فيروز خانت لبنان أم حسنت صورة سوريا ؟
دراما تحيط بتواجد المطربة اللبنانية الشهيرة في الشام

ترجمة محمد حامد ndash; إيلاف : منذ ظهور الفنانة فيروز على خشبة مسرح دار الأسد للأوبرا في ليلة الأحد، واجهت المطربة ذات الشعر الأحمر والرداء الأخضر عاصفة من التصفيق حيث إنها المرة الأولى التي تعود فيها فيروز إلى دمشق خلال ثلاثة عقود. وبعيدا من المسرح كانت فيروز تقوم بدور البطولة في عمل درامي آخر، وقد كان من الصعب عليها أحيانا أن توفق بين العملين. كانت عودة فيروز التي بلغت السبعين من عمرها، نصرا لسوريا حيث حاولت الحكومة السورية أن ترقى بأدائها كجزء من المهرجان الثقافي الذي يستمر لعام من أجل أن تحسن صورتها المشوهة في الخارج. وبالنسبة إلى بعض اللبنانيين الذين يتهمون سوريا بأنها السبب في الأزمة السياسية في لبنان، فإنهم يرون أن ظهور فيروز هناك يعد خيانة . حيث كتب أحد السياسيين اللبنانيين الشهر الماضي في احتجاج عام على ظهور فيروز في سوريا قائلا : إن أولئك الذين يحبون لبنان لا يغنون لسجانيهم quot; . وهناك آخرون يقولون إنها جاءت إلى هنا لتوصيل رسالة ضمنية. حيث إن العمل الكوميدي الغنائي الذي اختارته اسمه quot; صح النوم quot; وهو عن دكتاتور قاسٍ وفاسد، وتقوم فيروز بدور المرأة التي تخبر الدكتاتور بالحقيقة وتعمل على إصلاحه.

ومهما كانت الحقيقة فإن أداء فيروز قد أبرز صعوبة الفصل بين الفن والسياسة في سوريا التي تحاول فيها أعمال الأوبرا إلقاء الضوء بشكل خفي على النقد الاجتماعي المحظور. وعلى الرغم من انفضاض السوريين بعد ليلة الترحيب الهائلة بالفنانة في مبنى الأوبرا ، إلا أن ظهورها في سوريا يمكن الاختلاف في تفسيره حسبما يرى المشاهد.

حيث قال نبيل سوكار، رجل الاقتصاد، بعد نهاية الحفل: quot; إن ظهور فيروز هنا يعد رسالة لجيراننا في لبنان. فها هي أعظممطربة لبنانية قد جاءت إلى دمشق على الرغم من جميع المشكلات.quot; أما رافد زاكوت الممثل الناشئ فيرى رسالة مختلفة حيث يرى أن المسرحية هي رمز للحكم الفردي، حيث قال مشيرا إلى تواجد العديد من المسؤولين السوريين بين المشاهدين: quot; أعتقد أن بعض من حضروا هذه المسرحية كانوا جالسين في الصف الأول.quot;

أما حنان حسن مخرجة المهرجان فقد قالت إنها حاولت جادة أن تمنع ظهور العرض بشكل سياسي، حيث قالت للنقاد اللبنانيين في مكتبها إنهم يحاولون أن يبرزوا صراعهم على أكتاف فيروز. ولكن فيروز بعيدة كل البعد عن أي مظهر سياسي. كما أضافت حنان حسن أن المطربة فيروز رفضت في البداية أن تأتي إلى دمشق بسبب التوترات السياسية بين سوريا ولبنان. ولكني أعرف فيروز منذ سنوات وقد قلت لها إن هذا الوضع قائم منذ عشرين عاما، ولكننا لا يمكن أن ننتظر إلى الأبد. وأخيرا وافقت فيروز.
والحفل الذي يقام بمناسبة اختيار اليونسكو لدمشق كعاصمة الثقافة العربية هذا العام قد ضم زيارات قام بها مخرجون من المجر وفرق العروض اليابانية وفرق الأوبرا الفرنسية بالإضافة إلى فنانين عرب وسوريين. وإن أحد أهداف المهرجان، كما ظهر في كتيب المهرجان الذي نشره المنظمون للمهرجان تحت عنوان quot; النتائج السياسيةquot; هو تغيير صورة سوريا والتأكيد على الانفتاح والتنوع والتواجد والأمن الثقافي.

هذا الهدف لن يكون سهلا حيث إن كثيرا من علاقات سوريا قد تجمدت مع بعض الدول العربية التي اتهم المسؤولون فيها الحكومة السورية بإعاقة انتخاب رئيس للبنان، مع وجود تفجيرات واغتيالات في لبنان خلال الأعوام الثلاثة الماضية. وقد قيل إن السعودية ومصر ترفضان حضور القمة العربية هذا العام لأنها سوف تعقد في دمشق.

وفي الحقيقة فإن ظهور فيروز في سوريا تزامن مع القبض على السياسي السوري المنادي بالديمقراطية رياض سيف الذي يعاني مرض سرطان البروستاتا. حيث قال حسن عباس مدير المعهد الفرنسي للشرق الأوسط في دمشق: quot; إنني باعتباري شخصا قريبا من المفكرين السوريين، فإنه لا يمكنني أن أشارك في هذه الاحتفالية لأن أصدقائي يوجدون في السجن.quot; وقد كان عباس مشاركا في التخطيط للاحتفال قبل أن يعتزل ذلك العام الماضي.

ولم توجه الدعوة لبعض الفنانين الذين ينتقدون الحكومة للمشاركة في الاحتفال أو حتى حضور مراسم حفل الافتتاح. حيث قال عثمان محمد، المخرج الذي فازت أفلامه بجوائز في أوروبا ولكنها ممنوعة من العرض في سوريا: quot; هذا هو أسلوبهم كي يقولوا لي بأني غير معروف هنا. هل يظنون أني سأقف في يوم الافتتاح وألقي خطابا يهاجمهم؟quot;

أما بالنسبة لفيروز فقد قال إنها بعيدة عن الأمور السياسية ومن المحتمل أنها لا تخفي في عقلها أي انتقادات في المسرحية التي اختارتها. لقد مثلت مسرحية quot;صح النومquot; في أماكن أخرى. ومع ذلك فإن أغانيها قد فسرت على أنها تحمل رموزا سياسية مرات ومرات في السنوات الأخيرة. فأثناء الحرب التي وقعت عام 2006 بين حزب الله وإسرائيل، مثلا، وفي إحدى مسرحياتها التي مثلت فيها دور فتاة تطالب بالقصاص من أجل قتل والدها، قد قام راديو حزب الله بإذاعة هذه المسرحية في لبنان مرات ومرات في محاولة لربط فيروز بموقفهم.

ولقد كانت أغنيتها quot;سنعودquot; النشيد غير الرسمي للاجئين الفلسطينيين، ثم تغنى بها اللبنانيون الذين فروا من البلد أثناء الحرب الأهلية. وهناك أكثر من سبب كي تقرأ الأمور السياسية في أداء فيروز: فلدى سوريا تراث من المسرحيات والأفلام والعروض التلفزيونية التي تقدم رموزا سياسية أو تشير بتلميحات إلى الحكومة السورية. وأفضل تلك الأعمال المسرحية الأخيرة للكاتب المسرحي سعدالله ونوس، التي تمزج التهكم برؤى عن قوة الخوف في مجتمع الحكم الفردي. إن تلك المسرحيات لا تعد تهديدا لأي طبقة حاكمة. ولكن الناس يحبون فيروز، ولهذا فإنهم قد يعتقدون أنها تنادي بما في المسرحيات التي تقدمها.