التلفزيون كرّس نجوميَّة بن لادنعالميًّا
قناة quot;العربيًّةquot;... مقاربة إخباريَّة أكثر إتّزانًا

عبد الرحمن الراشد، 52 عامًا، مدير تلفزيون quot;العربيةquot;، في غرفة الأخبار
التابعة للمحطة في دبي في 27 كانون الأول2007. النيويورك تايمز

روبرت ف. فورث*- دبي: مضت أربع سنوات منذ أن انطلق عبد الرحمن الراشد في مهمته لشفاء التلفزيون العربي من ميله إلى السياسة المتطرفة والعنف. ولن تكن هذه المهمة سهلة يومًا. لكن بصفته مدير إحدى المحطات التلفزيونية الفضائية الرائدة في الشرق الأوسط، يعتقد الراشد أنه غيّر مجريات الأمور في المجال الإخباري. وقال هذا الرجل اللطيف والعذب الكلام، البالغ من العمر 52 عامًا، وهو جالس في مكتبه في المبنى المعاصر التصميم لقناة quot;العربيةquot; التي تعتبر من أهم الشبكات الإخبارية في دبي: quot;عليكم أن تتذكروا أن التلفزيون هو الذي حوّل بن لادن إلى نجم عالمي، والذي ساهم في تكريس صورة تنظيم quot;القاعدةquot; وجلب له الكثير من العناصر، وهذه هي بالضبط الطريقة التي ينتشر فيها العنف في المنطقةquot;.

لا يلقي الراشد هذه التهم مباشرةً على قناة quot;الجزيرةquot;، المنافسة الأبرز لمحطته الفضائية، لكن الأفكار التي كانت في ذهنه كانت واضحة بما فيه الكفاية. ففي نهاية المطاف، إن قناة quot;الجزيرةquot; هي التي مكنت الراشد من ترأس quot;العربيةquot; القائم مقرّها المؤلف من خمس طوابق في مدينة دبي للإعلام والذي يطلّ على بحيرة صناعية كبيرة محاطة بمجموعة من شجر النخيل.

عندما بدأ الراشد مسيرته سنة 2004، كانت قناة quot;الجزيرةquot; محط اشمئزاز وإعجاب في آن لموافقتها على عرض شرائط مصورة لأسامة بن لادن، ولتعاطفها إزاء المتمردين العراقيين، وعرضها مشاهد عنيفة للغاية عن ضحايا الحرب العراقيين. وطُلب من الراشد الانضمام إلى فريق عمل quot;العربيةquot; لمنافسة quot;الجزيرةquot; ولوضع النشاط الإعلامي في المنطقة على مسار جديد، بحيث كان من الواضح أن الراشد هو الرجل الأمثل للوظيفة.

ولد الراشد في المملكة العربية السعودية وعاش 17 عامًا في لندن حيث سار بخطى ثابتة في المجتمع الإعلامي العربي المغترب في العاصمة البريطانية، وتبوَّأ عددًا كبيرًا من المناصب، وصولاً إلى منصب رئيس التحرير في جريدة quot;الشرق الأوسطquot; السعودية المرموقة. وعُرف الراشد لنقده اللاذع للتطرف الديني والعقيدة الجهادية.

وهو حظي بسمعة الناقد المتحمّس للعقيدة الجهاديّة، وبعد فترة وجيزة من انضمامه إلى quot;العربيةquot;، أثار الراشد موجة من الغضب والامتنان في الدول الإسلامية عندما كتب في إحدى مقالاته في جريدة quot;الشرق الأوسطquot;: quot;قطعًا ليس كلّ المسلمين إرهابيين لكن بكل أسى نقول إنّ غالبية الإرهابيين في العالم مسلمونquot;. وبعد مرور أكثر من ثلاث سنوات، لا تزال قناة quot;الجزيرةquot; الشبكة الإخبارية الأقوى في العالم العربي. لكن يرى الراشد أنه فاز بالمعركة الأهم لأن quot;الجزيرةquot; لم تعد كما كانت عليه والقواعد تغيّرت.

ويقول الراشد إن السبب الأكبر وراء هذا التغيير هو أن quot;العربيةquot; أعطت المثل واستبدلت التعابير القديمة والمشحونة بأخرى أكثر حيادًا، مقدمةً للمشاهدين مجموعة أوسع من الآراء لإيجاد توازن في وجهات النظر المعروضة. وبدأت المحطات التلفزيونية الأخرى، بما فيها quot;الجزيرةquot;، في اتباع خطى quot;العربيةquot;. ويعدد الراشد في هذا الصدد سلسلة التغييرات التي أتى بها لا سيما تسمية المتمردين في العراق quot;بالمسلّحينquot; بدلاً من عناصر quot;المقاومةquot;، أما العراقيين الذين يقتلون على يد الأميركيين، فلم يعودوا يُمسون quot;شهداءquot;، بل quot;ضحايا مدنيينquot;.

وأضاف الراشد: quot;قبل ثلاث سنوات، كانت معظم المحطات التلفزيونية، أضف إليها الجرائد والمواقع الإلكترونية، تتخذ موقفًا موحدًا من مجمل القضايا، إذ كانت تدعم المقاومة في العراق. وبالنسبة إلى تنظيم quot;القاعدةquot;، فكان مقبولاً في وسائل الإعلام إن لم نقل مدعومًا منها، وكانت هذه الوسائل تدافع عن التنظيم إلى حد كبيرquot;.

مضت 4 سنوات منذ أن انطلق الراشد في مهمته لشفاء التلفزيون العربي
من ميله إلى السياسة المتطرفة والعنف. ولم تكن هذه المهمة سهلة يوماً.
لكن بصفته مدير فضائية العربيَّة، يعتقد الراشدأنه غيّر مجريات الأمور
في المجال الإخباري. النيويورك تايمز.
أما اليوم، فلم يعد هذا الواقع قائمًا. ويقول الراشد راسمًا نظرة ساخرة بعينيه إنه quot;بات quot;لقناة quot;الجزيرةquot; اليوم موقف معتدل ومنطقي إزاء العراقيينquot;. إلاّ أنّ هناك أسبابًا أخرى وراء هذا التغيير نذكر منها المجازر الآثمة التي نفذها الإرهابيون، والتطور الذي شهدته السياسات الداخلية لقناة quot;الجزيرةquot;. غير أن بعض المحللين الإعلاميين يقرّون بأنه كان quot;للعربيةquot; دور في التغيير الحاصل. وأكد الراشد أن سياسة quot;العربيةquot; كانت ولا تزال ترمي إلى إفساح المجال أمام فهم وجهة النظر الأخرى، مضيفًا أن quot;الإعلام العربي أدرك اليوم أنه يتعين التعبير عن الرأي والرأي المضاد، وهذا تقدم هائل في المجال الإعلاميquot;. وتماشيًا مع هذا النهج، بذلت المحطة جهودًا حثيثة لإلقاء الضوء على الخسائر البشرية الكبيرة التي يتسبب بها الإرهاب والعنف السياسي. ومن أبرز البرامج التي تعرضها quot;العربيةquot; اليوم برنامج quot;صناعة الموتquot; الذي يتناول مسائل ذات صلة بالإرهاب، مع الإشارة إلى أن مقدمة البرنامج، ريمة صالحة، قد تلقت تهديدات بالقتل من مجاهدين اعتقدوا أنها أساءت إليهم.

ويقرّ الراشد بأنه واجه موجة من الإنتقادات في بداية مسيرته. إذ رأى بعض المراسلين توجهاته على أنها بمثابة تخل عن المفاهيم التي أجمع عليه العرب، مع الإشارة إلى أن نسبة قليلة من هؤلاء المراسلين استقالوا ردًا على مواقف الراشد. وفي الوقت عينه، صدرت انتقادات لاذعة عن محللين من خارج المحطة وصفوا quot;العربيةquot; بأنها أداة أميركية، حتى وأن بعضهم نعتها quot;بالعبريةquot;، واتهموها بالإنحياز إلى أميركا أكثر من قناة quot;الحرّةquot; الممولة من الولايات المتحدة والمرفوضة في العالم العربي باعتبارها قناة تسويقية للفكر الأميركي. ويقول الراشد إن quot;الحملة التي استهدفت quot;العربيةquot; بثت الذعر بين صفوف المسؤولين عن المحطةquot;.

لكن الأمور باتت اليوم أسهل بقليل مما مضى، quot;فالعربيةquot; أوجدت لنفسها مكانة مهمة في العالم العربي، واللون الأزرق الفاتح الذي اتّبعته على شاشاتها وفي الموقع الالكتروني الخاص بها -والذي يتناقض مع اللون الأحمر الخاص بالجزيرة، هو مألوف في الشرق الأوسط. وتشير استطلاعات الرأي إلى أن quot;العربيةquot; تتصدر السوق في المملكة العربية السعودية وأنها تميزت بأداء جيد في الخليج العربي عامةً، على الرغم من قلة شعبيتها في مصر والأردن والأراضي الفلسطينية وسورية.

ومن أكثر الاتهامات قسوةً توجه إلى quot;العربيةquot; انتقاد المحطة لتوجهاتها المنحازة للمملكة العربية السعودية. إن الشركة الأم التي تتبع لها quot;العربيةquot; هي quot;مركز تلفزيون الشرق الأوسطquot; السعودي، ويرى الحكام السعوديون هذا المركز على أنه أداة لتسويق توجهاتهم. وتنازع هؤلاء مؤخرًا مع حكام دولة قطر الذين سمحوا، حتى الآونة الأخيرة، لقناة quot;الجزيرةquot; القائمة هناك، بعرض انتقادات شرسة للمملكة العربية السعودية على شاشاتها.

ويسلًم الراشد بأنه عليه التكيّف مع الضغوط السياسية، علمًا أنه لا يحبّذ التطرق إلى هذا الموضوع. وفي السنة الماضية، أطلقت quot;العربيةquot; حملة تسويقية واسعة النطاق لسلسلة تلفزيونية تناولت حياة الملك عبدالله بن عبدالعزيز. واتضح أن الحلقة الأولى من السلسلة المذكورة أغضبت أفراد العائلة المالكة، ما أدى إلى إلغاء الحلقات الأخرى بصورة مفاجئة. واقتصر تعليق الراشد على الحادثة بالتالي: quot;حصل خلاف داخلي بشأن البرنامج، ونتمنى إعادة عرضه في المستقبلquot;. إلا أن بعض أفراد طاقم عمل quot;العربيةquot; أفادوا أن البرنامج ألغي بناءً على أمر مباشر من العائلة الحاكمة في السعودية. إن التعاطي مع هذا النوع من الضغوط له ثمنه. وقال الراشد في هذا الصدد: quot;إما سأطرد ndash; كوني أعترض طريق الكثيرين ndash; إمّا أغادر بنفسي. لقد تعبتquot;.

أمّا ندم الراشد الأكبر فهو أنه لم يدرب عددًا أكبر من الصحافيين الشبان. في الحقيقة، استخدمت هيئة الإذاعة البريطانية، التي هي في صدد إعادة إطلاق محطتها التلفزيونية باللغة العربية 25 فردًا من صحافيي quot;العربيةquot; المخضرمين الذين سيصعب استبدالهم نظرًا للخبرة التي يتمتعون بها. لكنه على ثقة بأن قناة quot;العربيةquot; ستتابع نهجها الحالي من دونه وأن حملته التي رمت إلى ضخ روح معاصرة في الخطاب العربي السياسي لم تذهب سدًا.

وقال: quot;الأمر لا يتعلق بي، بل بالفكرة القائلة إنه ينبغي عدم محاولة تغيير المنحى السياسي بصورة مباشرة، بل يتعين تغيير الوسائل الإعلامية نحو الأفضل. وأعتقد أن هذا المنحى كفيل بتحسين معالم العالم العربيquot;.