علي مطر من اسلام اباد:باكستان استيقظت يوم 19 فبراير بوجه جديد من المؤكد انه يختلف تماما عما عهدناه منها طوال السنوات التسع الماضية وهو وجه قد يخرجها او بالاحرى ينتزعها من الازمات والمشاكل الكثيرة التي غرقت فيها غرقا عميقا في السنوات الماضية والتي تتمثل في غياب الامن بسبب مشاركة باكستان في الحرب ضد الارهاب التي تقودها الولايات المتحدة دفاعا عن مصالحها ضاربة عرض الحائط بمصالح حليفتها الرئيسية في هذه الحرب؛ وتتمثل كذلك في التيهان الاجتماعي والضياع الناجم عن تدهور الاوضاع الامنية وعدم معرفة المواطنين العاديين وهم الاكثرية الى فئة ينضمون او اي جانب يؤيدون.

وجه باكستان الجديد يبدو واعدا في مجال تطلعات الشعب الباكستاني وتوقه الشديد الى ديموقراطية حقيقية تختلف تماما عن تلك التي قال مشرف انه يجب عليه ان يقوم بتفصيلها وخياطتها على مقاس الشعب الباكستاني باعتبار ان لا احد غيره ndash; غيره فقط ndash; يعرف القدر المناسب الذي تحتاجه باكستان من الديموقراطية لانه ان زادت جرعة الديموقراطية بقدر يختلف عما يحدده هو فان الاوضاع لن تكون على ما يرام او هذا هو ما يقوله.. مشرف يتهم الغرب بانه وصل الى الديموقراطية بعد قرون من الكفاح وانه يطالب باكستان بان تصل الى مستوى الديموقراطية الذي وصله الغرب في غضون شهور او سنوات. وهذا منطق عجيب والعجيب فيه انه يصدر لدى عتبات القرن الحادي والعشرين وتقنياته. شعب باكستان اظهر من خلال نتائج الانتخابات المضادة لسياسات الرئيس مشرف انه يبحث عن الحرية وعن صنع قراره بنفسه وعن السلام والاستقرار في معيشته وحياته.

نتائج الانتخابات كانت بمثابة استفتاء رفض تلك السياسات بالكامل باعتبار ان القيادات السياسية المؤيدة لمشرف خرجت من الساحة السياسية ولم تكتفي بذلك وحسب بل اخفق عدد منها من الفوز بمقاعدج برلمانية.

الانتخابات ونتائجها احتوت على رسالة واضحة. تقول الرسالة للرئيس مشرف: quot; سيادة الرئيس، تحلى ببعض من الكرامة وتنحى من منصبك وعد الى بيتكquot;. نتائج الانتخابات جاءت بمثابة تصويت بحجب الثقة عن سياسات الرئيس مشرف الذي يامل الكثيرون من ابناء الشعب الباكستاني بأن يقرأ جيدا الكتابات المسطرة على جنبات شوارع المدن الباكستانية، وذلك لان الاخفاق الذريع لحزب الرابطة الباكستانية الاسلامية ( جناح قائد الموالي لمشرف ) قد وجه ضربة قوية للرئيس مشرف بالاضافة الى كونه نوع من الاذلال لجميع اولئك الذين ارتبطوا بسياساته وجعلوا انفسهم بذلك يقفون ضد رغبات الشعب الذي عانى سياسيا واجتماعيا واقتصاديا من تلك السياسات التي يرى المراقبون السياسيين في باكستان انها لم تخدم سوى مصالح واشنطون مع اضرارها الكامل بمصالح باكستان.

سياسات الرئيس مشرف منذ عام 1999م لم ترقى الى درجة اقناع الشعب الباكستاني بجدواها لانها قلبت المجتمع راسا على عقب وحولت فئاته الى فئات متناحرة ضد بعضها البعض منتجةًًَ بذلك نوعا من quot;الفوضى الخلاقةquot; التي يطمح صانعوا القرار وواضعي السياسات في الولايات المتحدة الامريكية الى ايجادها في المجتمعات التي يتوقون الى اعادة تشكيلها بالطريقة التي تتناسب مع رؤاهم وتوجهاتهم. سياسات مشرف لم تفلح في كسب عقول وقلوب شعبه بسبب نتائجها المتمثلة في انتشار حاد للعمليات الانتحارية وتدهور اوضاع الامن وغياب القانون الى درجة مسفة اودت ببوصلة هذه القلوب والعقول واصابتها بحالة من فقدان الاتزان لدرجة ان المتاثرين من العنف السياسي والغلاء الفاحش يكادون يكلمون ذواتهم خلال سيرهم في شوارع المدن المكتظة بهم.

ثقافة كبار الشخصيات وتخصيص اكبر عدد ممكن من القوات الامنية لحراستها هي سياسة جاء بها مشرف وقد منحته الحماية فعلا وتمكن من خلالها من النجاة من عدة محاولات لاغتياله ولكنها عملت في ذات الوقت على عزله عن شعبه الذي لم يرتبط به او بسياساته وخصوصا في السنة الماضية التي شهدت حربه الشرسة ضد السلطة القضائية ممثلة في قاضي القضاة افتخار شودري ومواجهته التي لم تكن متوقعة ضد المسجد الاحمر باسلام اباد وشهدت بعد ذلك اعلانه عن احكام الطوارئ التي زلزلت شعبيته ودفعتها بقوة الى ادنى مستوياتها.

كان متوقعا ان يغتنم الرئيس الباكستاني فرصة اخفاق وزرائه وقيادات الحزب الموالي له بالانتخابات وان يقول لشعبه انه اوفى بوعوده وجاء بانتخابات حرة ونزيهة وان يقول لشعبه انه سيقدم استقالته من منصبه بعد ان يتم نقل السلطة للحكومة المنتخبة الجديدة بسلاسة وهدوء تام وان يدخل الى عتمة الليل كما قال احد اعضاء الكونجرس الامريكي الذي اكد على ان مشرف يفكر جيدا في الخروج من السلطة اذا ما وجد مخرجا آمنا ولكن معسكر الرئاسة الباكستانية ينفي ذلك ويصر على القول بان الرئيس لن يستقيل رغم كل شيئ. لقد كانت كلمات مشرف قبل الانتخابات هي quot;سوف استقيل اذا خسر اتباعيquot;. وهم لم يخسروا وحسب بل تراجعوا الى المرتبة الثالثة بعد الحزبين الرئيسيين ولكن بفوارق كبيرة بينهم.

كل سياساته اخفقت باخفاق وزراء الخارجية والتجارة والتعليم والصحة والشؤون الدينية والسكة الحديد العمل والشؤون البرلمانية والمياه والطاقة والحكومات المحلية بالحكومة السابقة وغيرهم من مؤيديه في الفوز بمقاعد برلمانية. معظم القيادات السياسية التي تخلت عن نواز شريف بعد اسقاط مشرف لحكومته في انقلاب 1999م وفضلت اتباع مشرف اخفقت امام مرشحي حزب نواز شريف وبفوارق كبيرة وهذا يعني ان مشرف اسقط حكومة نواز وأن نواز قام باسقاط القيادات السياسية المؤيدة لمشرف في انتخابات 18 فبراير وبهذا استيقظت باكستان بحلة مختلفة تماما عن ما كانت عليه. والخلاصة ان مشرف قد يكون المفضل لدى واشنطون ولكنه وبكل تاكيد ليس مرغوبا ببقائه في السلطة من جانب الشعب الباكستاني.