10 آلاف زائر عربي والكربلائيون يفضلونهم على الإيرانيين
مليونا عراقي أحيوا عاشوراء في أجواء معارك الجنوب

أسامة مهدي من لندن: خيمت أجواء المعارك التي شهدتها مدينتا البصرة والناصرية العراقيتان الجنوبيتان بين جماعات شيعية تدّعي انتسابها إلى الإمام المهدي والقوات العراقية ومحاولة اغتيال مستشار الأمن القومي موفق الربيعي على أجواء مراسم عاشوراء التي أحياها اليوم في مدينة كربلاء مليونا عراقي ومعهم حوالى 10 آلاف زائر من دول خليجية حيث شددت السلطات إجراءاتها الأمنية ونشرت قوات إضافية حول المدينة وعلى طول الطريق الرابط بينها وبين العاصمة والبالغ طوله 110 كيلومترات في حين دعا نائب الرئيس العراقي طارق الهاشمي إلى استلهام هذه الذكرى من أجل الإصلاح السياسي والبرلماني والحكومي والإقتصادي والإجتماعي.

ذروة المراسم فجر اليوم
وقد وصلت مراسم إحياء ذكرى عاشوراء ذروتها فجر اليوم السبت حين خرج مئات الالاف من الرجال الى شوارع مدينة كربلاء وهم يرتدون الاكفان البيضاء ويضربون رؤوسهم بسكاكين طويلة يطلق عليها quot;القاماتquot;. كما خرجت بعدهم كراديس المواكب الحسينية القادمة من المحافظات الاخرى وهي تردد الشعارات التي تشيد بثورة الامام الحسين قاطعة الطريق البالغ طوله 300 متر بين مرقدي الحسين واخيه غير الشقيق العباس وسط المدينة تحيط بها إجراءات امنية مشددة. وعبرت المواكب التي شارك فيها مئات الالاف من الرجال باللباس الاسود عن مشاعر حزينة عبر ضرب الصدور بالاكف وضرب الزناجيل على الظهر بالتزامن مع اصوات تشيد بالحسين الذي استشهد في معركة الطف مع حوالى 70 من اهل بيته عام 61 للهجرة الذي يصادف عام 680 للميلاد مع وقع طبول ومكبرات صوت تصدح بحب الامام الثالث لدى المسلمين الشيعة. وقد سهر المشاركون الليلة الماضية حتى صباح اليوم حيث اصبحوا ممسكين عن الشراب والطعام حتى صلاة الظهر. وهذا تقليد مصدره الاعتقاد ان في مثل هذه الليلة سهر الحسين وال بيته واصحابه حتى الصباح ليلاقوا في اليوم التالي اسوأ يوم مر على ال بيت النبي بعد وفاته.quot;
وظلت المساجد والحسينيات في بغداد والمحافظات الشيعية الاخرى في وسط وجنوب البلاد تذيع عبر مكبرات الصوت قصائد حسينية طوال الايام العشرة الاولى من المحرم وكذا الحال في المنازل حيث وضعت الرايات على اسيجة المنازل واجهزة التسجيل تذيع القصائد الحسينية وتتكرر في اكثر المنازل قصيدة قديمة مشهورة للشاعر الشيخ الراحل quot; ياسين الرميثي quot; وهي quot; حسين بضمايرناquot;. كما انتشرت على جوانب الطرق الرئيسة التي سلكها الزوار متوجهين نحو مرقد الامامين مئات السرادق التي تقدم الخدمات والطعام والمشروبات مجانا للزوار وهو امر يعتز به المشرفون عليه كونه يمثل تقربا من الامام الحسين.
وقامت قوات الامن من الشرطة والجيش بفرض إجراءات امنية مشددة بهدف منع وقوع اي هجمات إرهابية او اعمال عنف تستهدف امن الزوار. وتم منع السيارات التي تحمل الزوار من مختلف المحافظات من الوصول الى كربلاء عند نقاط تفتيش تبعد نحو عشرة كيلومترات منذ مساء الخميس كما منعت السلطات تنقل سكان المدينة بسياراتهم. ولذلك تمت تهيئة وسائط نقل مرخصة مزودة ببطاقات تعريف من قبل السلطات المحلية لتتولى نقل الزوار الى المواقع القريبة من مرقد الامام الحسين. ومنعت السلطات حمل السلاح مهما كان نوعه من اجل تجنب وقوع اعمال عنف وتحقيق سلامة الزوار حيث اقتصر حمل الاسلحة على قوات الامن حصرا.
ووصل الكثير من المشاركين في المراسم الى كربلاء سيرا على الاقدام وخاصة من المحافظات الوسطى والجنوبية حيث ان للمدينة ثلاثة مداخل تشهد ازدحاما هي مدخل بغداد شمالا وبابل شرقا والنجف جنوبا.وتم فرض عمليات تفتيش دقيقة عبر نقاط متعددة للزوار المتوجهين الى مرقد الامام الحسين بمشاركة حوالى 500 امرأة يمارسن عملهن بتفتيش النساء القادمات لزيارة المدينة. كما انتشر الجنود في مناطق متفرقة وعلى اسطح المباني القريبة من مرقد الامامين بما فيها قبب المآذن التي رفع فوقها قماش احمر فيما حلقت مروحيات للجيش العراقي في سماء المدينة. وشارك في تنفيذ المهام الامنية حوالى 30 الف من عناصر الشرطة والجيش يرتدي بعضهم ملابس مدنية بينهم عشرون الفا من قوات كربلاء. يذكر ان اشتباكات كانت اندلعت منتصف اب (اغسطس) الماضي في مدينة كربلاء خلال زيارة إحياء ذكرى ولادة المهدي الامام الثاني عشر للشيعة ما ادى الى مقتل 52 شخصا واصابة حوالى 300 اخرين بجروح. ودفع ذلك بالزعيم الشيعي الشاب مقتدى الصدر الى اعلان تجميد نشاط جيش المهدي الميليشيا التابعة للتيار الصدري لمدة ستة اشهر بعد اتهامات بعلاقة التيار بوقوع الاشتباكات.

مليونا عراقي تدفقوا على كربلاء
وقال محافظ كربلاء عقيل الخزعلي ان أكثر من مليوني زائر كثيرون منهم جاءوا سيرا على الاقدام تجمعوا في كربلاء للاحتفال بيوم عاشوراء والذي كانت تفرض عليه قيود شديدة في عهد الرئيس السابق صدام حسين. واشار مصدر امني في وزارة الداخلية الى ان اجهزة الوزارة وجميع منتسبيها في بغداد والنجف وكربلاء والحلة والديوانية في حالة انذار وان مفارز ودوريات الشرطة بدأت اعمالها على الطريق العام للزائرين. كما أعدت وزارة الصحة خطة طوارئ طبية جرى تنفيذها في محافظة كربلاء والمحافظات القريبة منها وهي النجف والحلة والديوانية اضافة الى دوائر صحة بغداد. وقال مصدر في الوزارة ان دائرة العمليات الطبية والخدمات المتخصصة هيأت جميع الاستعدادات وبشكل متكامل بالتنسيق مع الدوائر الصحية في هذه المحافظات وبالتعاون مع وزارتي الداخلية والدفاع لتأمين الخدمات الصحية والطبية والاستعداد لمواجهة أي حالة صحية طارئةquot; مؤكدا توزيع المفارز الطبية وسيارات الاسعاف على جميع الطرق المؤدية الى كربلاء والنجف والاماكن المحيطة بالعتبات المقدسة وكذلك في بغداد في مناطق الكاظمية والمحمودية واللطيفية وتهيئة المفارز والملاكات الطبية في جميع المستشفيات.

10 الاف زائر عربي
وقد وصل زوار من خارج العراق طوال الايام العشرة الاولى من شهر محرم الى كربلاء قادمين من دول اسلامية مثل ايران وباكستان لاحياء ذكرى مقتل الامام الحسين في ظاهرة هي الاولى من نوعها التي تشهد فيها المدن المقدسة في العراق توافد الزوار من الاقطار العربية المجاورة منذ حوالى اربع سنوات بسبب الظروف الامنية في البلاد. واجتاز كثير من الزوار من الخليج الذين جاءوا الى كربلاء عبر ايران رحلة شاقة حيث اوضحت امرأة سعودية جاءت مع زوجها وشقيقتين ان الرحلة استغرقت عشرة أيام وتكلفت 1500 دولار. وقالت quot;عندما قدمنا الى كربلاء كنا نتوقع الاسوأ ولكنها امنة حقا.quot; ولعل أكثر ما يخيفها مثل كثير من الزوار الخليجيين هو أنهم سيتعرضون لاستجواب عند عودتهم لكنها قالت ان السفارة العراقية في طهران أعطتهم وثائق سفر موقتة لدخول العراق.
ومن جهتها اعلنت لجنة السياحة الدينية في مجلس محافظة كربلاء ان اكثر من عشرة الاف زائر من دول الخليج العربية ولبنان شاركوا في زيارة عاشوراء في مدينة كربلاء. وقال رئيس لجنة السياحة الدينية في مجلس المحافظة الشيخ عبدالحسن الفراتي ان هناك اكثر من عشرة الاف من الزوار الذين شاركوا للمرة الاولى منذ سقوط النظام السابق في زيارة عاشوراء واغلبهم من الكويت والبحرين ولبنان والسعودية بالاضافة الى اكثرمن 15 الف زائر اجنبي بينهم 12 الف ايراني. واضاف الشيخ الفراتي ان هذه الاعداد الكبيرة من الزوار اوجدت نوعا من التنافس بين اصحاب الفنادق في مدينة كربلاء حيث فضل بعض اصحاب الفنادق اقامة العرب بدل الايرانيين نتيجة لتدني الاسعار التي يدفعها الايرانيون والتي لاتتلاءم مع اسعار السوق.
ويبدأ مئات الالاف من المشاركين العراقيين في مراسم العزاء ابتداء من ظهر اليوم رحلة العودة الى محافظاتهم حيث نشرت السلطات قطعات من الجيش والشرطة على طول الطريق العام بين كربلاء وبغداد فيما عززت قوات الامن من مفارزها ودوريتها على الطرق المؤدية الى المحافظات المجاورة .

الهاشمي يدعو إلى استلهام الذكرى في إجراء إصلاحات
وفي رسالة وجهها الى العراقيين لمناسبة استشهاد الحسين دعا نائب الرئيس العراقي السني طارق الهاشمي المواطنين الى المحافظة على المبادئ التي ضحى من أجلها الإمام الحسين . وقال في رسالته quot; في الذكرى السنوية لاستشهاد سيد شباب أهل الجنة الإمام الحسين عليه السلام لا يسعنا إلا أن نقف معتبرين لنستلهم القيم و المبادئ التي دافع عنها الحسين وضحى بنفسه وأهله وأصحابه من اجل أن تبقى وان لا تموت مواصلة لمسيرة أسلافه من الصحب و الآل, وإنه لحري بنا أن نحافظ على تلك القيم التي اغتسل الحسين بدمائه من اجلهاquot;. واضاف quot;لتكن مقولته عليه السلامquot; واني لم أخرج أشرا ولا بطرا ولا مفسدا ولا ظالما ، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي رسول الله quot; شعاراً لنا في عراق اليوم نفتح بها أبواب عام 1429 بالإصلاح السياسي والبرلماني والحكومي والاقتصادي والاجتماعي ليكون إصلاحا شاملا متكاملا من اجل بناء عراق مستقر ينعم أهله بالأمن و الاستقرار والازدهار. ولتكن هذه الذكرى بآلامها وأحزانها حافزا يحرك فينا كل المعاني الإنسانية التي تجسدت في حادثة استشهاده عليه السلام وكفّاً يمسح دموع البائسين، وصوتا يجلل صداه في الآفاقquot;.
وكان رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي قد كلف وزير الامن الوطني شيروان الوائلي لقيادة عمليات كربلاء خلال ايام عاشوراء الحالية كما وصلت الى المدينة تعزيزات عسكرية قادمة من بغداد في حين بدأ مساء الخميس الماضي حظر لتجوال المركبات في 12 محافظة في وسط وجنوب العراق وحيث منعت السلطات حمل الاسلحة واستخدام اجهزة الاتصال حتى الساعة السادسة من مساء اليوم السبت . وبالترافق مع هذه الاحترازات العسكرية فقد اوصت اللجنة الامنية العليا المشرفة على زيارة عاشوراء الزوار بالالتزام بتعليمات أمنية اصدرتها حفاظا على سلامتهم وحرصا على سير الزيارة . ودعت اللجنة المواطنين الى السير على الطرق الرئيسة المحمية من القوات الامنية وتجنب الطرق غير المحمية .. والامتثال الى توجيهات واوامر القوات الامنية للحفاظ على ارواح المواطنين .. ومنع حمل الاسلحة النارية والادوات الجارحة منعا باتا. وقد قامت القوة المتعددة الجنسيات في العراق اليوم بتنظيم رحلة جوية لممثلي وسائل الاعلام من اجل تصوير ضريحي الامامين العباس والحسين من الجو وذلك لإظهار مشاهد مراسم عاشوراء .

أجواء معارك الجنوب ومحاولة اغتيال الربيعي خيمت على المراسيم
وقد خيمت على اجواء مراسم عاشوراء هذا العام المعارك الشرسة التي شهدتها مدينتا البصرة والناصرية الجنوبيتان طوال امس الجمعة بين جماعات تدّعي الانتماء الى الامام الثاني عشر لدى الشيعة وهو المهدي وبين القوات العراقية. وقد سقط في مدينة البصرة نتيجة هذه المعارك 150 قتيلا وجريحا فيما اسفرت معارك الناصرية عن 120 قتيلا وجريحا بينهم قادة عسكريون وضباط كبار. وقد اكد رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي الليلة الماضية ان قوات الجيش قد تحركت بفاعلية في المدينتين ضد القوات المنحرفة واستطاعت فرض الامن فيهما . وقال في بيان رسمي ارسلت نسخة منه الى quot;إيلافquot; ان الاجهزة الامنية والعسكرية quot;قد تمكنت من فرض السيطرة الكاملة واعادة الهدوء الى محافظتي البصرة والناصريةquot; واضاف انه quot;قد تم اعتقال عدد من المنحرفين الذين تعرضوا للمواكب الحسينية ومحاولتهم السيطرة على احدى مؤسسات الدولة في محافظة البصرة،كما اعتدت عناصر من الفئة الضالة ذاتها على آمر المهمات الخاصة وعدد من معاونيه في محافظة الناصريةquot;. وقال quot;كانت اجهزتنا الامنية قد تمكنت من تفكيك شبكة ضالة واعتقال عدد كبير من عناصرها كانوا يخططون لقتل علماء الدين في محافظتي النجف الاشرف وكربلاء المقدسة،وان ما حدث في البصرة والناصرية ليس الا ذيولا لمخطط اجرامي مشبوهquot;. واضافquot;ان هذه الجماعة المنحرفة التي تحاول التستر باسم الدين قد اصبحت مكشوفة لابناء شعبنا الذين تعاونوا مع قواتنا المسلحة في احباط المخططات الشريرة لهذه الجماعة المنحرفة التي تحاول زعزعة الامن والاستقرار في المحافظات الجنوبية من عراقنا العزيزquot;.

كما شهدت الليلة الماضية قيادة وزير الداخلية العراقي جواد البولاني لقوات حررت مستشار الامن القومي موفق الربيعي من احتجاز مسلحين له في مسجد في احد احياء بغداد . وكان الربيعي يحضر مجلس عزاء في حسينية الجوادين في منطقة الشعلة في بغداد عندما هاجم مسلحون ينتمون الى جيش المهدي التابع للزعيم الشيعي مقتدى الصدر المكان واحتجزوه فيه . وامام حسينية الجوادين هو عبد الله الشوكي الذي ينتمي الى المجلس الاسلامي الاعلى زعيم الائتلاف الشيعي الحاكم السيد عبد العزيز الحكيم ويبدو انه كان مستهدفا ايضا نظرا للخلافات بين المجلس والتيار الصدري الذي يقود جيش المهدي .