اسطنبول: بعد عام من قتل المؤلف الأرمني التركي هرانت دينك بالرصاص تشعر طائفة الأرمن في تركيا بأنها ممزقة بين الأمل في أيام أفضل في الدولة المرشحة لعضوية الاتحاد الأوروبي والهجرة إلى الخارج بدافع مشاعر الاحباط والخوف من التعرض لمزيد من الهجمات.

واغتيال دينك بواسطة مسلح قومي متشدد خارج مكتبه في اسطنبول يوم 19 يناير كانون الثاني عام 2007 أصاب تركيا بصدمة وتحولت جنازته إلى احتجاج حاشد ضد العنف لأسباب قومية.

لكن المزاج السائد بين الأرمن في اسطنبول مازال متباينا مع اقتراب الذكرى السنوية رغم تعهدات بالتضامن ووعود من الحكومة بالتصدي لعدم التسامح.

وقال ايتين ماكوبيان الذي خلف دينك في منصب رئيس تحرير اجوس وهي صحيفة أسبوعية صغيرة تصدر باللغتين الأرمينية والتركية في اسطنبول quot;معظم الأرمن يترددون في الخروج وتقديم أنفسهم ... هذا الوقت ليس وقت الآمال الكبيرة وإنما مازال وقت الخطر.quot;

ويرى متفائلون أن العنف ضد المسيحيين بلغ آخر المراحل لقومية تشعر بالخطر نتيجة للعولمة وزيادة الرفاهية في تركيا والعلاقات الأوثق مع أوروبا.

وقبل اغتياله تلقى دينك تهديدات عديدة بالقتل بسبب مقالاته التي حث فيها تركيا على قبول المسؤولية عن دورها في أعمال القتل الجماعية ضد الأرمن على يد الأتراك العثمانيين والأكراد في عام 1915.

كما تسببت كتاباته في صدور حكم ضده بالسجن لمدة ستة أشهر مع ايقاف التنفيذ بموجب قانون جرم إهانة الهوية التركية. وفشلت أنقرة في إصلاح أو إلغاء قانون ندد به الاتحاد الأوروبي ووصفه بأنه عقبة أمام حرية التعبير.

وعلى مسافة ليست بعيدة من مكتب صحيفة اجوس يجتمع الأرمن في مقهى صغير لتناول الشاي في زقاق كان في وقت من الأوقات من أهم أحياء الأرمن الرئيسية في المدينة. ويوجد في تركيا الآن نحو 60 ألف أرمني وهو ما يقل بكثير عن عددهم في العهد العثماني.

وقال صاحب المقهى الذي طلب عدم نشر اسمه انه شعر بالرعب عندما علم أن قاتل دينك كان عاطلا عمره 17 عاما أراد أن يصبح بطلا قوميا. وهذا الشاب والمتواطئون معه رهن المحاكمة الآن.

وقال quot;كان هذا الحادث بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير. لقد شاهدت أحلك الأيام سوادا في هذا البلد ... انقلابات عسكرية وأزمات اقتصادية وزلازل. ولم أفكر يوما في مغادرة البلد. لكن الوضع الآن بالغ الصعوبة وسوف أهاجر إذا أمكنني ذلك.quot;

واغتيال دينك كان حادثا في سلسلة هجمات عنيفة على العدد الصغير من السكان المسيحيين في تركيا الذين يضمون أيضا الكاثوليك والبروتستانت والروم الأرثوذكس.

وفي ابريل نيسان الماضي تعرض ثلاثة مسيحيين وهم تركيان والماني للذبح في دار لنشر الانجيل في بلدة مالاتيا الشرقية. وتعرض كثير من رجال الدين للهجوم في كنيسة في ازمير.

وينظر القوميون المتشددون الاتراك الى المسيحيين في بعض الاحيان على انهم مصدر تهديد للأمن القومي والوحدة وانهم عملاء للقوى الاوروبية التي تريد تخريب السيادة الوطنية لتركيا وقيمها الدينية.

والاشتباه في تورط اعضاء من قوات الامن في اغتيال دينك سلط الضوء ايضا الدور المستمر للقوميين المتشددين في أجهزة الدولة في تركيا الذين لديهم الاستعداد لتخريب القانون لأهداف سياسية.

وقال صاحب المقهى إن رأي القوميين في المسيحيين على انهم اعداء محتملين أدى الى تصاعد العنف ضد الاهداف الدينية وهو ما يخنق طائفته الآن.

وقال quot;لا يمكنني ان اتنفس في هذا البلد والجميع يعاملوننا على اننا اعداء.quot;

غير انه بالنسبة للمتفائلين فان هجمات عام 2007 كانت بمثابة موت قومية تعتبر بدرجة متزايدة من الاشياء القديمة نتيجة للعولمة والرفاهية المتزايدة في تركيا وجهود الحكومة للانضمام الى الاتحاد الاوروبي.

وقال ماكوبيان رئيس تحرير صحيفة ايتين quot;ما نراه على السطح هو اعمال قومية لكن السبب في حدوث ذلك هو ان مشاعر القومية تضعف في تركيا من حيث السيطرة على السياسة وهذا هو السبب في ان عام 2007 كان حاسما.quot;

ويقول علماء الاجتماع ان التغيرات الاجتماعية والاقتصادية والسكانية عززت قبول الشعارات القومية البسيطة بين شريحة ضخمة من غير المتعلمين في الشباب التركي الذي يبحث بشغف عن هوية.

وقال فؤاد كيمان الاستاذ بجامعة كوك في اسطنبول quot;تركيا تمر بفترة تغير شديد.quot;

وقال quot;الانفصاليون الاكراد يمثلون خطرا على جنوب شرق البلاد والاتحاد الاوروبي يمارس ضغوطا على فكرة القومية التركية. هذه الهجمات القومية هي رد فعل انتفاضي.quot;

وقال ماكوبيان بالنسبة للارمن السؤال الرئيسي هو ما اذا كان حزب العدالة والتنمية الحاكم يمكنه تنفيذ وعوده بالاصلاح في مجالات مثل حقوق الاقليات وحرية التعبير.

وقال quot;من السهل ان تنتابك الشكوك لكن يجب ان نضع آمالنا في حزب العدالة والتنمية لنرى ما هي نوايا الحكومة وما إذا كانت مستعدة للتغيير.quot;