لندن: واصلت صحيفة الإندبندنت البريطانية تغطية جانب مما أعلنت عنه في عدد أمس بصفة حصرية من إمكانية أن تفتح الحكومة البريطانية تحقيقا شاملا في الحرب على العراق. وكتب محرر الصحيفة للشؤون السياسة أندرو غرايس عن الصعوبات التي قد تعترض فتح هذا التحقيق فقال: quot; لقد تعهد رئيس الوزراء بالدعوة إلى مثل هذا التحقيق في رسالة إلى الجمعية الفابية المنتسبة إلى حزب العمال. لكنه حرص على التأكيد على أن الوقت لم يحن بعد لفتح هذا التحقيق نظرا للوضع 'الهش' في العراقquot;. وسيفتح نقاش في الأسبوع المقبل داخل مجلس العموم لتقرير ما إذا كان مثل هذا التحقيق سيفتح قريبا أم لا.

ويتوقع الكاتب أن تفلح الحكومة في عرقلة أي مشروع يؤيد فتح هذا التحقيق عاجلا. فحتى المحافظين الذين يؤيدون التحقيق الشامل، ليس من مصلحتهم السياسية نبش الماضي القريب نظرا لأنهم صوتوا على شن الحرب على العراق، حسبما يوحي به تقرير الإندبندنت. وقد لمح إلى شيء من هذا الناطق باسم قسم الشؤون الخارجية في حزب الديمقراطيين الليبراليين إد ديفي حينما قال: quot; سيتيح النقاش الذي سنخوضه في الأسبوع المقبل لديفيد كيمرون (زعيم حزب المحافظين البريطاني) ولزملائه ربما فرصة توضيح الأسباب التي أدت بهم إلى التصويت على هذه الحرب الكارثية أول مرة.quot; ولا يرى المؤيدون لفتح التحقيق في الحرب على العراق فورا أي داع للتأخير، بل على العكس يعتقدون أنه من المفيد أن تستخلص العبر من هذه التجربة لتفادي الأخطاء في المستقبل.

اللاجئون العراقيون لن يقبلوا التأجيل

ونشرت نفس الصحيفة رسالة إلى المحرر وقعها نورمن فاولر عضو مجلس اللوردات، يشرح فيها الأسباب التي تؤيد إجراء التحقيق. ويقول اللورد فاولر:quot;إن المصلحة العامة تقتضي إجراء التحقيق عندما تكون الذكريات لا زالت حية.quot; ويذكركاتب الرسالة في هذا الصدد بالتحقيق في عمليات الدردنيل، الذي أجري إبان الحرب العالمية الأولى في وقت كانت فيه بريطانيا quot;تحت التهديدquot;.

ويضيف اللورد فاولر في رسالته: quot; وفوق هذا وذاك، هناك أربعة ملايين نازح أولاجئ عراقي. إن أوضاعهم المزرية في غالب الأحيان، وكل تحقيق ينبغي أن يبحث فيما إذا كانت بريطانيا تقوم بما ينبغي القيام به لمساعدتهم.quot; ويختم فاولر رسالته إلى المحرر بالقول: quot; يوم الخميس 20 مارس/ آذار سيفتح نقاش حول العراق داخل مجلس اللوردات. إنه يتيح الفرصة للحكومة لكي تعيد النظر في موقفها.

حرب براون quot;البراغماتيةquot;

وترى ريتشل سيلفستر في الديلي تلغراف، أن تصريحات براون تنم عن الاختلاف البين بين مقاربة رئيس الوزراء الحالي عن سلفه طوني بلير. وتبدأ الكاتبة تعليقها مقتبسة من الفيلسوف الإغريقي أرسطو إحدى أفكارها التي صارت فيما بعد شعارا: quot; نحن نخوض الحرب، حتى نعيش في سلامquot;. لكن الأحداث الراهنة تذهب -في رأي الكاتبة- عكس توجه فكرة أرسطو، ولا أدل على ذلك -حسب الكاتبة دائما- مما يعانيه العراقيون وبعد اجتياح العراق قبل خمس سنوات، وما بلغته الحرب على الإرهاب الذي زاده سقوط بغداد عنفوانا وزخما.

وتقول الكاتبة :quot; لقد أدى براون فواتير البعثة العراقية (بصفته وزيرا للمالية آنذاك)، لكنه لا يريد أن يؤدي ثمنها السياسي.quot; وتقرأ الكاتبة رسالة براون إلى الجمعية الفابية من هذه الزاوية، فتقول: quot;من الواضح أن السيد براون يريد أن ينأى بنفسه عن أضعف حملة عسكرية بريطانية شعبية منذ التدخل العسكري في السويس.quot; وترى الكاتبة أن تيار براون في حزب العمال يسعى إلى quot;إلصاقquot; المسؤولية بطوني بلير. وتنقل الكاتبة تصريحات أدلى بها وزير بريطاني وقال فيها: quot; إن طوني (بلير) هو الذي قرر الذهاب مع الأمريكيين. وكل شيء زيف بغرض دعم ذلك القرار.quot; وتذكر الكاتبة بأن جاك سترو أحد أنصار تيار براون، كان آنذاك وزير الخارجية، وكان من بين المتحمسين لخوض حرب العراق. لكنها سرعان ما تؤكد أن القرار يعكس تصور وإرادة رئيس وزراء بريطانيا السابق.

أما رئيس الحكومة البريطانية الحالي فإنه لا يرى العلاقات الدولية بمنظار الأسود والأبيض، حسب تحليل الكاتبة. فإذا كان بلير يرى أن المسألة الأمنية هي صراع أيديولوجي ضد أفكار الشر، فإن براون يؤمن إيمانا quot;براغماتياquot; بأنها رهن بإضاع قوى معينة للسيطرة. كما يؤمن براون- حسب الكاتبة- بأن الغرب يخوض حربا الانتصار فيها مرتبط بربح معركة القلوب وإقناع الشباب المسلم بأنه quot;ليس من مصلحتهم أن يتحولوا إلى التطرف.quot; ويبدو -في رأي الكاتبة- أن براون يرفع في هذا الصدد شعارا، فكرة لأحد أسلافه في هذا المنصب وهو بالمرستون الذي قال: quot; في السياسة ليس هناك حلفاء دائمون، هناك مصالح دائمة.quot;

الضحايا والناجون

وما دام الشيء بالشيء يذكر، نعرج على التايمز التي نشرت تحليلا لبيتر ريدل يتحدث عن التبعات السياسية للحرب على العراق في بريطانيا. ويقول ريدل -الذي ألف كتابا عن العلاقة بين رئيس وزراء بريطانيا السابق طوني بلير والرئيسين الأمريكيين السابق بيل كلينتون، والحالي جورج بوش-: quot;إن الحرب على العراق كانت زلزالا وحدثا من تلك الأحداث التي لا تقع إلا مرة واحدة في الجيل.quot;

ويقسم الكاتب من يسميهم بمحاربي الوايت هال (مقر الحكومة البريطانية غير بعيد من دير وستمنستر مقر البرلمان بغرفتيه)، إلى قسمين: الضحايا والناجون. ويضع في الخانة الأولى عددا من الساسة البريطانيين وفي مقدمتهم رئيس الوزراء البريطاني السابق نفسه quot;لضلوعه في القضايا الثلاثquot; التي أدت إلى الأزمة.

وهذه القضايا تمخضت عن النقاش الذي دار حول المعلومات الاستخباراتية، وحول التعليل القانوني للحرب، وحول الوضع الدموي الذي أعقب الحرب. ويشير الكاتب إلى أن تحقيق اللورد هاتن كان الأكثر إضرارا بسمعة المسؤولين البريطانيين، إذ اتهم المخابرات بالرضوخ لضغوط الساسة. ويختم الكاتب تحليله بالقول: quot; إن العراق كان ملحمة بأبطال قليلين، وأشرار قليلين، لكن بسمعة ملطخة كثيرا.quot;