الرئيس العام: ندرس تصنيف الإختلاط إلى مباح ومحرم
عمليات تدليك لأطراف جهاز الهيئة الخشن في السعودية

إيلاف من الرياض: حملت الصحف السعودية، يوم السبت، تصريحًا جديدًا ومثيرًا للرئيس العام لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إبراهيم الغيث، والذي تعرضت مؤسسته لإنتقادات حادة واسعة تتزايد يومًا بعد آخر، بسبب ما يمكن وصفه بالعلاقة المتوترة بين رجال الهيئة أو من تسميهم المصادر الغربية بالشرطة الدينية، وبين النساء في مختلف مناطق المملكة.

وبلغت تلك الانتقادات أوجها، بعد حدوث حالتي وفاة على أيدي رجال الهيئة الأولى كانت في مدنية تبوك شمال السعودية، بينما كانت الثانية في الرياض، إضافة إلى حوادث متعددة. التصريح الذي اطلقه الرئيس العام لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يدور حول دراسة تقوم بها الهيئة مع جهات أخرى عن قضية الاختلاط بين الرجل والمرأة بهدف تصنيف الاختلاط إلى اختلاط مباح واختلاط محرم.

هذا الجانب وبعيدًا عن التصنيفات والأمثلة التي ضربها الشيخ في معرض حديثه يكفر للإشارة إلى أن خطا جديدًا يتحرك داخل ذلك الجسم المحافظ ، وبعيدًا عن مدى القناعة الداخلية بهذا الحس الجديد، إلا أن ما لا يمكن توقعه هو أن تظل الهيئة تدير كل قضاياها وأفكارها وتعاملها مع الناس بذات الطريقة القديمة التي كانت عليها.

المشكلة الأبرز في هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في السعودية أنه تشتغل في منطقة المختلف فيه، والمتنوع والمتعدد ذلك أن القضايا التي تثير غضب الناس على الهيئة هو استيقافهم النساء خاصة لمؤاخذتهن على أنماط تدخل في دائرة الحرية الشخصية في الوقت الذي لا تمثل فيه أي خدش للحياء ولا للذوق العام كمسائل كشف الوجه أو نوع العباءة ونوع غطاء الوجه وغيرها، وهي ما تجعل الكثيرين ينظرون إلى عمل الهيئة على أنه نوع من التدخل السافر وغير المنطقي في الحركة اليومية للناس ومحاولة توجيهها كما يراها رجال الهيئة .

ينطلق عمل الهيئة في الميدان من مواقف فكرية وفقهية كلها تقع غالبًا في خانة المختلف فيه، وتدر حول الشكل العام لحركة النساء من لبس وتصرف وحجاب وغيرها، وهي ما جعلت الهيئة خصمًا لكثير من تعرضوا لمواقف معها ، ومع ازدياد حركة المواجهات الفكرية بين المحافظيين والأصوليين وبين أصحاب التحديثية في السعودية ، تحولت الهيئة ndash; نظريا على الأقل ndash; وعبر كتابات ونقاشات الأصوليين إلى شيء أشبه بالجناح الميداني للمحافظيين الأصوليين ، وكانت أكثر الإشكالات النظرية التي تقع على الهيئة تأتي من فئة المدافعين عنها ممن حولوها إلى علامة على قوتهم واستمرار تأثيرهم وسطوتهم في الشارع السعودي، وهو ما دفعت الهيئة ثمنه إعلاميًا على الأقل .

قبل أشهر من الآن كشفت صحيفة الجزيرة السعودية عن قرار جديد صادر من وزارة الداخلية بتفعيل وتقنين بعض الأنظمة والضوابط الجديدة لعمل الهيئة كالمنع من المطاردة، ومنع رجال الهيئة من تفتيش الهواتف المحمولة، أو القبض أو الاعتقال فضلاً عن التوقيف والاقتياد إلى المراكز ، وجاء القرار بعد عدة حوادث ارتكبها أعضاء من الهيئة ونشرتها الصحف وحصدت ردود فعل غاضبة متنوعة .

يحوم التصريح الأخير للرئيس العام للهيئة حول اخطر المناطق وأكثرها إرباكًا لعمل الهيئة ولعلاقة الناس بهذا الجهاز الخشن ، ذلك أن قضايا كالاختلاط والسفور والحشمة والتبرج والفتنة ، كلها تعابير تم التواطؤ عليها دون أن تكون مستندة إلى أي موقف علمي أو بحثي ، بل أصبحت الهيئة تمثل انعكاسا للثقافة التقليدية الشعبية في أضيق صورها ،

يقول الرئيس الغيث في تصريح نشرته صحيفة الحياة يوم السبت ( الاختلاط لا يقصد به اجتماع الرجل والمرأة في أي مكان فالرجال والنساء يطوفون حول الكعبة ويسعون في المسعى ويرمون الجمرات مع بعضهم بعضًا إلى قيام الساعة فهذا اختلاط مباح، بل يقصد به أن يجتمع النساء وهن كاشفات مع الرجال في أماكن محددة ويتخلل هذا الاختلاط كلام معسول وممنوع شرعًا).

هذا التصريح يبدو أنه يزيد الأمر تعقيدًا أكثر من كونه يمنحه انفراجًا، فمآخذ الشيخ تدور حول عدة نقاط هي التي تحول الاختلاط إلى محرم شرعًا، أولها : وهن كاشفات ، وهي مسألة خلافية إذا كان المقصود بالكشف كشف الوجه ، بل هي من أشد المسائل إثارة للاختلاف وفي مختلف الأوساط . المأخذ الثاني : في أماكن محددة ، وهي جملة عامة وفضفاضة ولا تؤدي إلى تحديد نوع هذه الأماكن ، وهي تشمل أماكن العمل أم ،ها خاصة بأماكن الترفيه . المأخذ الثالث : أن يتخلل هذا الاختلاط كلام معسول وممنوع شرعا . ومع أنه لا يمكن إيجاد قاموس بالكلام المعسول وبالكلام غير المعسول، وما المحرم منه وما المباح، إلا أن كل الإشارات تدل على حالات استجابة داخلية وجدت الهيئة نفسها مطالبة بالوفاء بها .

بالتأكيد أنه ووفق التقسيم السابق فإن أماكن العمل إذا ما اجتمع فيها الرجال والنساء فلن تؤدي إلى اختلاط محرم شرعا ، وعمل المرأة في محلات بيع الملابس النسائية ( المشروع المثير للجدل الذي تم إجهاضه ) ليس من الاختلاط المحرم، وقيادة المرأة للسيارة أيضًا لا تؤدي إلى محظور، وهي كلها مظاهر تم خنقها في الشارع السعودي ذي الحركة اليومية غير الطبيعية والمقتصرة على الرجال بسبب أفكار ومخاوف وقوع في محرمات من أبرزها الاختلاط.

يبدو أن الهيئة تدرك جديا أنها باتت أكثر المؤسسات إمدادا لمنتقديها بمواد وقضايا للنقد تحظى بمتابعة وإثارة لا يمكن إسكاتها إلا عن طريق إعادة تعريف كل المقومات التي توجه عمل أفرادها في الميدان ، فلا أحد ينتقد الهيئة حين تقوم بعمل جليل أو تمنع جريمة أو تسهم في القبض على مطلوبين ولكن طرد فتاة من السوق أو استيقافها أو المطاردات والاعتقال من دون سند قانوني، ومن دون سند فقهي أصيل هو ما يمكن أن يضاعف ذلك التوتر بين الهيئة والناس، وهو ما لا يمكن تخفيفه إلا بإعادة تعريف تلك العناوين الفقهية وجعلها أكثر توافقية.