسطة. واكدت ان التعاطي الاعلامي مع الحادث بالصورة التي حصل فيها لا يخدم احدا ولا يصب في مصلحة البلاد، وحملت على قناة quot;المستقبلquot; معتبرة أنها أذاعت الخبر في شكل مضلل يجافي الحقيقة والواقع.
خوف مستقبلي
ويخشى متابعون للوضع الداخلي اللبناني ان يؤدي الجمود السياسي وحال المراوحة الى محاولة أطراف معينين ملء الفراغ عبر سعي المعارضة الى تصعيد ضغوطها على الحكومة والأكثرية من خلال تحريك مطالب شعبية او عمالية او ما شابه،
كذلك يخشون أن يعود الى الواجهة سيناريو الإغتيالات وافتعال حوادث أمنية واضطرابات تزعزع الإستقرار الأمني الهش.
جدير بالذكر أن الوضع الأمني في لبنان لامس مراراً نقطة الانفجار العام الماضي لكنه لم ينفجر، ووصل إلى حافة الفتنة من دون ان يسقط فيها. فإثر اعتصام قوى 8 آذار/ مارس المؤيدة لسورية في وسط بيروت وتحديدا على مداخل مقر رئاسة الحكومة في السرايا، جنح الوضع في اتجاه quot;مواجهاتquot; واحتكاكات عديدة في الشارع، وما لبث التوتر ان تجدد مع تجدد مسلسل الاغتيالات التي طالت شخصيات موالية من دون ردود فعل في الشارع.
وأثبتت التطورات والأحداث ان الوضع في لبنان، الذي تتوافر فيه كل عناصر الأزمة المتفجرة، وتتوافر فيquot;شارعهquot; كل عوامل التعبئة والشحن والتوترات السياسية والمذهبية، لم ينزلق الى quot;الحرب الأهليةquot;، وان احتمالات التوافق السياسي تقدمت نهاية المطاف على احتمالات التصادم والتواجه الأمني، وأن رجحان كفة quot;التهدئة والضبطquot; يعود الى جملة أسباب أبرزها عدم وجود قرار اقليمي ودولي بتفجير لبنان، أقله حتى اليوم. وذلك رغم الشكوك الكبيرة في أن يكون بعض الخارج المؤثر في لبنان يريد فعلاً حل الأزمة السياسية في هذه البلاد.
وتبرز في السياق المساعي الايرانية- السعودية لإدارة الملف اللبناني وضبطه وملء الفراغ الذي خلفته سورية على هذا الصعيد. وهذه المساعي لم تنتج حلا للأزمة لكنها نجحت في احتوائها ومنع انفجارها، وفي الحؤول بالتالي دون تكرار النموذج العراقي على الأرض اللبنانية بعد اتضاح مساوئ هذه التجربة على الطرفين السني والشيعي في العراق. ويمكن القول ان ايران لم ترد لشيعة لبنان ان يصيبهم ما أصاب شيعة العراق الذين لم يستتب الوضع لهم ولم يتمكنوا من السيطرة رغم قوتهم العددية والسياسية بعد سقوط نظام صدام حسين . كما أن المملكة العربية السعودية ترفض أن يلحق بالسُنة في لبنان ما أصاب سُنة العراق من تراجع وضمور تحت وطأة الاندفاعة الشيعية المدعومة من ايران.